ديلما روسيف.. مناضلة أنهت مشوارها السياسي بـ"فضيحة العزل"
عزل ديلما روسيف من رئاسة البرازيل يأتي بعد 30 شهرا من "الفضيحة" و9 أشهر من "الشلل السياسي"، و13 عاما من الحكم اليساري، فكيف بدأت القصة؟
صمدت ديلما روسيف بوجه التعذيب في سجون الديكتاتورية العسكرية، وخرجت منها لتُصبح لاحقًا رئيسة للبرازيل، إلا أن هذه المكافحة العنيدة أثبتت أنها ليست على المقدار نفسه من الحنكة السياسية لديها، فسقطت، الأربعاء، بعد أن أقالها مجلس الشيوخ البرازيلي في قرار تاريخي.
عندما مثلت روسيف للمرة الأولى أمام القضاء عام 1970، أخذت صورة لها بالأسود والأبيض بدت فيها هذه الشابة المناضلة وهي تنظر بتحد إلى القضاة العسكريين الذين كانوا يستعدون لمحاكمتها.
ولم يكن أحد ليتصور في تلك الفترة أن هذه الشابة المتمردة المعتادة على ارتداء تي شيرت وسروال جينز، ستصبح لاحقًا أول امرأة تنتخب رئيسة في أكبر بلد في أمريكا اللاتينية وأقوى سابع اقتصاد على مستوى العالم.
ومن سخريات القدر أنها أجبرت بعد 4 عقود وبعد تلاشي الحكم الديكتاتوري على المثول هذه المرة أمام مجلس للشيوخ الذي أقالها بعد أن اتهمها بإخفاء الأرقام الحقيقية للحسابات العامة للدولة خوفًا من الاستياء الشعبي.
بداية الأزمة
بدأ الشعب البرازيلي التشكك في روسيف بعد اكتشاف فضيحة فساد ضخمة وعقود مشبوهة قدرها 22 مليار دولار أمريكي في شركة بتروباس النفطية المملوكة للدولة، والتي كانت ترأسها الرئيسة البرازيلية المعزولة في الفترة بين 2003 إلى 2010.
وانتفض الشعب البرازيلي في مظاهرات مليونية واسعة بمناطق كثيرة حول البلاد خلال عامي 2015 و2016 ضد حزب العمال اليساري الحاكم للمطالبة بإقالة ومحاكمة روسيف، بينما خرج مؤيدوها لمحاولة إنقاذها من تلك الانتفاضة.
وخلال تلك المدة الطويلة التي مرت خلالها البلاد بالعديد من المراحل المفصلية، انهالت الاتهامات على روسيف التي أصرت على موقفها بأنها بريئة من كل الاتهامات الموجهة إليها بل ولم ترتكب أي خطأ يذكر.
لكن يبدو أنها لم تقنع الشعب البرازيلي الذي عانى خلال فترة حكمها من انكماش اقتصادي ونسبة بطالة ضخمة، بل حتى لم تستعطف المعارضة التي ضربت روسيف بقضية فساد جديدة تتهمها فيها بانتهاك قواعد ميزانية الدولة لصالح حملتها الرئاسية وإخفاء الأرقام الحقيقية للحسابات العامة.
انهيار روسيف
ولم ينفك مجلس النواب البرازيلي الذي يسيطر على معظمه موالين لروسيف أن رضخ لمطالب المعارضة اليمينية، حينما أعلن رئيس مجلس النواب إدواردو كونيا بدء إجراءات التصويت على عزل روسيف في 3 ديسمبر لعام 2015، ليكون أول مسمار في نعش روسيف.
وتوالت المظاهرات المليونية والاتهامات المتبادلة بين روسيف وحكومتها من ناحية والمعارضة اليمينية من ناحية أخرى، حتى جاء اليوم الموعود في 18 أبريل/نيسان عندما وافق ثلثي مجلس النواب على إحالة روسيف إلى مجلس الشيوخ للبت في قرار عزلها.
وفي 12 مايو/أيار من العام الجاري، أقر مجلس الشيوخ تعليق عمل روسيف وتعيين نائبها ميشال تامر رئيسًا مؤقتًا لحين الانتهاء من الإجراءات، على أن يتم استئنافها بعد 3 شهور.
درس في الصمود
بعد خروجها من مكتبها الرئاسي كررت روسيف إصرارها على براءتها، وأن إقالتها ستكون انتهاكًا للديمقراطية في البلاد، ملوحة باتهامات حول "انقلاب برلماني" يقوده نائبها تامر الذي أعلن انفصاله عن ائتلاف الرئيسة المعزولة.
وبقيت روسيف وفية لمسيرتها النضالية، وألقت كلمة الثلاثاء أمام المجلس جاءت عبارة عن درس في الصمود، حين أصرت على أن تدافع عن نفسها بنفسها أمام الاتهامات الموجهة إليها طيلة 14 ساعة.
وبصوت هادئ وحازم أكدت أن "ضميرها مرتاح لأنها لم ترتكب أي جريمة ومسؤولية"، واعتبرت أن ما يحصل عبارة عن "انقلاب برلماني الهدف منه إيصال حكومة مغتصبة"، رغم إرادة 54 مليون برازيلي أعادوا انتخابها لتكون رئيسة عام 2014.
وبعد أن تطرقت إلى السنوات الصعبة التي أمضتها في السجن خلال شبابها، قالت بصوت مرتجف من شدة التاثر "كنت أخاف من الموت ومن نتائج التعذيب على جسدي وعقلي إلا أنني لم أتراجع وصمدت.. واليوم أنا لا أخشى سوى موت الديمقراطية".
وفي نهاية مجموعة جلسات تاريخية وبعد شلل سياسي عانت منه البرازيل لمدة 9 أشهر، أقر مجلس الشيوخ بواقع 61 إلى 20 صوت بإدانة روسيف لمخالفتها قوانين الميزانية العامة، لينتهي 13 عامًا من حكم التيار اليساري في البلاد.
مقاتلة شجاعة وإدارية فاشلة
وفي هذا السياق، قال مايكل معلم أستاذ الحقوق في مؤسسة جيتيليو فارجاس، إن ديلما روسيف "ستدخل التاريخ كإدارية فاشلة لم تنجح في الحوار مع البرلمان، وتتحمل مسؤولية الوضع الاقتصادي المتردي".
في حين أن مؤيديها سيتذكرون فيها صورة "المقاتلة الشجاعة دفاعًا عن الشعب البرازيلي" الذي يموت ولا يستسلم.
aXA6IDMuMTQ0LjEwMC4yNTIg
جزيرة ام اند امز