يحيى جابر: أسعى إلى الكوميديا لأشعر بالخطر.. كبهلوان على حبال الدمع
انطلقت في بيروت، مسرحية "بيروت فوق الشجرة" للمخرج والمؤلف يحيى جابر.. عرض يسرد تاريخ تحولات المدينة.
انطلقت في بيروت، منذ أيام، مسرحية "بيروت فوق الشجرة" للمخرج والمؤلف اللبناني يحيى جابر، صاحب التجربة الشعرية المعروفة، عرض يسرد تاريخ تحولات المدينة، عمرانًا وسكانًا وأطوارًا كوزموبوليتية آفلة، وأنماط عيش للتعدد الديني والإثني، مونودراما تقدم الكوميديا التي تضمر الوجع، وتقدم المأساة بخفة الفن ورونق الضحكة، ويجسدها باقتدار الممثل زياد عيتاني (مع الموسيقي جمال عبد الكريم).
عن هذا العمل الجديد، وما سبقه من مسرحيات ترسم مسارًا خاصًّا بتجربة يحيى جابر، كان معه هذا الحوار:
* عملك الجديد "بيروت فوق الشجرة" يؤكد على ما ابتدأته في عرضك السابق "الطريق الجديدة"... مسرح الحكواتي، أو المونودرامي، على منصة متقشفة وحضور واضح للموسيقى. باختصار، ما هو تعريفك لمسرح يحيى جابر؟
- التقشف هو سمة من سمات مسرحي، وذلك عن سابق تصور وتصميم، أبحث عن المهمل من الأشياء، مرورًا بإلتقاط تفاصيل التفاصيل في حكايات الناس، في أعمالي السينوغرافية، تحتل الأكسسوارات دورًا بارزًا في رؤيتي الإخراجية، المستوحاة من النص أو من الشخصيات، وبهذا المعنى، يأتي توظيفها لتلعب دورًا أساسيًّا في تشكيل المشهديات، بعيدًا عن البهرجة التزويقية، وأيضًا بعيدًا عن الفراغ التجريبي في الحيز، فلا مبالغة في المرئيات والبصريات، كرافعات لنص ما ولا ضجيجًا موسيقيًّا لإخفاء عيوب ممثل أو نص، الحكواتي أصل كل حكاية، الممثل الواحد أصل المسرح، وأصل الممثل حكواتي، وأصل الحكواتي شاعر منفرد أو راقص شعائر وطقوس.
منذ بداية أعمالي المسرحية، من "ابتسم أنت لبناني" حتى "بيروت فوق الشجرة"، كنت منشغلاً بالنص أولاً، وذلك في ظل غياب المؤلف المسرحي من جهة، وشغفي بالمسرح كمهنة وكحياة من جهة ثانية، أحب ممارسة هذا الطقس في يومياتي كمسرحي، على مدار الساعة، دراميًّا وكوميديًّا وسلوكًا وتأليفًا، وما اختياري للمونودراما أوالحكواتي أو نهج "الستاند آب" إلا عودة إلى أصل المسرح، أي الشعر والشاعر الذي يلقي قصائده، وهو أيضًا خيار عملي وإنتاجي، فما من ممول أو داعم مالي لأعمالي، وبلا راعٍ محلي أو أجنبي.
الشعبي والتجريبي
* الكوميديا هي وجهتك الصعبة، وأنت أيضًا مهجوس بالجملة الشعرية، كما في عرضك "خذ الكتاب بقوة". كيف تجد التوازن بكتابتك المسرحية؟
- تفتحت موهبتي التعبيرية كشاعر، ولكنني اخترت المسرح كاختصاص في حياتي الجامعية، بمعنى آخر، لم اختر كشاعر كلية الآداب أو الفلسفة، أظن أن الصورة الشعرية لها قوة تعبيرية أقوى، حين تنتقل إلى الفضاء المسرحي، كل الشعراء الكبار كانوا مسرحيين، من سوفوكليس إلى شكسبير وحتى بريشت، المسرح والشعر، مع جرعة الكوميديا الساخرة، تضفي على أعمالي تلك الخلطة المجبولة بتاريخ لغة، أو لهجة، أو طائفة، أو حتى فرد منفرد، الكوميديا من خشبات نجاتي، الكوميديا هي جهنم الضحكات للوصول إلى فردوس الخلاص. أتوازن أحيانًا بالكوميديا، حين يتمايل النص أو تتراقص الشخصيات، وأحيانًا أسعى إلى الكوميديا اللامتوازنة لأشعر بالخطر كبهلوان على حبال الدمع.
* أعمالك، تقترح مسرحًا شعبيًّا من نوع آخر، بعيدًا عما يسمى المسرح الجاد والتجريبي والطليعي، كيف تصف مشهد المسرح اللبناني العريض والمتنوع؟
- كل شيء بنظري هو شعبي وتجريبي في آن واحد، بمعنى أن البشر كائنات تجريبية محتملة، ستجد في أي روح بشرية النقائض والمجهول والغامض والعصي على التفسير والعمق واللاجدوى، والمسرح بطبيعته أداة كشف أو سبر غور ونبش في البشري، ومن ثم عرضه وإستعراضه، من جثة مرورًا بوردة، "التجريب" في "الشعبي" أصعب، بسبب الأحكام المسبقة والنظرة الثقافية الدونية للضاحكين من مهرجين إلى كوميديين.
والمسرح اللبناني في هذه الأيام يشهد فورة جدية، في أعمال غزيرة ومنوعة، في كافة أنواع المسرح. هذه ظاهرة تستحق التأمل والتوقف عندها، ربما ازدهار المسرح جاء بسبب فشل التلفزيون، أو بسبب علاقة الطمأنينة بين الخشبة والجمهور، المسرح اللبناني بصحة جيدة.
السياسة والشارع والتمثيل
* رغم إصرارك على صنع البهجة وإضفاء الخفة والمرح، يظل مسرحك سياسي الطابع والمضمون، كيف تفسر ذلك؟
- السياسة فن الممكن والمسرح فن المستحيل، والمستحيل هو الروح ومعرفتها، والخشبة هي الجسر بينهما، بين الروح والسياسة كمادة عيش وتعايش، المسرح، منذ زمن اليونان الإغريقية، كان برعاية السلطة السياسية، لتسويق أفكارها وخرافاتها، عبر أداة الفن الجماهيري المسرح، أنا كائن سياسي بالمعنى الحرفي للكلمة، شاركت في أعمال حزبية، انتسبت، قاتلت في الحرب الأهلية، انسحبت من مسرح الأحداث، عدت إلى الشارع والتظاهرات في كافة القضايا المطلبية أو الوطنية، المسرح صار في الشارع، والشارع سياسة، الشارع هو المنجم الحقيقي للكشف عن نفايات البشر، وفي الوقت نفسه أذهب إلى المسرح لأعرف كيف نحوّل هذه النفايات إلى مواد عضوية فنية مبتكرة، ولا ننسى هنا مصطلح "تمثيل " في السياسة، حين يستعمل في برلمان، أو حين تبتذله صحافة ما في إهانة سياسي ما.
* يبدو أن طموحك هو تأسيس مسرح يومي دائم، هل تحتمل بيروت هكذا مغامرة؟
- طموحي على مشارف التحقق، مسرحيتي السابقة "بيروت الطريق الجديدة" دامت لمدة سنتين ونصف سنة، وقبلها مسرحية "ابتسم أنت لبناني" دامت أكثر من سنة، بينني وبين الحلم في مسرحية "بيروت فوق الشجرة" الآن، خطوات قليلة، نحن في ورشة عمل مسرحي يومي، ولذلك كانت فكرتي في تأسيس مسرح "تياترو فردان" حاليًا، الأحلام لا تتوقف ما دام هناك نوم، وأنا أنام كثيرًا بعيون مفتوحة.
aXA6IDMuMTUuMjI4LjE3MSA= جزيرة ام اند امز