الشندغة الإماراتية.. أنوار التراث في قلب الحاضر
منطقة الشندغة التي تحكي جدرانها العتيقة حكايات من دفتر ماضي المدينة، تستطيع أن تسمعها جيداً وهي تروي قصصها بصوت ساحر
هي ذلك الصرح التاريخي الذي يقف بجسارة وسط مدينة دبي مطلاً بإطلالته الهادئة على قنطرة التواصل بين ثقافات البلدان. وهي أيضاً ذلك الجسر الذي ما إن تقف أمامه تشعر بأنك قد عبرت سريعاً في رحلة تصحبك فيها ما بين القديم والجديد.
منطقة الشندغة التي تحكي جدرانها العتيقة حكايات من دفتر ماضي المدينة، تستطيع أن تسمعها جيداً وهي تؤرّخ بصوت ساحر لتقول لنا بأن تلك المنطقة التي تقع على امتداد شواطئ الخور، تضم الكثير من الأساطير التي تبدأ بالمنازل المحاطة بالشعاب المرجانية والمزودة بأبراج الرياح التقليدية (البراجيل)، مروراً "بقرية التراث والغوص" و"بيت الشيخ سعيد آل مكتوم"، والعديد من المساجد القديمة التي تحكي عن فنون العمارة في الزمن الماضي.
لا يمكن لك مع أولى خطواتك في قلب منطقة الشندغة إلا تقف متأملاً لبيت الشيخ سعيد آل مكتوم الذي يعد من أهم معالم العمارة التراثية التقليدية في الإمارة، نظراً لقيمته التاريخية باعتباره مقراً لسكن الحاكم الشيخ سعيد آل مكتوم حتى وفاته في عام 1958 والمنزل الذي ولد ونشأ فيه حفيده الشيخ محمد بن راشد نائب رئيس دولة الإمارات حاكم دبي.
وها هي أبراجه الهوائية الشاهقة وزخارفه الجمالية تؤكد معنى الأصالة التراثية والتاريخية لهذا المبنى الذي تتفاوت ارتفاعاته بين طابق وطابقين. ما إن تطأ قدماك أرض بيت الشيخ سعيد وتقع عيناك على الصور القديمة التي تحكي ذكريات الماضي حتى تعرف جيداً أن القدماء في هذا البلد عانوا معاناة شديدة لكنهم استطاعوا بجدارة أن يضعوا الخطط التي سار عليها أبناؤهم ليحققوا هذا النجاح الباهر الذي وصلت إليه الإمارات.
ولا يمكن لك إلا أن تلقي نظرة فاحصة على مبنى الشيخ عبيد بن ثاني الذي يعود تاريخ إنشائه إلى عام 1916 ويكتسب أهميته من خلال موقعه المتميز في وسط المنطقة، ويضم الكثير من العناصر المعمارية التي تظهر القيم الجمالية في واجهات البناء.
وهناك أيضاً مبنى الشيخ جمعة آل مكتوم الذي يعود تاريخ إنشائه إلى عام 1928 م، يشكل استمراراً للصورة البصرية الجمالية للعمران التقليدي، وبعداً حضارياً وتاريخياً لهذه المنطقة.
وتقابلك المساجد القديمة التي تتعانق مآذنها مع زرقة مياه الخور لتنسج مشهداً أسطورياً، مساجد ترقى إلى أن تكون من التحف المعمارية الفنية، خاصة وأن تاريخ إنشائها يعود إلى بداية القرن العشرين، وهي عبارة عن ستة مساجد تاريخية موزعة في جميع أنحاء المنطقة ويبقي الدور الأكثر أهمية لها والذي يتلخص في الدور الذي لعبته منابر تلك المساجد في تطوير ونشر الوعي في الحياة الدينية والاجتماعية للسكان، مما أضفى على المنطقة نوعاً من التوازن العمراني والثقافي.
أهم ما يلفت نظرك هو تلك المربعات التاريخية التي ميزت العمارة الدفاعية في دبي، وكان لها تأثير بارز في التكوين العمراني والتاريخي للمدينة، خاصة أن منطقة الشندغة تحوي العديد من المربعات والأبراج ذات الأشكال المختلفة، منها مربعة الشيخ عبيد بن جمعة ومربعات الشندغة والوعيل والبراحة وبرج نهار.
الإنصات إلى حكايات الماضي يخطف الحواس، والجولة في تلك المنطقة لا بد لها من راحة قصيرة لالتقاط الأنفاس على أحد المقاهي المطلة على خور دبي استعداداً لزيارة قرية التراث والغوص في قلب الشندغة تلك التي يشعر زائرها بأنه غاص عميقاً في أعماق الخليج ليبحث مع الأجداد عن اللؤلؤ، فكل ما تحويه قرية التراث يحكي الأسرار ويتعمق في التاريخ القديم.
ولا يمكن لك أن تغادر منطقة التراث والتاريخ دون أن تمر على السيدات الإماراتيات اللاتي يعرضن أعمالهن اليدوية في أكشاك صغيرة تلتف حول القرية، ولا يمكن لك إلا أن تتذوق بعض الأطباق التراثية من الهريس واللقيمات وحتى الخبيص والخبز الخمير.
وتنتشر في أرجاء المنطقة التراثية القديمة بعض من الفوانيس الصغيرة التي ينبعث من ضوئها الخافت نور حضارة دولة حفرت شخصيتها وسط دول العالم لتكون في النهاية الإمارات.
aXA6IDEzLjU4LjIwMC4xNiA= جزيرة ام اند امز