"قراءة التراث العربي".. جولات في رحاب المعرفة
يقدم مؤلف الكتاب وجبة دسمة وشهية لعشاق التراث العربي، إذ يقدم تعريفا وافيا ومدخلا معاصرا لقراءة عشرين مؤلَّفا من كتب التراث العربي
عشرون كتابا من عيون كتب التراث العربي، في مجالات عدة ومتباينة، تغطي أهم التخصصات المعرفية في تراثنا القديم، يكتب عنها ويعرف بها ويقربها إلى القارئ المعاصر، أحد أساتذة التراث العربي وكبار المتخصصين فيه، هو الأستاذ الدكتور عبد الحكيم راضي، أستاذ البلاغة والنقد العربي القديم بجامعة القاهرة.
في الطبعة الجديدة التي أعادت مكتبة الأسرة المصرية إصدارها من كتاب (مداخل في قراءة التراث العربي)، ضمن سلسلة "تراث"، يقدم مؤلف الكتاب وجبة دسمة وشهية لعشاق التراث العربي، إذ يقدم تعريفا وافيا ومدخلا معاصرا لقراءة عشرين كتابا مهما من كتب التراث العربي، قسمها إلى ستة أقسام؛ الأول (التراث والحاضر) وتناول فيه ستة كتب هي "أوراق بغداد"، و"الفلاكة والمفلوكون"، و"مقاتل الطالبيين" و"نهج البلاغة"، و"عيون الأخبار"، والنوادر السلطانية والمحاسن اليوسفية" أو سيرة صلاح الدين الأيوبي للقاضي بهاء الدين بن شداد.
وجاء القسم الثاني (المد السياسي والديني وتفاعل الثقافات)، عن أربعة كتب هي "الحيوان" للجاحظ، و"مفاتيح العلوم" للخوارزمي، و"المسالك والممالك" للإصطخري، و"تحقيق ما للهند من مقولة" للبيروني".
أما القسم الثالث (حوار المشرق والمغرب)، فتناول فيه ثلاثة كتب، والقسم الرابع (في الثقافة الفنية واللغوية للأديب) تناول فيه أيضا ثلاثة كتب، والقسم الخامس (قضايا معاصرة بين يدي التراث)، وفيه تناول كتابين هما؛ كتاب (الصاحبي) لابن فارس، وكتاب "الأشباه والنظائر" للخالديين. والقسم السادس والأخير (منهج في التأليف لم يُقَدَّر حقّ قدره) وعالج فيه كتاب الجاحظ الشهير "البيان والتبيين".
ينتمي هذا الكتاب إلى حلقة من حلقات الكتب التي اعتنت بتيسير قراءة التراث والتعريف به، هذه الكتب وأشباهها تمثل العتبة التي تتيح للكثيرين من الشباب والمقبلين على القراءة تحصيل معرفة مهمة وأولية بالتراث العربي، خصوصا أن مؤلفه واحد من كبار المتخصصين في التراث العربي، كما أنه ومن خلال رئاسته لسلسلة (الذخائر) المعنية بنشر عيون التراث العربي، استطاع أن ينشط الاهتمام بهذا التراث، والتعريف به وإتاحة مؤلفاته المهمة طيلة العقد الأول من الألفية الثالثة.
في خمسينيات القرن الماضي، ظهرت سلسلة (ذخائر العرب) التي كانت تصدرها دار المعارف في مصر (وهي من أهم ما تم إصداره عربيا من سلاسل مختصة بنشر التراث العربي نشرا راقيا قائما على أسس علمية بالغة الدقة والعمق)، وكانت تعتبر أرقى وأعظم سلسلة تراثية عربية ظهرت حتى الآن، ولم ينافسها منذ ظهورها سلسلة أخرى سوى سلسلة (الذخائر) التي أصدرتها الهيئة العامة لقصور الثقافة في منتصف التسعينيات من القرن الماضي، برئاسة تحرير الكاتب والروائي الراحل جمال الغيطاني، وهى قياسا بالعمر والتاريخ أحدث من (ذخائر العرب) وإن كانت لا تقل عنها في قيمة ونبل ما أخرجته من كتب التراث العربي خاصة خلال الفترة التي تولى رئاسة تحريرها الدكتور عبد الحكيم راضي.
خلال الفترة التي تولى فيها عبد الحكيم راضي سلسلة (الذخائر) عمل بدأب شديد على إخراج كنوز تراثنا العربي في الآداب والتاريخ واللغة والنقد والتصوف والسيرة الذاتية.. إلخ، من خلال نشرات جديدة محققة تحقيقا دقيقا، وقدم لها بمقدمات تفصيلية وافية، كان يكتبها هو بنفسه (خاصة في الكتب التي تتصل بالتراث الأدبي واللغوي والنقدي) أو يعهد بكتابتها إلى أحد المتخصصين البارعين الكبار، لتحظى هذه الطبعات الجديدة من الذخائر بقيمة علمية وأدبية مضافة.
وعبر أكثر من سبع سنوات، أو يزيد قليلا، استطاع عبد الحكيم راضي أن يعيد جمهورا مفقودا للتراث العربي، وأخذت طبعات هذه الكتب تنفد من الأسواق فور صدورها، وكان مما قدمه عبد الحكيم راضي كتابة ما يزيد على 20 مقدمة تعريفية وافية بعشرين كتابا من عيون التراث العربي، جمعها بين دفتي هذا الكتاب المهم (مداخل إلى قراءة التراث العربي) لتكون بين أيدي طلابه ومحبي التراث العربي.
من أهم الكتب التي أعاد عبد الحكيم راضي نشرها وكتب تقديما تعريفيا بها كتاب الإمام جلال الدين السيوطي "التحدث بنعمة الله"، وأعاد كذلك نشر كتاب "التعريف بابن خلدون ورحلته شرقا وغربا"، وكلا الكتابين يعدان من أهم كتب السيرة الذاتية في التراث العربي، ويذكر الدكتور عبد الحكيم راضي نماذجَ أخرى من السيرة الذاتية في التراث العربي في كتابه، فيقول: "هناك حقيقةٌ في تاريخ التراث الإسلامي العربي ليس إلى إنكارها سبيلٌ، هذه الحقيقة هي هذا القدر الهائل من التأليف في سير الأشخاص، رجالاً في الغالب ونساءً في القليل، ولكن الحصيلة النهائية هي تفوُّق العطاء العربي الإسلامي في هذا الفن على ما لدى أصحاب الثقافات الأخرى منه".
ويتابع "عرفت الثقافة العربية فرعًا آخرَ من التراجم هو تراجم الأشخاص لأنفسهم، أي: قيام الشخص نفسه بكتابة سيرته، ومن هذا القبيل ما فعله الغزّالي في (المنقذ من الضلال)، والمؤيد في الدين داعي الدعاة في (السيرة المؤيدية)، وابن عربي في (الفتوحات المكية)، وعمارة اليمني في (النكت العصرية في أخبار الوزارة المصرية)، وأسامة بن منقذ في كتاب (الاعتبار)، وابن خلدون في (التعريف بابن خلدون ورحلته غربًا وشرقًا)، وعبد الوهاب الشعراني في (لطائف المنن والأخلاق في وجوب التحدث بنعمة الله على الإطلاق). وربما توزعت سيرة المؤلف الواحد بين أكثر من كتابٍ من كتبه، كما هو الأمر في حالة أبى حيان التوحيدي، وابن حزمٍ؛ إذ توزعت سيرة الأول بين عددٍ من كتبه منها: (الصداقة والصديق) و(الإمتاع والمؤانسة) و(الإشارات الإلهية)، بينما تتوزع سيرة ابن حزم بين (طوق الحمامة) و(الأخلاق والسير في مداواة النفوس)".
aXA6IDE4LjE4OC4xMTMuMTg5IA== جزيرة ام اند امز