الأعمال الشعرية الكاملة لبودلير.. في مكتبة الأسرة المصرية
«الأعمال الشعرية الكاملة لشارل بودلير» في طبعة جديدة صدرت عن مشروع مكتبة الأسرة التي تصدر في القاهرة
عن مشروع مكتبة الأسرة التي تصدرها الهيئة المصرية العامة للكتاب بالقاهرة، صدرت طبعة جديدة من «الأعمال الشعرية الكاملة» لرائد الحداثة الشعرية في أوروبا، الفرنسي شارل بودلير، من ترجمة وتقديم ودراسة رفعت سلام. تقع الأعمال الشعرية الكاملة لبودلير في مجلد ضخم (920 صفحة) من القطع الكبير، وتتصدر الترجمة ثلاث مقدمات مختلفة.
يقدم الشاعر رفعت سلام، في مقدمته الأولى "شاعر الشر الجميل"، تناقضات حياة بودلير مع ظروفه العامة والخاصة في منتصف القرن التاسع عشر، خلال إنجازه لجذور الحداثة الشعرية الفرنسية والأوروبية، والمرتكزات الأساسية لشعريته المتجاوزة لجميع المدارس الشعرية السابقة عليه والمتزامنة معه، وتأسيسه للحداثة الشعرية في فرنسا وأوروبا، وملامح هذه الحداثة وتجلياتها في نصوصه ورؤيته النقدية. وترصد المقدمة الثانية سيرة حياة بودلير تأريخيًّا، بالتسلسل الزمني، متوقفةً عند أهم محطات حياته الشخصية والشعرية والثقافية، وأزماته، وأهم أعماله الشعرية ورسائله الكاشفة لعلاقاته ورؤاه الحياتية والفكرية.
وتمثل المقدمة الثالثة مقالة بول فاليري الهامة بعنوان "موقف بودلير"، التي يرصد فيها أهمية بودلير القصوى في الأدب الفرنسي، والتحدي الذي واجهه في تأسيس حداثة شعرية مفارقة لزمنه، وكيف استطاع إنجاز دوره الحاسم خلال سنوات إبداعه الشعري المحدودة، بالمقارنة مع فيكتور هوجو. وتتخلل المقدمات ألبومات صور بودلير: وجوه بودلير منذ بداياته إلى أعوامه الأخيرة، رسوم بودلير، رسوم كبار الفنانين لبودلير.
أما المتن الشعري، فيستهل بقصائد ديوان بودلير الأشهر «أزهار الشر» في طبعته الثانية، التي أشرف بودلير بنفسه على إصدارها عام 1861. وهي الطبعة الأخيرة التي صدرت في حياته. بعده، يأتي ديوان «البقايا» الذي أصدره بودلير في بروكسيل عام 1866، ويتضمن القصائد المحذوفة من «أزهار الشر» بالحكم القضائي ضد الديوان- التي لم تتضمنها الطبعة الثانية- فضلا عن القصائد الجديدة التي كتبها بودلير فيما بعد الطبعة الأولى من الديوان الشهير.
وتلا ديوان «البقايا» القصائد الإضافية المستمدة من الطبعة الثالثة من «أزهار الشر» التي طبعت بعد وفاة بودلير عام 1869، تليها قصائد متفرقة تنتمي غالبًا إلى فترة شباب وبدايات بودلير الشعرية. أيضا يتضمن المتن الشعري كذلك مجموعة القصائد "الهجائية" اللاذعة التي كتبها بودلير عن بلجيكا وأهلها، عقب خيبة أمله في رحلته إلى هناك.
كما تتضمن الترجمة النص الكامل لديوان «سأم باريس»، الذي يضم قصائد النثر التي كتبها بودلير، وفقًا للترتيب الذي وضعه الشاعر قبيل رحيله، دون أن يتسع له الوقت لإصداره بنفسه، مع مقدمة تاريخية للديوان كتبها المترجم. وفيما يلي المتن الشعري، يتضمن الكتاب عددا من الملاحق والوثائق الهامة: مشروعات مقدمة «أزهار الشر»، مشروعات خاتمة «أزهار الشر» التي كتبها بودلير، دون أن يستقر على الصياغة النهائية لها ونشرها بالفعل في مواضعها كما كان يخطط قبل رحيله؛ فضلا عن الوثائق الكاملة لمحاكمة بودلير عن ديوانه «أزهار الشر». كما تتضمن الملاحق "مشروعات، خطط، عناوين" متعلقة بديوان "سأم باريس"، وشهادات معاصريه من الكتاب والشعراء، وشهادات عدد من الكتاب والشعراء المنتمين إلى الأجيال اللاحقة؛ مع "إضاءات" القصائد، التي تتضمن رصدًا لمسيرة القصائد منذ نسختها الأولى إلى نسختها الأخيرة، ورصد وتحديد التعديلات التي أجراها بودلير على نسخها المختلفة، من طبعة إلى أخرى. ويختتم الكتاب بقاموس الأعلام والمصطلحات المتعلقة بزمن بودلير، القرن التاسع عشر، الواردة خلال المقدمات والنصوص المختلفة.
كانت الطبعة الأولى من الترجمة العربية من الأعمال الشعرية الكاملة لشارل بودلير، قد صدرت عن دار الشروق المصرية سنة 2009.
شارل بودلير (1821-1867) شاعر وناقد فني فرنسي، من أبرز شعراء القرن التاسع عشر، ومن رموز الحداثة الأدبية والفنية في العالم. بدأ بودلير كتابة قصائده النثرية عام 1857 عقب نشر ديوانه «أزهار الشر»، مدفوعا بالرغبة في شكل شعري يمكنه استيعاب العديد من تناقضات الحياة اليومية في المدن الكبرى حتى يقتنص في شباكه الوجه النسبي الهارب للجمال، وجد بودلير ضالته فيما كتبه الوزيوس بيرتيران من پالادات نثرية مستوحاة من ترجمات البالادات الاسكتلندية والألمانية الي الفرنسية. والبالاد هو النص الذي يشبه الموال القصصي في العربية، وهو الشكل الذي استوحاه "وردزورث" و"كوليريدج" في ثورتهما على جمود الكلاسيكية.
وفي عام 1861 بدأ بودلير في محاولة لتدقيق اقتراحه الجمالي وتنفيذه، فكتب هذه القصائد التي تمثل المدينة أهم ملامحها، وتعتبر معينا لا ينضب من النماذج والأحلام.. كان شعر بودلير متقدما عن شعر زمنه فلم يفهم جيدا إلا بعد وفاته.
وكان شارل بودلير يرى أن الحياة الباريسية غنية بالموضوعات الشعرية الرائعة، وهي القصائد التي أضيفت إلى «أزهار الشر» في طبعته الثانية عام 1861 تحت عنوان لوحات باريسية. لم ينشر ديوان «سأم باريس» في حياة بودلير، وهو الديوان الذي لم يتحمس له غوستاف لانسون وسانت ـ بيف، هذا الديوان الذي أثر تأثيرا عارما في الأجيال اللاحقة.