هوليوود مرآة السياسة الأمريكية الفضّاحة
هوليوود مغرمة بالرؤساء الأمريكيين. فهؤلاء منحوها موضوعات ثرية لأفلامها بالمعنيين المضموني والتجاري
هوليوود مغرمة بالرؤساء الأمريكيين. فهؤلاء منحوها موضوعات ثرية لأفلامها بالمعنيين المضموني والتجاري. سلسلة كبيرة من الأفلام الخيالية والواقعية، التسجيلية والروائية، عرضت لسير رؤساء أمريكيين حقيقية وافتراضية، من إبراهام لينكولن إلى باراك أوباما.
كذلك فإن هوليوود بجيشها من النجوم والمخرجين والكتّاب والمنتجين، لها دائما رأيها في الانتخابات الرئاسية، فغالبا ما تقف كتلة واحدة خلف أحد المرشحين. هذه المرة، وقفت موحدة ضد المرشح دونالد ترامب. ووقع أكثر من مائة من أشهر وألمع أسمائها وثيقة "ضد الكراهية"، بسبب تصريحات ترامب العدوانية.
بدورها الإدارة الأمريكية مولعة بهوليوود. فقد استمدت منها أساليب البروباغاندا الضرورية في حملاتها السياسية.
أكثر من ذلك، فقد استعارت المؤسسة الحاكمة في واشنطن من قلعة السينما الأمريكية رئيسها الأربعين رونالد ريجان. وحينما وصل الممثل الهوليوودي شبه المغمور إلى المكتب البيضاوي نقل معه إغواءات صناعة السينما، ومنها برنامجه لـ"حرب النجوم" (الذي يحاكي سلسلة أفلام من الخيال العلمي بهذا العنوان) وكان من شأنه لو تحقق أن يطيح بميزانية عدة أجيال. وحينما أراد أن يوجه رسالة قوية للسوفيات هددهم بأن يرسل إليهم "رامبو" (سلسلة أفلام بهذا العنوان بطلها النجم سيلفستر ستالون).
ريجان الذي أشّرت رئاسته في مطلع ثمانينيات القرن الماضي لتحولات عالمية كبرى، كاد يفقد حياته بعد انتخابه مباشرة بسبب ممثلة هوليوودية ناشئة اسمها جودي فوستر، أراد معجب مهووس بها أن يعبّر لها عن حبه بقتل رئيس بلاده.
قبله بعقدين وصل إلى رئاسة الولايات المتحدة "نجم" سياسي بمواصفات هوليوودية. انتخب الأمريكيون، في ستينيات القرن الماضي، جون كينيدي بتأثير ملامحه الشخصية التي نقلتها شاشات التلفزيون الملون في بداية عصره، قبل الاطلاع على برنامجه السياسي والاقتصادي. وسرعان ما سينقل الرئيس الجديد معه إلى البيت الأبيض بعضا من وقائع الحياة السرية المكشوفة لنجوم السينما، من خلال العلاقة التي جمعته مع فاتنة عصرها مارلين مونرو.
اليوم تودع هوليوود باراك أوباما، الرئيس الرابع والأربعين والأول غير الأبيض للولايات المتحدة، بفيلمين دفعة واحدة.
الفيلم الأول يحمل عنوان Southside with You
"معك في ساوث سايد"، وهو من كتابة وإخراج ريتشارد تاين، ويجمع كلا من باركر سويرز في دور أوباما، وتيكا سامبتر في دور زوجته ميشال.
ويتناول الفيلم حياة الرئيس في بداية شبابه عندما تعرف على زوجته في ليلة من عام 1989، ويدخل معهما إلى تفاصيل حميمة من حياتهما المشتركة قبل أن يصبحا في قلب عالم السياسة. وبهذا المعنى فإن الفيلم هو تحية للرئيس، تضيء جانبا واحدا من حياته التي عرضها بأسلوبه المميز في كتابه السيري الضخم.
أما الفيلم الثاني فيحمل عنوان "باري" Barry، وهو من إخراج فيكرام غاندي وكتابة آدم مونسباخ، ويدور حول الفترة التي كان فيها الرئيس أوباما طالبا في المرحلة الثانوية. وهو أيضا تحية أخرى للرئيس المنتهية ولايته حول مرحلة قصيرة من حياته.
والسؤال: لماذا تقتصر هوليوود على فيلمين "تحية" للرئيس الاستثنائي في الولايات المتحدة بحكم لون بشرته؟ هل لأنه لم يُحدث تحولا دراماتيكيا في استراتيجيات بلاده؟ أم لأن سياسته كانت استمرارا لسياسات سابقة، في شؤون محلية مثل التأمينات الصحية، وعالمية مثل مكافحة الإرهاب؟
هوليوود تبحث دائما عن الإثارة، وفي موضوع الرئيس باراك حسين أوباما، فإن الإثارة تكمن في شخصه، في جلدته ومسألة انتمائه الإشكالية.
قبل انتخابه بوقت قصير، اختصرت هوليوود الطريق بتقديم مسلسل تلفزيوني ناجح بعنوان "24 ساعة" كان البطل فيه الرئيس الأسود ديفيد بالمر (مثل دوره دينيس هاسبرت).
وقبل ذلك بسنوات كان الرئيس في فيلم "إنديبندانس داي" (يوم الاستقلال) أسود البشرة بأداء مدهش للمثل مورغان فريمان، الذي أدى دور الرئيس في أفلام أخرى مثل "ديب إمباكت".
قبله أدى الممثل الأسود إيرل جيمس جونز دور الرئيس في فيلم "ذا مان" (الرجل)، الذي "يحتل" منصبه بسبب حوادث غريبة وليس عن طريق الانتخاب.
أما في فيلم "ديفز فور بريزيدانت"، فقد أدى الممثل سامي ديفيز دور طفل أسود يحلم بأن يصبح رئيسا للجمهورية، قدم فيه مفارقات من حياة فقراء السود.
إذن قدمت هوليوود قضايا السود في السياق الرئاسي بنوع من التعاطف غالبا، والتجاوز أحيانا، لكنها حينما جعلت من الرؤساء "العاديين" (البيض) أبطالا لأفلامها فإنها جعلت منهم أبطالا خارقين، على النحو الذي قدمت فيه أبطالا من صنع الخيال المحض مثل "سوبر مان"، و"سبايدر مان"، و"رامبو" الذي يقاتل بمفرده جيوشا وينتصر عليها.
وغالبا ما يقاتل الرؤساء الأمريكيون في هوليوود ضد قوى خارجية تتآمر على بلادهم، ويحتل الروس وقبلهم السوفيات رأس قائمة الأعداء المتآمرين، قبل أن ينافسهم عليها إرهابيون شرق أوسطيون، بالطبع إلى جانب عصابات مافيوية دولية أو محلية.
من هؤلاء الرؤساء الخارقين كان هاريسون فورد في فيلم "إير فورس ون" (الطائرة الرئاسية) التي يسيطر عليها إرهابيون بقصد اختطاف الرئيس الأمريكية، في إطار خطة أعدها ضباط روس يحلمون بعودة الاتحاد السوفياتي.
وبالطريقة الاستعراضية عينها يقدم فيلم "سقوط البيت الأبيض" White House Down نموذجا للأخطار التي يواجهها الرئيس الأمريكي بعزيمة البطل الخارق. الفيلم الذي أنجزه رونالد إيمريخ عام 2013 يفترض انقلابا داخليا، يهدف إلى إعادة مجد الولايات المتحدة بعد تهاون أبداه الرئيس في قضايا عالمية.
أما فيلم "جريمة في 1600" Murder at 1600 (الرقم 1600 هو عنوان البيت الأبيض في واشنطن)، من إخراج دوايت ليتل وقصة مارغرت ترومان ابنة الرئيس الأسبق هاري ترومان، فهو الآخر عن مؤامرة يتهم فيها ابن الرئيس بارتكاب جريمة أخلاقية، لكن دوافع الاتهام سياسية بالدرجة الأولى.
أما في فيلم "هجوم المريخ" mars attack من إخراج تيم بروتون، فإن الأعداء هم غزاة قادمون من خارج كوكب الأرض، وعلى الرئيس الأمريكي الذي أدى دوره جاك نيكلسون، أن يخوض معهم مفاوضات تفضي إلى التعايش بين النوعين الأرضي والفضائي.
في المسألة السيرية، يأتي فيلم ستيفن سبيلبيرغ (2012) عن حياة الرئيس الأمريكي إبراهام لينكولن.
الفيلم وعلى الرغم من كل الجهد الذي بذله مخرجه، والأداء المدهش لبطله دانيال داي لويس، فإنه يبقى نوعا من الفيلم التسجيلي، المهم لتقريب مرحلة النقاشات من أجل حرية السود من أذهان أبناء هذا العصر، لكنه خلا من الإبهار السردي أو التصويري الذي تتميز به أفلام سبيلبيرغ. وقد وصفته في كتابة سابقة بأنه يشبه نقلا تلفزيونيا حيا لاجتماعات الكونجرس، ليس إلا.
طبعا فإن سيرة جون كنيدي كانت أكثر سير الرؤساء الأمريكيين إثارة لخيال هوليوود، فهو قضى بعملية اغتيال مروعة، وخلال رئاسته تلازمت أخبار علاقته مع مارلين مونرو مع رؤاه السياسية المستجدة على الحياة الأمريكية والدولية. فظهرت هذه السيرة المكتنزة في العديد من الأفلام، لعلها أهمها فيلم أوليفر ستون عام 1991 بعنوان jfk، وفيه يقلب المخرج السرديات الرسمية حول عملية الاغتيال، ويتهم بشكل صريح تحالفت ماليا/ سياسيا/ صناعيا/ عسكريا داخليا بالتحضير والتنفيذ لعملية الاغتيال.
بعد كينيدي يأتي ريتشارد نيكسون كأكثر الرؤساء الأمريكيين الإشكاليين في السينما. فهو خرج من الحياة السياسية بفضيحة ووتر غيت الشهيرة، والتي اعتمدها المخرج آلان باكولا لإخراج فيلمه المبهر "كل رجال الرئيس" All the President's Men عام 1976، ولعب فيه داستن هوفمان وروبرت ريدفورد دور الصحافيين اللذين كشفا الفضيحة.
وعام 1995 قدم أوليفر ستون فيلمه "نيكسون" Nixon، ويعيد فيه صياغة المشهد السياسي الأمريكي في ظل الرئيس الذي أجبر على الاستقالة. أما الأفلام الأخرى التي عالجت هذه الظاهرة فقد تراوحت بين الضعف والسخرية مثل فيلم dick (1999) لأندرو فيلمنغ.
يأتي بعد نيكسون، الرئيس بيل كلينتون في توفير مادة مغرية لنهم هوليوود. فهو الرئيس الشاب الذي أقام علاقة مشبوهة مع المتدربة مونيكا لوينيسكي، ووقف بسببها أمام محقق عنيد، وكذب وهو تحت القسم. وهذا الموضوع كان الثيمة الأساسية لفيلم "الرئيس الأمريكي " The American presidentمن إخراج روب رينر ويلعب بطولته مايكل دوغلاس، وفيه يقدم حكاية شبه حرفية للفضيحة قبل وقوعها. ثم سيقدم باري ليفنسون فيلمه الجريء "هز الكلب" wag the dog، من بطولة روبرت دي نيرو وداستين هوفمان، وتلعب فيه الفضيحة الجنسية عاملا معياريا في صياغة مواقف الرئيس الأمريكي خلال الحملة الانتخابية.
جورج دبليو بوش سيكون له هو الآخر أفلامه، وأهمها فيلم أوليفر ستون W، وهو سيرة ساخرة تقدم الرئيس بصورة غير بروتوكولية، وفي بعض محطاته ترسمه بملامح سلوكية فجة.
بدوره المخرج أورسون ويلز ستكون له إضافته إلى سلسلة الأفلام الخاصة بالرئاسة والرؤساء، من خلال فيلمه dr.stangelove (1964)، وفيه ينقذ الرئيس الأمريكي العالم من كارثة نووية بالتعاون مع نظيره السوفياتي.
وسيقدم كلينت إيستوود في "القوة المطلقة" Absolute Power، كيفيات مستفزة عن سوء استخدام النفوذ من جانب سيد البيت الأبيض.
إلى ذلك قدمت هوليوود أفلام أخرى، كان الرئيس شخصية رئيسية أو فرعية فيها، ولكن بمعايير تجارية بحتة، مثل فيلم Idiocracy (2006) للمخرج مايك جادج، وفيلم dave للمخرج إيفان ريتمان وفيه يدخل الرئيس في غيبوبة ما يضطر مساعديه إلى الاستعانة بشبيه له للقيام بأعباء منصبه. كما قدم الممثل جيف بريدجز، في فيلم The Contender للمخرج رود لوري، صورة الرئيس الذكي والقوي.
تعرف هوليوود دهاليز السياسة الأمريكية، أفضل من أكثر سياسيي واشنطن المحترفين. وحينما تضع الصناعة السينمائية نفسها في خدمة السياسة فإن عناصر كثيرة تقف وراء ذلك، منها المصالح وقوى النفوذ والتوجهات الأيديولوجية.
فهوليوود التي هيأت الرأي العام الأمريكي لحرب فيتنام عام 1962 بفيلم "اليوم الأطول"، هي نفسها هوليوود التي جعلت من فيلم "المرشح المنشوري" The Manchurian Candidate، بنسختيه لعام 1962، ولعام 2004 والتي قام ببطولتها دنزل واشنطن تحت إدارة المخرج جوناثان ديم، وثيقة على الفساد الأخلاقي والسياسي والمالي الذي يتحكم ويدير حملات المرشحين للرئاسة وللمناصب العليا في واشنطن.
هذا الفساد، ستقدم عنه هوليوود وثائق بصرية مدهشة، بتوقيعات عباقرة السينما من أمثال أوليفر ستون، وجورج كامرون، وشون بن، وخصوصا المخرج المشاكس مايكل موور.. لكن تلك حكاية سينمائية أخرى..
aXA6IDE4LjIyMy4xMjUuMjM2IA==
جزيرة ام اند امز