عن فيروز "التي تحب نصرالله والنظام السوري" وعن ابنها زياد
منذ سنتين، وبلا مقدمات، أطلق زياد الرحباني تصريحاً صادماً ادّعى فيه أن والدته فيروز "تحب حسن نصرالله" الأمين العام لـ"حزب الله".
منذ سنتين، وبلا مقدمات، أطلق زياد الرحباني تصريحاً صادماً ادّعى فيه أن والدته المغنية فيروز تحب "حسن نصر الله" الأمين العام لـ"حزب الله". بعد ذلك، وبلا سبب واضح، سرد زياد الرحباني قصة سهرة لضباط سوريين في منزل أهله عاصي الرحباني وفيروز. وفي تلك السهرة كان هؤلاء الضباط يتناولون المشروبات الروحية مع أصحاب البيت، احتفالاً باحتلال وتدمير مخيم تل الزعتر للاجئين الفلسطينيين عام 1976.
هكذا، وضع زياد الرحباني والدته في سلة بشار الأسد وحسن نصرالله، ما أشعل غضباً واسعاً لدى شريحة كبيرة من المواطنين اللبنانيين، وسبّب صدمة أليمة لغالبية الشعب السوري، وهو الشغوف بفيروز ربما أكثر من اللبنانيين أنفسهم، كما برز استياء عربي من هذه الشبهة التي أحاطت بفيروز، أي أن تكون على انحياز سياسي فاقع إلى هذا الحد.
بطبيعة الحال، ليست فيروز وثناً نعبده في لحظة تبجيل، أو نأكله في لحظة جوع. هي السيدة التي اقترن حضورها بالصمت، وغناؤها بالوقار. هي سيدة الغناء اللبناني بلا منازع. لها مكانتها في قلوب مواطنيها وفي الوجدان العربي. وإذا صدق زياد الرحباني، يمكننا التخمين وحسب بميولها السياسية، أثناء الحروب الملبننة.
فأن تكون هي وآل الرحباني منحازين إلى معسكر "الجبهة اللبنانية" (اليمين المسيحي) المدعوم حينها بجيش النظام السوري، لا يحمّلها وزراً أو إثماً يفوق وزر مغن آخر كمارسيل خليفة، منشد الأغاني الثورية والتحريضية المؤيد لمعسكر "الحركة الوطنية" (التحالف اليساري الإسلامي) والمدعوم من "منظمة التحرير الفلسطينية". إثم التحزّب لهذه الجهة أو تلك أثناء سنوات الاقتتال (1975-1990)، يتشارك فيه جميع اللبنانيين، فلا براءة لأحد.
لكن ميزة فيروز -سياسياً- أنها ظلت تحفظ الفارق بين نوازعها الفردية والشخصية والخاصة، من جهة، و"حيادية" صورتها العامة والفنية، من جهة ثانية. كان الصمت والترفع وتمسكها بدورها كـ"صوت" لكل اللبنانيين، كـ"سفيرة لبنان إلى النجوم"، هو ما يحميها كأيقونة في ضمير الجميع. وهذا ما حصّنها من محاولات مصادرتها أو استتباعها. ولذا، كانوا جميعاً يتحاربون تحت فضاء أغنياتها.
توريط فيروز المتعمد من قبل زياد في شبهة الانحياز إلى النظام السوري، وعلى الرغم من أنه يطرح معضلة أخلاقية، يبقى واهناً طالما أننا لم نسمع كلمة واحدة من فيروز شخصياً. وهي على الأقل لم تبادر مثلاً إلى زيارة آل الأسد، كما فعلت المغنية جوليا بطرس مثلاً، ولا هي على علاقة صداقة مع أركان النظام وضباطه كمثل المغني جورج وسوف.
الغضب والصدمة والاستياء من فيروز هو للأسف نتاج طيش ولدها، إذ إن ما فشل الجميع في تحقيقه، مصادرة واستغلالاً لاسمها، نجح فيه ابنها زياد، الذي أمضى سنواته الأخيرة يستمصل تجاربه القديمة ويبهتها حتى الاستنفاد، فامتدت عوارض انحطاط موهبته إلى تراثه هو شخصياً وتراث أهله وأمه تحديداً، وعلى الأغلب لأسباب تتعلق بجشع مادي.
عادت حملة التحريض على فيروز، في الآونة الأخيرة، بعد نشر إحدى المجلات البيروتية مقالة مفعمة بالتهييج المذهبي، تحت شعار "معاقرة الخمر"، مضاف إليها تهمة اشتراكها مع النظام السوري بسفك دماء السوريين والفلسطينيين. وفي أجواء منطقة المشرق العربي، حيث يتم الترويج لمقولات "حلف الأقليات" ضد الغالبية السكانية المسلمين السنّة، تصبح تهمة "الشرب" موازية لتهمة إلقاء برميل متفجر على دوما. وبهذا المعنى، تصير مثل هذه المقالة دعوى إلى هدر دم مغنية العرب الأولى بين الأحياء.
قد يكون مفهوماً السخط من فيروز التي غنت القدس، إذا صدقنا قصة ابنها عن ابتهاجها بمذبحة تل الزعتر. وقد يكون مفهوماً الغضب عليها، هي التي غنت دمشق الأموية، إذا وثقنا بتصريح إعلانها حبها لقائد ميليشيات "حزب الله".
فلا هي صرحت ولا أعلنت ولا بادرت إلى أي موقف أو فعل يدل على رأي سياسي واضح في هذا الشأن. ففيروز دوماً كانت تفصل بين شخصها وحياتها الخاصة، وبين صورتها الفنية ودورها ومكانتها العمومية والعلنية. لذا، ثمة تجنٍّ عليها، وليست مفهومة أبداً محاكمة نواياها وفحص ضميرها، ولا إطلاق التهم بمنحى مذهبي مقيت، ولا تهفيت تراث فني كامل وهدمه. فنحن لسنا معنيين بمعتقدات "نهاد حداد" (اسمها الحقيقي) طالما أنها لم تسئ إلى "فيروز" الفنانة، فلا نحن رأيناها في مهرجان "حزب الله" ولا في صالون بشار الأسد، ولا قرأنا قولاً واحداً لها في السياسة.
وتحضر هنا قصة جمال عبد الناصر وأم كلثوم، حين بادر أحد رفاقه بعد نجاح انقلاب 1952، إلى حظر أغاني أم كلثوم في الإذاعة المصرية، بدعوى أنها من رموز العهد الملكي، فما كان من عبد الناصر إلا القول: ".. والأهرامات أيضاً من العهود الملكية"، جاعلاً من أم كلثوم هرم مصر الرابع.
aXA6IDMuMTQ0Ljg2LjM4IA==
جزيرة ام اند امز