الأنصاري: جماعات الضغط الإسرائيلية والإيرانية قادت تحركات واشنطن والعرب مبعثرون
الباحث السعودي لـ"العين": الخليج قادر على تغيير أجندة المنطقة
"العين" أجرى حوارًا مع الباحث السعودي سلمان الأنصاري حول المستجدات في المنطقة وكيف يرى مستقبلها
كشف الكاتب والباحث في الشؤون السياسية سلمان الأنصاري في حديث موسع لـ"العين الإخبارية" عن مدى تأثر القرارات الأمريكية في تحركاتها الخارجية بضغوطات جماعات الضغط (اللوبيات السياسية) التي تنشط في واشنطن لصالح قضايا متعددة في مواقع مختلفة من العالم لا سيما منطقة الشرق الأوسط المشتعلة، في ظل غياب واضح للدور العربي الفاعل في هذه المسألة.
كما استعرض اللقاء؛ مدى جدية السياسة الأمريكية الخارجية بإدارتها الحالية في حسم قضايا الشرق الأوسط الشائكة، بدءًا بسوريا ومتغيرات الدول العربية بعد ما يسمى بـ"الربيع العربي" وصولاً لمواجهة تحركات إيران في المنطقة، وانتهاءً بالصراع الروسي – التركي الأخير وما يمكن أن يصل إليه مستقبلاً، فإلى تفاصيل اللقاء:
حدثنا عن أبرز اللوبيات السياسية القوية في أمريكا ومدى تأثيرها على قرارات البيت الأبيض الخارجية؟
في البداية للتعريف بمعنى "اللوبي السياسي"، فهو باختصار أداة ضغط للتأثير على طبيعة السياسات الخارجية للولايات المتحدة، وفي نظري يتطلب اللوبي المتكامل في واشنطن إلى ثلاثة أمور، تتمثل بداية بتأسيس مركز أبحاث، ودعم شركات العلاقات العامة للتأثير على الإعلام والرأي العام، وأخيرًا فتح خطوط تواصل مباشرة ومكثفة مع أعضاء الكونجرس.
وحول مدى تأثيرها على قرارات واشنطن التي تعد عاصمة لوبيهات العالم، فمن المعروف أن اللوبي الصهيوني AIPAC الأقوى والأكثر فعالية من بين باقي اللوبيات، حيث يمول بأكثر من 100 مليون دولار بواسطة رجال أعمال يؤمنون بالقضية الإسرائيلية، وهنالك حتمًا اللوبي الإيراني المسمى بالـNIAC الذي تدور حوله كثير من المبالغات في حجم تأثيره على الرأي العام الأمريكي، ولكن هذا لا يعني أنه غير مؤثر أو نشيط خصوصًا في فترة الاتفاق النووي.
وهنالك أيضا نشاط ملحوظ من قبل اللوبي الكردي في واشنطن ولكنه منحصر فيما يتعلق بقضية كردستان العراق، علمًا أنه يمتلك تمثيلًا شبه دبلوماسي في الولايات المتحدة، وبخصوص المجموعات الكردية الأخرى لم نلحظ لهم عمل منظم وملموس في الأوساط السياسية الأمريكية، وذلك لسببين رئيسيين: أولها افتقادهم قيادة تمثيلية موحدة؛ وثانيهما حساسية الموضوع، لاسيما أن واشنطن تتجنب الصدام وخسارة تركيا أو الدول العربية التي لديها حساسية من موضوع التقسيمات العرقية للأوطان العربية.
وبالرغم من كل ذلك، لا أستبعد أبدًا أن هنالك مشروع أمريكي مغلف بالوعود المستقبلية للأكراد وبالأخص في سوريا، علمًا أن عدد الأكراد الإجمالي يفوق الـ20 مليون نسمة ومتوزعون مابين العراق، سوريا، تركيا وإيران. وبكل صراحة، أنا شخصيًّا أتعاطف مع الأكراد وقضاياهم بشكل كبير، ومع ذلك أنا ضد عملية التقسيم، فلذلك أجد مشكلة الملف الكردي أشبه ما تكون بالمستعصية حتى في تصورها،
بطبيعة الحال، أعتقد أن أفضل الحلول هو في تحرير سوريا من بشار والجماعات المتطرفة ثم العمل على إيجاد صيغة توافقية مع الأكراد من خلال نظام فدرالي متماسك، هذا الحل سيجد ممانعة شديدة جدًّا من أنقرة لخوفهم الشديد من تقوية شوكة الأكراد – حزب العمال الكردستاني (PKK) - ولكن على أنقرة أن تدفع ثمن تقاعسها الملحوظ في الملف السوري.
كما أن هنالك نقطة مهمة يجب على الأكراد تفاديها وهي عدم تكرار محاولتهم للتأثير على واشنطن من خلال تحالفهم مع إسرائيل، فذلك سيفقدهم كل من يتعاطف معهم من العرب، فأول مَن بدأ بتشكيل لوبي ضغط في واشنطن من الأكراد كان ملا مصطفى برزاني ما بين عام 76 إلى 79 ميلادية، عمل بشكل انفرادي ثم جماعي من خلال تحالفه الكامل مع إسرائيل لمعرفته بأهمية الدعم الإسرائيلي فيما يتعلق بسياسات واشنطن فيما يتعلق بشؤون الشرق الأوسط، نجاح خطته نسبيًّا في ذلك الوقت لا يعني نجاحها في الوقت الحالي، فالأكراد عليهم أن لا يخسروا العرب أبداً إن كانت لديهم طموحات سياسية قابلة للنقاش.
وهنالك أيضًا وجود لما يشبه اللوبي لجماعة الإخوان المسلمين في واشنطن بإسم مركز دراسات الإسلام والديموقراطية (CSID)، كان لهذا المركز دور كبير في تحسين وتلميع صورة الحزب المتطرف لدى الإدارة الأمريكية، فالأوساط السياسية الأمريكية كانت تتعجب من مرونة أوباما مع مطالب هذا الكيان الذي استغل فرصة الربيع العربي لإظهار نفسه ككيان يتماشى مع جميع أركان الفكر الديموقراطي الحديث، أحد أهم أسباب تعاطف الرئيس الأمريكي الحالي معهم هو علمه بأن هنالك فوضى حزبية في مصر، وأن هذا التنظيم بإمكانه فرض نفسه بسبب تاريخه رغم دمويته وسرية أهدافه.
ماذا عن الدور العربي فيما يتعلق بعمل اللوبيات ومحاولة التأثير على قرارات الولايات المتحدة في تحركاتها الخارجية؟
بالحديث عن اللوبيات العربية في واشنطن، فهي في الغالب مراكز بحوث متعددة وجهود متبعثرة وغير مركزة، رغم ذلك التواصل الخليجي- الأمريكي متميز من جانب التواصل المباشر مع أعضاء الكونجرس، ولكن هنالك ضعف ملحوظ فيما يتعلق بالتواصل مع الناخب والرأي العام الأمريكي وهي المحك، خصوصًا مع ثورة وسائل التواصل الإجتماعي التي من خلالها أصبح الفرد الأمريكي مطلع على كل مايحدث في العالم، فغياب الشعب الأمريكي السابق عن ما يحدث في القارات الأخرى هو شيء من الماضي.
أدوات الضغط على قرارات البيت الأبيض والكونجرس متعددة، أهمها عمل هذه المؤسسات ذات الغطاء الثقافي، وبالإعتماد على متبنين أمريكيين للقضايا.
الرأي العام والإعلام له أيضًا دور كبير في صياغة بعض القرارات أو تسهيلها، فالنسيج السياسي الأمريكي يعتمد بشكل كبير على الناخب، ويحرص أن يرضي أكبر شريحة من الناخبين؛ لذلك تهتم الكثير من الدول على التعاقد مع شركات علاقات عامة عالمية، لكي يتم توظيفهم في تمرير بيانات معينة في الإعلام الأمريكي، فهذا سيساعد في خلق صور ذهنية جديدة لدى الناخب الأمريكي.
هل شهد مفهوم "الأمن العالمي" تغييرًا بالنسبة للولايات المتحدة في عهد أوباما؟
حضرت شخصيًّا محاضرة في معهد بروكنز في واشنطن حول الأمن العالمي، وقد رد السيناتور جون ماكين على سؤالي بخصوص مستقبل رؤية واشنطن للأمن العالمي، فقال بأنه متفائل بعودة الولايات المتحدة إلى سابق عهدها، وأنها ستحشد كافة إمكاناتها لتقود العالم لبر الأمان، مُلَمِّحًا إلى أن فترة أوباما هي فترة انتكاسة فيما يتعلق بدور أمريكا في الحفاظ على الأمن العالمي.
ما تفسيرك للموقف الأمريكي حول سوريا خلال الخمس سنوات الماضية، وعدم القيام بأي تحرك حتى بعد استخدام بشار الأسد للأسلحة الكيماوي؟
ليس هناك شك بأن الموقف الأمريكي كان متخاذلاً في ملفات عديدة وبالأخص الملف السوري، فالإدارة الأمريكية الحالية تتبع سياسة دعونا ننتظر ونرى (Let's wait and see)، وهي سياسة متوقعة من الدول متوسطة التأثير، وخطيرة حينما تستخدم من قبل دولة عظمى كالولايات المتحدة، المشكلة الوحيدة هي أن إدارة أوباما جف حبر قلمها الأحمر فأصبحت لا ترسم خطوط حمراء في معظم قضاياها الخارجية، ولهذا تجرأت دول كثيرة على التسبب بكوارث إنسانية لم نرى لها مثيل من عقود كثيرة.
من المهم أن لا ننسى أن أوباما ورث تركة سلبية وبالغة التعقيد من الرئيس الأمريكي السابق، حربين في أفغانستان والعراق وديون ترليونية لا طائل لها، ولهذا أصبحت سياسته الخارجية كردات فعل خجولة وأصيبت بما يشبه الفوبيا من الحروب.
باعتقادك هل جاء الاتفاق النووي بين دول (5+1) وإيران الذي وقع مؤخرًا على حساب الدول العربية ؟
من الصعب أن يتم تحديد ذلك بشكل حاسم، فكل الاتفاقات الاستراتيجية لها مساوئ وإيجابيات على دول الجوار، يجب علينا أن نعي بأن هذا الاتفاق ليس بالسوء الذي يمكن تصوره رغم إيماني بأنه كان من الممكن إتمام عقد اتفاق أفضل بكثير، بطبيعة الحال؛ أنا شخصيًّا متفائل فيما يتعلق بمنع إيران من امتلاك السلاح النووي ومتشائم بشأن بنود رفع الحظر عن التسليح التقليدي والباليستي في فترة 5 و 7 سنوات، ومتشائم أيضًا بما ستفعله حكومة إيران المتطرفة بالأموال المجمدة، فأنا متأكد بأنها لن توزعها على مواطنيها بل على ميليشياتها الإرهابية حول العالم.
رغم كل ذلك، لدي يقين أن دولة إيران هشة وتأثيرها تخريبي لا تنموي، فلذلك أعتقد أن انفتاحهم على الأسواق العالمية قد يساهم في تقوية الأطراف المعتدلة والغير مؤدلجة ولكن على المدى البعيد، فباختصار؛ علينا الحذر والتحوط من تحركات إيران، ولكن علينا في الوقت ذاته أن لا نفرط في التشاؤم، فالمملكة لوحدها قادرة على وضع إيران في حجمها الطبيعي في حال نشوب أي نزاع عسكري مستقبلي، فكلنا نعلم حجم الإنفاق العسكري السعودي الذي يفوق الإيراني بثمانية أضعاف.
تحدثت في لقاء سابق عن تطورات كبيرة في السياسة الخارجية السعودية، صف لنا أبرز هذة التطورات؟
لا أعتقد أننا نختلف بأن السعودية بعد عاصفة الحزم ليست كما كانت قبلها، فالمملكة أصبحت نشطة سياسيًّا واستراتيجيًّا وعسكريًّا؛ لأنها وجدت تخاذلاً منقطع النظير من قبل بعض الدول العظمى التي آثرت الصمت والمشاهدة، فالسعودية لها ثقل سياسي واقتصادي وديني وقومي يفوق التصورات، وكل ما قامت به هو تفعيل بعض إمكانياتها وطاقاتها الكامنة لمواجهة التحديات الإقليمية، وبالأخص مجابهة التمدد الفارسي المؤدلج ولمكافحة الإرهاب بكافة صنوفه.
من الضروري أيضًا أن نعرج على أن الدولة العميقة في السعودية بدأت في استشعار الأهمية المطلقة لمفهوم الاعتماد على الذات، فالأمم الأخرى مشغولة بنفسها وقد تختلف سياساتها العميقة في أي فترة وبلا سابق إنذار.
لماذا تسعى الولايات المتحدة لإقناع تونس بالموافقة على إنشاء قاعدة لها على المتوسط؟
هنالك تفاؤل ومشاعر ارتياح كبيرة لدى الأوساط السياسية الأمريكية بخصوص التجربة الديموقراطية لتونس، وبالإضافة لذلك واشنطن برأيي تحرص دائمًا على تشييد قواعد عسكرية في الدول الصغيرة التي قد لا ترهقها اقتصاديًّا على شريطة أن تكون في موقع جغرافي استراتيجي.
في تصورك أين يتجه الصراع بين أنقرة وموسكو؟
روسيا و تركيا بينهما ماضي صراعات إمبراطورية قديمة، وأنا لدي ما يشبه اليقين بأن روسيا ستعمل على إيذاء تركيا بطريقة ذكية وهي عن طريق تقوية الأكراد وكسبهم في صفها لكي يكونوا في خاصرة تركيا.
هل الولايات المتحدة الأمريكية على استعداد لدعم تركيا في حال تعرضت لاعتداء روسي؟
أمريكا لم ولن تدخل في أي حرب مباشرة مع روسيا، والعكس كذلك صحيح، على الأقل في العقدين القادمين بوجهة نظري، ولكن لو افترضنا ذلك، أعتقد أن تعتمد واشنطن على الأعضاء الآخرين في حلف الناتو، وبالمناسبة، الكثير يعتقد أن وجود تركيا في حلف الناتو هو كالضمانة الدفاعية عن تركيا، وهو ليس كذلك أبدًا، فنص البنود لا تلزم أي طرف بالدفاع العسكري عن الآخر بالمعنى الإلزامي المباشر، على كل حال، روسيا وتركيا سيكونان في حرب باردة أو شديدة البرودة، حتى يتم تغير أحد النظامين أو كلاهما وذلك صراحةً ما أتمناه!
كيف تقرأ الرؤية الأمريكية الحالية حول الأوضاع في ليبيا ؟
من الواضح أن أمريكا لا يهمها أمر ليبيا كما يتصور الكثيرون، وأكبر دليل على ذلك هو السكوت المريب من قبل الإدارة الأمريكية عن أعمال وأنشطة الجماعة الإرهابية المسماة بفجر ليبيا، كل ما تفعله واشنطن هو التواصل مع حلفائها الأوروبيين كفرنسا وإيطاليا وتحفزهم لتنشيط أدوارهم فيما يتعلق بالملف الليبي بحكم القرب الجغرافي.
ما هو تقييمك لوضع حركة تنظيم الإخوان المسلمين ؟
الإخوان المسلمين جماعة مؤدلجة وغير صالحة للعمل السياسي، وإن كانت هنالك فائدة واحدة من الربيع العربي أو ما أحب أن أسميه بالجحيم العربي، فهي أنه أظهر الوجه الحقيقي للإخوان المسلمين بلا مساحيق ولا ماكياج، فالمصريون لم يكونوا قادرين على إيجاد قطعة خبز وقادتهم يعملون على جاهدين: على محاولات لتمزيق الأمة من خلال تنشيط ودعم أتباعهم من السذج في دول الخليج والأردن وغيرها من الدول، ويعملون على ابتزاز الدول العربية من خلال مشروعهم السري مع حكومة إيران المتطرفة، أسوأ معادلة هي المعادلة الإخوانية: (أيدولوجيا + حزبية + ثورة). ولكن أيضًا الإخوان جماعة متلونة لا أستبعد أن يعود للعلن الديموقراطية إن وجد طريقة جديدة يمرر فيها أجندته.
aXA6IDE4LjIyMy4yMDkuMTI5IA== جزيرة ام اند امز