عدد أبناء الطائفة الإنجيلية في لبنان قليل نسبيًّا، لكن فاعليتهم تجعل من الإنجيليين جماعة فاعلة على كل الأصعدة.
"عدد أبناء الطائفة الإنجيلية في لبنان قليل نسبيا ، لكن فاعليتهم تجعل من الإنجيليين جماعة فاعلة على كل الأصعدة.. تنتشر مراكز ومؤسسات الإنجيليين في مختلف المناطق اللبنانية، ولكنها تحتل المساحة الأكبر في منطقة المتن في جبل لبنان، التي تعد المركز الرئيس لها ولمؤسساتها الروحية والتربوية والإجتماعية... والسبب الذي يجعل من منطقة المتن مركز استقطاب الطائفة الإنجيلية؛ هو أنه الجوار الأكبر جغرافيا لبيروت، فحملوا معهم إرسالياتهم، وكان أولها كنيسة "الكويكرز" في العام 1873، وكرت السبحة ليصل عدد كنائسها على خريطة المتن إلى 24 كنيسة منظمة، أكبرها في "الرابية هاي سكول" حيث مكتب الرئاسة، أو المجمع الأعلى للطائفة الإنجيلية في لبنان وسورية.
مدارس وكنائس
وبعيدا عن المؤسسات الروحية؛ تملك الطائفة عشر مدارس تعتمد جميعها اللغة الإنكليزية، ويبلغ عدد تلاميذها من إنجيليين وغير إنجيليين 3830 طالبا، وأربعة معاهد للاهوت، وجامعة الشرق الأوسط التي نقلت من المصيطبة إلى سد البوشرية في شمال بيروت.
الإنجيليون هم البروتستانت، يجمعهم هذا الاسم على اختلاف فرقهم ودولهم، وفي عام 1834 نقلوا مطبعتهم المنشأة في مالطة إلى بيروت، والتي كان لها دور بارز في صناعة النشر في لبنان، وفي سنة 1900 أنشؤوا غرفًا للقراءة في كل من بيروت وزحلة والشويفات والحدث، ويبلغ عدد المرسلين البروتستانت في القطر الشامي ولبنان نحو المئة بين رجال ونساء، أكثرهم تحت مظلة جماعة الرسالات المنشأة في نيويورك، أما عدد التابعين للمذهب البروتستاني في سورية ولبنان وفلسطين فيصل إلى 8000 أو 10000 نسمة.
العمل الاجتماعي
وينتمي أبناء الطائفة الإنجيلية إلى الطبقة الوسطى، ولكن رغم ذلك يعانون من الهجرة المتزايدة للشباب إلى الغرب، ولا سيما أستراليا... ولكن الإنجيليون الذين اعتادوا على الهجرة، اعتادوا في الوقت نفسه على حماية من تهجروا من مناطقهم, وقد أدوا في هذا الإطار دورًا بارزا في حرب تموز/ يوليو، حيث استقبلوا في كنائسهم المهجرين من بلدات الجنوب، وقدموا خدمات طبية لأكثر من 1550 شخصا، بالتعاون مع الصليب الأحمر اللبناني ومؤسسات أخرى في المنطقة.
ولا تقتصر بنية المجتمع الإنجيلي على الكنائس والمدارس والجامعات؛ فالمستشفيات العديدة وعلى رأسها مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت، ومستشفى العصفورية للأمراض العقلية، كانت من أهم إنجازات الإنجيليين الأوائل، ولا يزال مستشفى "هملن" في بلدة حمانا (جبل لبنان)، ومركز القديس لوقا للمتخلفين عقليا"، ومياتم عدة في لبنان تحت رعاية الإنجيليين، ناهيك عن المستوصفات والمؤسسات الاجتماعية الأخرى، والتي هي في عهدة الكنيسة إلى يومنا هذا.
ديانتهم
من المعلوم أن الانجيليين يختلفون اختلافًا عظيمًا في مذاهبهم، ليس فقط عن الكنيسة الكاثوليكية والفرق النصرانية القديمة؛ بل فيما بينهم أيضا، ففي سورية ولبنان ينقسمون إلى نحو عشر فرق تقريبا، أبرزهم اليرسبيتيريان والكونكركاشن والانكليكان واللوثرانيون والاسكتلنديون والمعمدانيون، ولكنهم جميعهم يتظللون بالبروتستانتية المشتقة من البروتستانت، أي المحتجين على تعاليم الكنيسة الكاثوليكية، وهم لا يقبلون غير التوراة بعهديها القديم والحديث، دون الكتب المعروفة، ولا يخضعون لسلطة الكنيسة الكاثوليكية في تأويلها للأسفار المقدسة، بل يؤمنون بحرية التأويل كما يبدو لهم، أما المعتقدات والأسرار فلكل فرقة منهم مذهب؛ فمنهم من يعتقد قليلًا، ومنهم من يقبل كثيرًا على الدين والكنيسة بشكل عام.
القسيس شارل قسطة: نحن طائفة مستبعدة
يتحدث القسيس شارل قسطة -راعي الكنيسة المعمدانية الإنجيلية في راس بيروت- عن وضع الطائفة الإنجيلية في لبنان؛ معتبرًا أنها مستبعدة على جميع الأصعدة، مع العلم أنها ناشطة على الصعيد الثقافي، وقد تجلى ذلك من خلال سلسلة المدارس التابعة لها، والتي تعتبر بمثابة مثل يحتذى به.
ويقول قسطة: بدأ المذهب الإنجيلي مع مارتن لوثر كينغ، الذي حارب الكاثوليكية في القرن الخامس عشر، وبدأت تنتشر شيئا فشيئا في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية، لتدخل بعدها إلى الشرق.
فالعقيدة الإنجيلية تختلف عن المذاهب المسيحية الأخرى، فالتضرع لا يكون إلا للسيد المسيح، ويقول قسطة في هذا الإطار: نحن لا نتضرع إلى السيدة مريم العذراء، والتي لها مكانة خاصة عندنا، لانها إنسانة من البشر، وإن كانت هي التي حملت بالسيد المسيح.
لذا فإن الكنائس الإنجيلية تخلو من الصور والتماثيل، لأنه لا يجوز التضرع أو الصلاة أمام الصورة أو التمثال، بل تكون الصلاة بشكل فردي، وليس أمام الصورة، فلا تزين الكنائس الإنجيلية سوى بالصليب الذي يجسد آلام السيد المسيح.
تعتمد العقيدة الإنجيلية على كل ما ورد في الإنجيل وتطبقه بحذافيره، لذلك فهم لا يحتفلون بعيد الصليب أو عيد انتقال السيدة العذراء حسب قوله، بل يحتفلون في عيدي الميلاد ( يوم ميلاد السيد المسيح) والفصح (يوم قيام السيد المسيح)، كما أنهم لا يصومون خلال فترة الصيام، بل يمكن أن يصوم أي مؤمن في أي يوم يشعر فيه أنه بحاجة للتضرع إلى الله بالصلاة والصوم.. أما القربان الذين يتناولونه فهو عصير العنب المشتق من الكرمة، ولا يقدمون الذبائح الإلهية، أما بالنسبة للثالوث المقدس وهو الأب والابن والروح القدس؛ فهو يتمثل بالسيد المسيح، ولكنه في كل مرة يتجلى في واحد من الثالوث المقدس.
ويعتبر قسطة أن الإنجيليين في لبنان يشكلون أقل من 1 % من اللبنانيين، ومع ذلك فإنهم أبدعوا في المجال التربوي والثقافي، ويقول: لدى الطائفة الإنجيلية سلسلة من المدارس الناجحة جدا، والتي أبدعت في هذا المجال، لذلك نجد أن هناك طلابا ينتظرون قبولهم على الـ waiting list (لائحة الانتظار) من شدة الإقبال على مدارسنا، فالجامعة الأميركية في بيروت (aub) أسسها الإنجيليون، ولكنها أصبحت الآن ذات صبغة علمانية، إضافة إلى الجامعة اللبنانية الأميركية (lau)، والتي بقيت محافظة على صبغتها الإنجيلية من خلال مجلس الأمناء الذي يمثلها، في حين أن جامعة هايكازيان لا زالت محافظة على لونها الإنجيلي. إلى جانب دور الأيتام التي تهتم بأولاد الشوارع، وأبرزها دار الرجاء ودار الصفاء وغيرها...
"وأبرز إبداعات الطائفة الإنجيلية ترجمتها للإنجيل المقدس إلى اللغة العربية، وقد قام أحد رجال الدين المسلمين من آل الأسير بتصحيحه لناحية القواعد العربية، إضافة إلى أن السيد وديع صبرا -الذي لحن النشيد الوطني اللبناني- هو من الطائفة الإنجيلية" يقول قسطة.
الطائفة الإنجيلية لا تميز بين دين وآخر، وقد تجلى هذا الأمر واضحًا من خلال المساعدات التي قدمتها إلى المهجرين أثناء حرب تموز/يوليو 2006، وعناقيد الغضب في نيسان 1996, ويقول قسطة: خلال حرب نيسان/ أبريل، وتحديدًا أثناء حصول مجزرة عناقيد الغضب؛ قدمنا المساعدات لأهالي قانا وأهالي الجنوب عموما، وكنا نزور قانا باستمرار، حتى نشأ بيننا وبين أهاليها علاقة قوية، وأثناء وبعد حرب تموز قدمنا المساعدات من مواد غذائية وملابس للأولاد وشنط مدرسية وأحذية.
أما عن الوضع السياسي للطائفة؛ فيقول قسطة: كان يمثلنا في المجلس النيابي النائب باسم الشاب، وبعدها الشهيد باسل فليحان، وقد جرت محاولات عديدة من قبل جهات سياسية لإلغاء هذا التمثيل، بما أن عددنا قليل، فإذا كان هذا الأمر يجب أن يطبق؛ عندها يفترض أن يكون هناك تمثيل أكبر للشيعة في المجلس النيابي... ويضيف: كلمتنا غير مسموعة؛ فأي نشاط نقوم به يكون بعيدا عن الإعلام، في حين أن الطوائف المسيحية الأخرى تظهر على الواجهة بشكل أكبر... في الجيش والسلك العسكري يصل الأشخاص الذين ينتمون إلى الطائفة الإنجيلية إلى رتبة عميد، ولا يصلون إلى مراتب أعلى، ويندرج هذا الأمر على وظائف الدولة، وفي الأمن العام اللبناني كانت تمثلنا العميد دلال الرحباني، والتي كانت الشخص الثاني بعد المدير العام للأمن العام اللبناني، أما الآن فلا أعلم ما إذا كان يمثلنا مفتش واحد في الأمن العام.
وعن عادات وتقاليد الطائفة الإنجيلية يقول: ليس لدينا عادات معينة أو طقوس نمارسها، وفيما يتعلق بوضعها الاقتصادي؛ فهي ككل طائفة.. هناك الغني والفقير، ويعمل الأغنياء على مساعدة الفقراء.
هذا وتسمح الطائفة الإنجيلية بالزواج لأي من أبنائها من أي مذهب مسيحي آخر.
الأقوى اقتصاديا"
ويعتبر قسطة أن الدولة التي تتبع المذهب الإنجيلي تكون الأقوى اقتصاديا، ويقول: نشرت جريدة النهار ترجمة عن كتاب فرنسي، يشير إلى الازدهار والنمو الذي ينتشر في الدولة التي تتبع المذهب الإنجيلي، وقد ظهر هذا الأمر واضحا في مقاطعات ألمانيا، فالمقاطعة التي ينتشر فيها المذهب الإنجيلي كانت الأقوى اقتصاديا، بعكس المقاطعات التي تتبع مذاهب أخرى، والسبب يعود إلى الحرية التي تتبعها الطائفة الإنجيلية.
وبما أن القسيس قسطة من قرية مغدوشة الجنوبية المعروفة، بمقام سيدة المنطرة وتمثال السيدة العذراء التي يقصدها جميع اللبنانيين من كل المناطق وكل الطوائف؛ فإنه لا يزور هذا المقام، انطلاقا من العقيدة الإنجيلية التي لا تؤمن سوى بالسيد المسيح كإله، ولا تشرك معه أحدًا.
aXA6IDMuMTIuMzYuNDUg جزيرة ام اند امز