«نساء الأسرة العلوية» المصرية.. أميرات اشترين الحب بالعذاب
دراسة تاريخية رصينة تعتمد على الوثائق والأرشيف حول نساء الأسرة العلوية، من الملكات وصاحبات العصمة، للكشف عن طبيعة أدوارهن المجتمعية
«نساء الأسرة العلوية ـ ودورهن في المجتمع المصري» لمروة علي حسين، الصادر أخيرًا عن دار الشروق المصرية، والذي توفر في المكتبات ابتداءً من أمس الأحد، كتاب مهم يقع في 282 صفحة من القطع الكبير، ويعرض لدور نساء الأسرة العلوية المصرية في خدمة المجتمع وأنشطة الخير والعمل الأهلي خلال الفترة (1922-1952).
الكتاب دراسة تاريخية رصينة (قدم في صورته الأولى كأطروحة ماجستير)، تعتمد على الوثائق وأرشيفات الدولة المصرية، والبيانات والمعلومات المتصلة بنساء الأسرة العلوية، من الملكات والأميرات وصاحبات العصمة، للكشف عن طبيعة أدوارهن المجتمعية، وإبراز الإسهامات التي شاركن بها في التعليم والفنون والآثار والآداب عمومًا، وكذلك في الأنشطة الخيرية والاهتمامات الصحية، وإنشاء المستشفيات الخيرية والجمعيات والمراكز الصحية، وكذلك نشاط هؤلاء النساء في مقاومة الأمراض والأوبئة ومساعدة منكوبي الحرب والكوارث.
وعلى الرغم من كثرة الكتب والدراسات التي عرضت لتاريخ أسرة محمد علي باشا، مؤسس مصر الحديثة، وزخم الدراسات التاريخية المتعددة عن الأسرة العلوية، وأفرادها، وجوانب حياتهم العامة والخاصة، فإن القليل منها، بل ربما الأقل، قد تعرض للعنصر النسائي في هذه الأسرة خلال تلك الفترة، ولهذا جاءت هذه الدراسة لتجبر ندرة الدراسات في هذا الجانب.
لكن ليس هذا هو السبب الوحيد لأهمية هذا الكتاب وقيمته، بل لعل أهم ما يقدمه كجديد في هذا المجال، هو الكشف عن الجانب الشخصي والصراعات العائلية التي كان لها كبير الأثر في تحديد مصير الأسرة العلوية ككل، فالدراسة في جزء كبير منها تضطلع بالكشف عن جانب اجتماعي خطير أثَّر سلبًا على صورة نساء هذه الأسرة، وهو الخلافات الحادة التي كانت تنشأ بين نساء هذه الأسرة من جانب، وبين الدولة المصرية من جانب آخر، وكذلك الخلافات "الزوجية" و"العائلية" التي كانت في أغلبها تنتهي بالطلاق، وبعض هذه الحالات ذاعت تفاصيله ووصلت إلى الرأي العام والشارع المصري، فكان منها قصص وحكايات تداولتها الصحف والدوريات المختلفة آنذاك بالعرض والتحليل، وأحيانًا كثيرة بالتهويل والتهويم!
أما الجانب الأخطر في سيرة هؤلاء النسوة، فكان يأتي عقب وقوع الطلاق، عندما كان بعضهن يتزوجن من أجانب، وبعضهن الآخر يتزوجن رجالا آخرين على غير دينهن، من أشهر هذه الحالات قصة زواج الأميرة فتحية ابنة الملك فؤاد وصغرى شقيقات الملك فاروق، من شاب مصري بسيط "رياض أفندي غالي"، وإلى هنا فالمسألة لم تكن تتعدى زواج أميرة من الأسرة المالكة من أحد أفراد الشعب البسطاء، ولا تثير أي قدر من الاهتمام والتساؤل.. ولكن الأمر سيختلف كثيرًا عندما يعلن أن هذا الشاب "رياض أفندي غالي" كان قبطيًّا وينتمي إلى الكنيسة الأرثوذكسية!
كان طبيعيًّا أن يثير إعلان زواج أميرة مسلمة من شاب قبطي، حملة صحفية شهّرت بالسلوك الجنسي للأسرة المالكة، وأن يفجر أزمة سياسية، بدأت بأمر ملكي يقضي بتجريد صاحبة السمو الملكي الأميرة فتحية ووالدتها صاحبة الجلالة الملكة نازلي من ألقابهما الملكية لتصبحا "فتحية هانم فؤاد" و"نازلي هانم صبري" وانتهت بالقضاء علي النظام الملكي بعد ذلك بثلاثة أعوام، وأن يشعل الأمر فتنة طائفية بين المسلمين والأقباط، وأن يفجر مناظرة عن المساواة بين البشر، وعن حدود حرية المرأة والسقف الذي تتوقف عنده حرية السلوك الخاص للشخصيات العامة!
هذه القضايا سيتكرر الحوار حولها، بعد ذلك التاريخ بـ 20 سنة، حين أطلق "رياض أفندي غالي" ثلاث رصاصات علي رأس زوجته البرنسيسة "فتحية" وأطلق الرصاصة الرابعة والأخيرة على رأسه! كانت وقائع تلك القصة المثيرة قد بدأت في مايو 1950 في مدينة "سان فرانسيسكو" كبرى مدن الغرب الأمريكي، وانتهت تلك النهاية المأساوية في مارس من عام 1970.
أما الأميرة فوزية شقيقة الملك فاروق، وإمبراطورة إيران السابقة التى توفيت بالإسكندرية في يوليو 2013، وأجمل أميرات الأسرة العلوية بإطلاق، فكانت قد تزوجت من شاه إيران وأنجبت منه ابنتهما الأميرة شاهيناز، ثم انفصلت عنه وتزوجت للمرة الثانية من وزير الحربية المصري إسماعيل شيرين قبل حركة الجيش في يوليو 1952. لم تكتب الأميرة فوزية مذكراتها للأسف، مع أنها كانت في قلب أحداث سياسية مهمة وخطيرة، ويقال، إنها كانت مستودع أسرار الملك فاروق وأقرب شقيقاته إلى قلبه.
كذلك من أشهر أميرات الأسرة العلوية في مصر، الأميرة فاطمة نسل شاه زوجة الأمير محمد عبد المنعم الذي كان وصيًّا على الطفل أحمد فؤاد لمدة عشر أشهر من حركة الضباط في يوليو وحتى إلغاء الملكية، وقد توفيت الأميرة نسل شاه في إسطنبول بتركيا، في أبريل من العام 2012، بعد أن عاشت 91 عامًا، كان الأمير محمد عبد المنعم قد ترك مصر مع زوجته عام 1957، والمعروف أنها حفيدة السلطان عبد الحميد، واشتهرت دومًا بحضورها الاجتماعي وأناقتها الباذخة التي خطفت الأضواء من شقيقات الملك فاروق، المصريون كانوا يرونها "أشيك" أميرات أسرة محمد علي بما يقترب من الإجماع، وكانت يومًا من الأيام في مقام ملكة مصر وسيدة القصر.
يقع الكتاب في خمسة فصول، تعقب التقديم والمقدمة والتمهيد، الفصل الأول منها يتناول (الحياة الخاصة) لأميرات أسرة محمد علي، الملكات والأميرات والنبيلات وصاحبات العصمة، ويتناول الفصل الثاني (المخصصات) المالية والأوقاف والأراضي الزراعية، ثم يأتي الفصل الثالث ليعالج (الأنشطة الثقافية) التي ساهمت فيها أميرات البيت العلوي، من حيث الاهتمام بالتعليم والفنون والآداب والتاريخ والآثار.. إلخ
وتخصص المؤلفة الفصل الرابع عن الإسهامات التي قدمنها في مجال (الاهتمامات الصحية)، ثم يأتي الفصل الخامس والأخير (القضايا والمنازعات)، وربما يكون هذا الفصل أهم فصول الكتاب ويقدم جديدًا لم يتطرق إليه واحد من الباحثين من قبل، ليتناول المشكلات العائلية والخلافات الأسرية والصراعات مع الدولة.