"العقم النفسي" يهدد المرأة بالحرمان من حلم الأمومة
فرص الحمل للنساء اللواتي يتعرضن للضغط العالي أقل بالنصف من النساء الأخريات
مرض تعاني منه الكثير من النساء، يمنع الحمل نتيجة اضطرابات نفسية، رغم التأكيد الطبي بان حالتها العضوية جيدة ولا مانع من الحمل طبيا.
أنهت "هبة" السنة الأولى من زواجها، وما زالت تنتظر أن يتحقق حلمها بالأمومة، وأصبحت تطاردها أسئلة الناس أينما تذهب عن عدم قدرتها على الحمل، وبعد زيارتها هي وزوجها للطبيب أظهرت النتائج أنه لا توجد مشكلات عضوية تمنعها من الحمل وتحقيق الحلم، ولكن الحالة النفسية السيئة التي تعيشها "هبة" ستمنعها من الحمل كما أخبرها الطبيب المختص.
العقم النفسي هو المرض الذي تعاني منه "هبة" وكثيرات من النساء، وهو عدم إمكانية المرأة الحمل نتيجة اضطرابات نفسية تشعر بها، ووجود تأكيد طبي بأن حالتها العضوية جيدة ولا مانع من الحمل.
تروي "هبة" حكايتها الآن بعدما أصبح لديها طفلة "مريم"، وتقول: "تعرضت في بداية زواجي لظروف سيئة، فقد توفيت أمي بعد فترة مرض، ولم أستطع استيعاب الأمر، مما أثّر على نفسيتي، وحذرني الطبيب من أن الاكتئاب والحزن يؤثران على هرمونات الجسم ويعملان على اضطرابها، وأن حالتي النفسية إذا لم تتحسن ستؤثر على صحتي على المدى البعيد".
وتضيف هبة: "الأطباء يعرفون العقم بالعادة بعد مرور سنة زواج وعدم حصول حمل، وبالفعل مرت هذه السنة عليّ بصعوبة، ولم أقابل أي صديقة أو جارة إلا وسألتني عن الحمل وسبب عدم حصوله، ولا ننسى دور حماتي في هذا الأمر، إذ لم تصدق التقارير، وبدأت تقترح عليّ الذهاب إلى أطباء شعبيين، والتداوي بالأعشاب وغيرها، وما كان من زوجي إلا أن يقبل فرصة عمل في دولة الإمارات وبالفعل رحلنا وتحسنت نفسيتي، وحملت، والآن لديّ ابنة صغيرة جميلة".
الخوف من التشوه
أما "سهام" فتشارك "هبة" في قصتها وعدم تحقق حلمها بالطفل الثالث، ولكن لسبب آخر، تقول سهام: "كان من الصعب عليّ أن أحمل بعدما صُدمت بولادة طفلي الثاني مشوهًا في أصابعه، وعدم وجود أصابع كاملة لديه، الخوف سيطر عليّ بلا شك، فكانت المخاوف تحيط بي من كل جانب، حتى زوجي كان يشاركني نفس الأفكار، فبعض التساؤلات التي كانت تحيطنا: هل سيكون الطفل الثالث بلا أصابع كما هو الحال مع طفلنا الثاني؟!".
وأوضحت "سهام" أن هذا الخوف عمل كمانع للحمل لمدة 4 سنوات، كما أخبرها الطبيب، وبعد زيارته نصح بإجراء فحوصات جينية عديدة لمعرفة احتمالية التشوهات في حالة إنجابهما طفلا ثالثا، وبالفعل أظهرت الفحوصات احتمالية قليلة جدا لإصابة طفلهما الثالث بالتشوه، وهي النسبة الطبيعية لأي حمل. تقول "سهام": "توكلت على الله، وأصبحت أحسّن من حالتي النفسية يوميًّا، وأدعو الله أن يختار لي الأفضل، وساعدنا الطبيب في ذلك كثيرًا، من خلال الإقناع، وطلب منا أن نكون هادئين ولدينا ثقة بالله، حتى أنجبت بالفعل طفلا معافى وسليمًا".
الضغط النفسي خطير
وتبين الطبيبة نبأ الجبوري، إخصائية النسائية والتوليد، أن الحالة النفسية تلعب دورًا كبيرًا في نسبة نجاح الحمل، بالإضافة إلى عدم وجود اختلالات عضوية عند الرجل والمرأة، فالاضطرابات النفسية عند المرأة قد تنعكس على سلامة الأجهزة المختصة بالإنجاب، وتؤدي إلى اضطرابات الهرمونات.
وتؤكد الجبوري أن العقم النفسي يأتي نتيجة الضغط النفسي الذي يؤثر على الدماغ، وبالتالي على الهرمونات التي تفرزها الغدة النخامية، وتؤثر على عملية التبويض، وتعمل على اختلال عمل المبايض، ويعمل هذا الضغط على ارتفاع نسبة هرمون الحليب "البرولاكتين" وبالتالي يتحكم في التبويض، كما أنه استجابةً للضغط النفسي يتم إفراز مواد عصبية تعمل على تشنج قناة فالوب والرحم، مما يعيق ثبوت الجنين في الرحم، ويلعب الضغط دورا كبيرا على الجهاز المناعي في الجسم، فيؤثر على عملية ثبوت الجنين في الرحم.
التأهيل النفسي
وتؤكد الإخصائية النفسية مروة صلاح أثر الضغط النفسي بأنواعه على صحة الإنسان، وليس على الإنجاب فقط، وترى: "أن العقم النفسي ناتج عن أسباب تفكر بها المرأة وتُخيفها، فمثلا إن كان لديها طفل يعاني من تشوهات وتخاف أن يكون مولودها القادم أيضًا مشوهًا، وإن توفِّيَ للمرأة جنين داخل رحمها بعد اكتماله، وإن كان للمرأة طفل يعاني من متلازمة داون، وإذا كانت تعاني من إجهاضات متكررة، وإن تأخّر الحمل لديها دون سبب عضوي يمنعها من الحمل، وإن كانت علاقتها مع زوجها أو أهل الزوج سيئة، وإن واجهت موقفًا سلبيًّا أثّر على حياتها، كل هذه الحالات تؤثر على نفسية المرأة وتعمل على اختلالات في الهرمونات".
وتضيف: "الحل أن تعيد المرأة تأهيل نفسيتها، ومن المهم دور الزوج ومساندتها في هذه المشاعر حتى تتجاوز المحنة التي تمر بها، وإن تطلّب الأمر فزيارة طبيب نفسي لعمل جلسات علاجية تخفف عنها المشاعر التي تشعر بها، ومن المهم معرفة أن الإخصائي النفسي يعالج الأسباب النفسية وليس الأسباب العضوية التي تمنع الحمل، وأظهرت الدراسات النفسية أن النساء اللواتي راجعن العيادات النفسية لهذا السبب قد زادت لديهن نسبة الإخصاب وفرص الحمل.
ومن الأساليب العلاجية النفسية المتبعة أساليب سلوكية مثل التثقيف الطبي النفسي والاسترخاء وتمارين التنفس العميق، وحل الصراعات النفسية، والمشكلات الزوجية، أو التخفيف منها وتصحيح طرق التفكير الخاطئة من خلال الأساليب المعرفية، وأيضًا زيادة تقدير الذات والتوافق معها والإيحاء الذاتي، إضافة إلى الغذاء المتوازن والتمارين الرياضية.
دراسة
وفي دراسة نشرتها المجلة البريطانية الطبية، أظهرت النتائج أن النساء اللواتي يتعرضن لدرجات عالية من الضغط النفسي والعقلي تكون فرص الحمل لديهن أقل بالنصف من النساء الأخريات، وأن النساء ذوات مستويات التوتر العالية قلّت فرصهن في الحمل بنسبة 29% عن غيرهن من النساء ذوات مستويات التوتر المنخفضة.
وشملت الدراسة متابعة أكثر من 500 زوجة خلال عام قمن بقياس مستويات "آلفا أميلاز"، وهو إنزيم في اللعاب يدل على توتر الشخص. ويقترح الباحثون للتقليل من هذا الإنزيم، بعض طرق الاسترخاء البسيطة مثل التأمل وممارسة اليوجا والمشي لمدة 20 دقيقة يوميا، مما قد يزيد من فرص الحمل.