يبدو التحالف الإسلامي لمواجهة الإرهاب أول مبادرة عربية إسلامية شاملة تنطلق من أرض الخليج
يبدو التحالف الإسلامي لمواجهة الإرهاب أول مبادرة عربية إسلامية شاملة تنطلق من أرض الخليج، ولاسيما من المملكة العربية السعودية، وهي التي تعد حجر الزاوية في العالم الإسلامي، كون أرضها مهد الإسلام، والحاضن للأماكن المقدسة فيه، فضلاً على ثقل سياسي وعلاقات دولية كثيرة ومتشعبة.
وﻻ شك في أن للتحالف العربي الذي قام بعاصفة الحزم لإعادة الأمل إلى اليمن دوراً كبيراً في وﻻدة فكرة التحالف الإسلامي الذي يمثل أملاً وطموحاً لكل مسلم. وقد جاء التحالف واضحاً في مسماه وتوقيته وأهدافه. وإن كانت آلية عمله لم تتبلور بعد، وكذلك قائمة الجماعات التي سيستهدفها.
لا شك في أن ما ينتشر اليوم من عنف وإرهاب وقتل وتدمير باسم الإسلام يستحق اهتمام الدول الإسلامية خصوصاً، إذ هي الأولى بمحاربة التطرف وإعادة الصورة الناصعة النقية إلى الإسلام. ومن هنا تأتي أهمية تشكيل التحالف الإسلامي لمقاومة الإرهاب ليكون مولوداً عربياً إسلامياً يساعد المجتمعات والدول الإسلامية على مكافحة الإرهاب ومقاومته.
شهدنا في السنتين الماضيتين تشكّل أحلاف شرقية وغربية لمقاومة الإرهاب. وﻻ أظن بأن هذه التحالفات العالمية، مهما بلغت قوتها، قادرة على التوجه إلى لب المسألة. وستمضي الدول غير الإسلامية وقتاً طويلاً لفهم الإرهاب وتحديده، بينما هو ينتشر سرطانياً في كل المناطق.
جاء التحالف الإسلامي ليمثل حلاً ضرورياً في مواجهة خطر داهم يخرج من الأرض الإسلامية وينتشر في كل دول العالم. وقد استشعرت دول العالم الإسلامي الخطر الداهم الذي قد يستمر طويلاً، ويتحول إلى عائق أمام الاستقرار والتقدم. كما يشكل خطراً داهماً على الإسلام والمسلمين في كل مكان. ولعلنا لاحظنا ذلك الإقبال الكبير والسريع على الانضمام إلى هذا الحلف، ولاسيما من جانب دول إسلامية لم تشارك في مثل هذه النشاطات من قبل، وهو ما يؤكد شعور الجميع بالخطر المحدق للإرهاب.
لقد ضرب الإرهاب بقاعاً كثيرة على امتداد العالم كله، وهذه الخريطة الممتدة للإرهاب تقتضي خريطة أعم وأشمل للحلف الذي يحمل على عاتقه مهمة مقاومة الإرهاب، وحسناً فعل التحالف حين أبقى الباب مفتوحاً لكل دولة ترغب جدياً في مكافحة الإرهاب للانضمام إليه واللحاق بركابه.
يملك التحالف مبررات كثيرة لوجوده، لكن المهم في رأيي هو الإجابة عن تساؤلات عدة من قبيل: ما أجندات هذا التحالف؟ وما خططه الراهنة والمستقبلية؟ وما الآليات والاستراتيجيات التي يعمل بها؟ وما حدود تدخله العسكري؟ وكيف سيتعامل مع قرارات الأمم المتحدة ونصوص القانون الدولي؟
إننا أمام ظاهرة غاية في التعقيد، فالإرهاب الذي يتمدد كل يوم يقضم من مكانة الدولة الوطنية وهيبتها، وأكثر ما نخشاه أن تستمر هذه الخلايا السرطانية بالانتشار والتمدد ولا تجد من يوقفها. ولذا لابد من وضع استراتيجية شاملة ومستدامة للقضاء عليها. استراتيجية تضمن سد الفراغ الأمني والعسكري الذي حدث في كثير من المناطق بسبب عوامل عدة، وكذلك سد الفراغ الفكري الذي أصاب مجتمعنا العربي والإسلامي، ولاسيما في صفوف الجيل الناشئ والشباب الذين اختلطت عندهم المفاهيم بسبب التشويه الذي أصاب الإسلام.
تسببت أحداث ما سُميّ «الربيع العربي» في خلق حال كبيرة من الفوضى في العالم العربي، كما قضت على معظم منجزات التنمية التي شهدها العالم العربي منذ مطلع الألفية الثالثة، فضلاً عن خسائر بشرية كبيرة بين قتل وتهجير، وخسائر مادية تقدر بمئات البلايين أصابت الجميع. ومن الطبيعي أن يكون التحالف الإسلامي الجديد معنياً بإعادة عجلة التنمية إلى الدوران، وإيجاد الحلول المستقبلية لكل المشاكل، القديمة منها أو التي نشأت عشية فوضى «الربيع العربي».
إن عصرنا الراهن هو عصر التحالفات والتحركات الجماعية، ولعل قيام التحالف الإسلامي اليوم يعيد إلى الأذهان ما جرى في باندونغ في العام 1955 حين قررت مجموعة من الدول تشكيل حركة عدم الانحياز، بعد أن استشعرت ضرورة وجودها في تحالف كبير يقيها الوقوع في مأزق الالتحاق بأحد المعسكرين الشرقي أو الغربي.
الذين فكروا والذين خططوا والذين أعلنوا وﻻدة هذا التحالف وضعوا بلا شك هدف النجاح أمام أعينهم. فالخطر داهم والمجتمعات تتهاوى والمنظومة الفكرية التي تجمعهم، وهي الإسلام، تتعرض للعبث وللتشويه. وكي ينجح التحالف الإسلامي في ما جاء من أجله، ﻻبد من العمل على مستويين متساويين في الأهمية: مستوى قريب، وآخر بعيد، ولا يتم التنازل عن أحدهما لمصلحة الآخر. وﻻ يعتقد أحدهم لاحقاً بأن جانباً أهم من الآخر.
فعلى المستوى القريب والعاجل سيعمل هذا التحالف على مقاومة الإرهاب على أرض ممتدة شاسعة، وهو ما يستدعي التنسيق الدائم والمباشر على أعلى المستويات. ويجب أن يكون التنسيق المباشر في الجانب الأمني والاستخباراتي، وتبادل المعلومات الدقيقة والصادقة للوصول إلى النتائج المهمة. وبذلك تجابه شبكة التحالف شبكة الإرهاب. ومن دون هذا التعاون الأمني لن يصل التحالف الإسلامي إلى نتيجة، فهل يتحقق هذا التعاون من الجميع؟
أما على المستوى البعيد، فإن المهمة الصعبة التي تنتظر التحالف هي تجفيف منابع الإرهاب عبر البحث في آلية للقضاء على مسببات الإرهاب وعوامله، وهذا ما يتطلب نقداً ذاتياً ومكاشفة حقيقية لواقع الإسلام والمسلمين، وأنظمة التعليم في الدول الإسلامية، والمؤسسات الدينية ودورها في نشر الوعي والفكر، إضافة إلى معالجة الفقر والمشاكل الاقتصادية في عدد كبير من الدول الإسلامية، والبحث عن مقاربة جديدة للخطاب الديني تتناسب وفئات المجتمع المختلفة المشارب والثقافات، وتفعيل دور المؤسسات الثقافية التنويرية. وهذا كله يحتاج إلى طواقم عمل كبيرة وإمكانات مادية هائلة. ولا شك في أن التحالف سيكون في امتحان صعب أمام كل هذه المتطلبات.
التحالف الإسلامي يتبنى اليوم مقاومة الإرهاب، وسيحمل الغد نتائج هذا التحالف، ويظهر نجاعة الأساليب والوسائل التي سيتبعها في تحقيق أهدافه، وهي مهمة ليست يسيرة، لاسيما في ظل وجود صعوبات وتحديات كثيرة، فضلاً عن أن إيران التي تدعم بعض الجماعات المتطرفة قد تسعى إلى تقويض التحالف، وأن بعض جماعات الإسلام السياسي مثل «الإخوان المسلمين» ستتضرر من قيام هذا التحالف، وربما تسعى إلى التظاهر بالانضمام إليه وتأييده ظاهرياً تمهيداً لاختراقه أو لإفشاله وضربه من الداخل.
المأمول أن يكون هذا التحالف بداية للتخلص من الإرهاب. واجتثاث جذوره من المجتمعات الإسلامية. والتحالف ليس الخطوة الأولى، بل هو خطوة متقدمة تحمل طابعاً إسلامياً في التشخيص والمعالجة. فهل ينجح في مهمته؟
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة