سجّل العراق مستوى قياسياً للصادرات النفطية هذه السنة، يزيد معدله عن 2.9 مليون برميل يومياً (ثلثها تقريباً يصدّر الى الصين)،
سجّل العراق مستوى قياسياً للصادرات النفطية هذه السنة، يزيد معدله عن 2.9 مليون برميل يومياً (ثلثها تقريباً يصدّر الى الصين)، وفقاً لوزير النفط عادل عبدالمهدي. وبلغ مجمل الريع النفطي للعام الحالي، نحو 49.5 بليون دولار. وأضاف عبدالمهدي أن معدل الإنتاج المقدر في موازنة 2016 يقترب من 4.5 مليون برميل يومياً، بينما تبلغ تقديرات الصادرات للعام المقبل نحو 3.6 مليون برميل يومياً. ويعود السبب في زيادة الصادرات الى تشييد البنى التحتية وتحسينها في حقول الإنتاج وموانئ البصرة، إضافة الى تصدير نوعين من نفط البصرة هذا العام (الخفيف والثقيل). ويلاحظ أن هذه الصادرات هي فقط من المنافذ التصديرية الجنوبية. فقد توقفت صادرات الحكومة الفيديرالية من المنافذ الشمالية منذ أيلول (سبتمبر) الماضي. ومن ثم، لا تشمل أرقام الصادرات العراقية تلك المصدرة من إقليم حكومة كردستان أو حقول كركوك الشمالية التي سيطرت عليها «البشمركة» بعد المعارك مع «داعش» في حزيران (يونيو) 2014.
وبلغ مجمل صادرات حقول كردستان وكركوك نحو 500 ألف برميل يومياً، مع خطط لزيادتها الى نحو مليون برميل يومياً في 2016.
ويذكر أن معدل الإنتاج العراقي الفيديرالي يضعه في منزلة رابع أكبر دولة منتجة في العالم (بعد السعودية وروسيا والولايات المتحدة). وتفيد معلومات وكالة الطاقة الدولية، بأن العراق زاد إنتاجه نحو 500 ألف برميل يومياً خلال عام 2015، ما يعني أنه كان الأول من هذه الناحية هذه السنة.
تبلغ موازنة العراق لعام 2016 نحو 89 بليون دولار، وبعجز يصل الى نحو 17 بليوناً. فما هي أسباب العجز، على رغم بلايين الدولارات من الريع النفطي السنوي؟
يكرر المسؤولون الحكوميون أن أبرز الأسباب انهيار أسعار النفط، واضطراب الوضع السياسي والنفقات المترتبة على الاستعدادات العسكرية لمحاربة «داعش»، ومستحقات الشركات النفطية المتأخرة والمستحقة الدفع (تدفع الحكومة نحو 20 بليون دولار سنوياً للشركات النفطية العاملة لتطوير الحقول)، والتضخم السنوي المتزايد للموازنة (حيث يبلغ مجمل موظفي القطاع العام والمتقاعدين نحو ثمانية ملايين من مجموع عدد سكان البلاد البالغ حوالى 30 مليوناً). ولا يشير المسؤولون ولو مرة واحدة الى سوء إدارة البلاد، سياسياً واقتصادياً، أو ضخامة الفساد الشائع في العراق وفداحته.
ينحصر مجمل الحلول المقترحة في سياسات قصيرة المدى. فهناك من يقترح الاقتراض أو خفض قيمة الدينار، أو تقليص رواتب الموظفين وتعويضاتهم، ناهيك عن الاستغناء عن عدد منهم في المناصب العليا، الذين تعينوا لخلق توازن طائفي وإثني، لا غير، إذ تبين بعد خبرة السنوات العشر الماضية عدم الحاجة إليهم، بل بالعكس، فوجودهم في جهاز الدولة يعرقل اتخاذ القرارات الناجعة.
وهناك من يقترح الاستمرار في زيادة الإنتاج النفطي لتعويض الخسائر الناجمة عن انهيار الأسعار عالمياً، من دون أخذ تخمة الأسواق في الاعتبار، وأن أي زيادة في التصدير تعني إعطاء الحسومات للمشترين. وهذا بالفعل ما تقدّمه شركة «سومو» الحكومية منذ فترة. فقد تم بيع نفط بصرة الخفيف في الأسواق الأوروبية بنحو 30 دولاراً للبرميل في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، أي قبل التدهور الكبير في الأسواق. طبعاً، لا اقتراحات حلول لوضع حدّ لسرقات المال العام، أو محاكمة المسؤولين في الحكومة السابقة، حيث تمت أكبر عملية سرقة في التاريخ، إذ «ضاع» نحو نصف الريع النفطي للبلاد منذ الاحتلال في 2003 حتى عام 2015.
ولافت أن السرقات لا تقتصر على الحكومة الفيديرالية، بل تشمل حكومة إقليم كردستان أيضاً. فقد نشر رئيس اللجنة البرلمانية في برلمان إقليم كردستان، علي حمة - صالح ، تقريراً مفاده «ضياع» نحو 50 مليون دولار شهرياً منذ شهر أيلول الماضي، وذلك من خلال «عمليات غامضة» لتصدير النفط يومياً عبر ناقلات الى إيران. وكما هو معتاد، فقد نفت حكومة الإقليم المعلومات الواردة في التقرير.
واضح أن لدى العراق طاقة إنتاجية نفطية كبيرة تضعه في مصاف الدول المنتجة الكبرى في العالم. لكن هذا ليس هو الأمر المهم. فالأهم هو كيفية تحقيق الاستفادة القصوى من الريع المالي، والوصول الى اقتصاد متنوع. إذ لا يمكن الاستمرار في الاعتماد على النفط فقط. فلهذه السلعة، كما السلع الأخرى، دوراتها الاقتصادية الصاعدة والمنخفضة، كما يجري الآن وكما جرى خلال العقود الأخيرة. فسعر النفط لا يرتفع باستمرار، بل ينخفض أيضاً. كما بلغت الصناعة النفطية مرحلة جديدة. فهناك تنافس قوي من النفوط غير التقليدية. ودول هذه النفوط لا تتعاون مع أقطار «أوبك» في استقرار الأسواق من خلال التنسيق في خفض الإنتاج في الوقت اللازم. وهناك أيضاً على المدى البعيد، أي بعد عقود عدة، انعكاسات قرارات مؤتمر قمة باريس المناخي، التي تدعو بوضوح الى خفض استهلاك المواد الهيدروكربونية واستبدالها بمصادر الطاقة المستدامة. ما سيعني تقليص استهلاك النفط والخام واستبدالهما بالطاقات المستدامة. هذا يعني بدوره، توجهاً أوسع للاستثمار في الطاقات المستدامة بدلاً من الهيدركربونية.
آن الأوان، ولو خلال الأيام الحالكة هذه، لتبني قرارات اقتصادية لا إجراءات موقتة طالما تستعمل أثناء الأزمات في الدول النفطية. آن الأوان للدول النفطية، على رغم كل التهديدات التي تواجهها دول المنطقة، لتبنّي الإصلاحات وعدم الاستمرار في إضاعة الوقت، متّكلين بذلك على النفط في إنقاذ البلاد من طريقة التصرفات الاستهلاكية الفارهة، واستعمال الوقود المدعوم بطرق غير رشيدة، والسرقات البليونية.
*ينشر هذا المقال بالتزامن في جريدة الحياة وبوابة العين الالكترونية*
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة