قررت مدينة بين لحم الاقتصار على قرع الأجراس فقط في المدينة مع حلول أعياد الميلاد.
يشعر الشماس فادي أبو سعدي بالحزن لحلول عيد الميلاد وسط بحر من الدماء والآلام والمعاناة التي يعيشها الفلسطينيون في بلد المسيح "عليه السلام".. إننا نتملس السلام في "بلد السلام" فلا نكاد نجد إلا الخراب والحروب في بيت لحم.
حال الشماس ( رتبة دينية يتولى بموجبها منصبه في كنيسة الروم الكاثوليك ببيت لحم) ينسحب على المسيحيين في عموم الأراضي الفلسطينية، "فكيف لنا الاحتفال بالعيد والدماء تسفك على مقربة من كنيسة المهد" تقول الفتاة سها ناصر لبوابة "العين".
"ساحة كنيسة المهد" المكان الذي تشخص إليه عيون مئات الملايين ستقتصر الاحتفالات فيها على الشعائر الدينية فقط، وفق الشماس أبو سعدي، "بينما مظاهر الفرح والبهجة التي كانت تزين شوارع المدينة ومؤسساتها ستقتصر على شجر الكريسماس في ساحة المهد وتزيين شارعين حولها فقط".
إلغاء الاحتفالات
ويضيف أبو سعدي لبوابة "العين": نحن "نختصر الفرح في نفوسنا" ، أمام هذه الآلام والحسرة وفقدان الأحبة وسقوط الشهداء والجرحى من الفلسطينيين ليل نهار.
وأكدت رئيسة بلدية بيت لحم، فيرا بابون، أن شوارع المدينة لن تتزين هذا العام بزينة الميلاد، باستثناء شارعين "التاريخي والمهد".
وأضافت: البلدية قررت اقتصار المظاهر على قرع أجراس كنائس بيت لحم "احتراماً لتضحيات ومعاناة الشعب الفلسطيني"، إلى جانب إلقاء ترتيل ديني للمرتل العالمي "بو تشيلي".
وتستعد مدينة بيت لحم الواقعة جنوب الضفة الغربية، لإحياء عيد الميلاد منتصف ليلة الخامس والعشرين من شهر ديسمبر الجاري، بمشاركة بطريرك القدس للاتين فؤاد طوال وحضور الرئيس الفلسطيني محمود عباس ولفيف من المسؤولين، بحسب الشماس أبو سعدي.
حجم المعاناة يلمسها "وليم" القادم من غزة إلى بيت لحم للمشاركة في احتفالات الميلاد" هنا تغيب مظاهر العيد.. منذ خروجنا من غزة وأجواء الخوف والرعب تسيطر علينا"، لافتاً إلى حجم الحواجز العسكرية الإسرائيلية المحيطة ببيت لحم.
ويضيف لبوابة "العين": العيد منذ 15 عاماً تغيب عنه مظاهر الفرح "لكن العيد هذه السنة كان قاسيا علينا"، ويتابع: "في مدينة السلام تفتقد الأمن، وعندما تفتقد الأمن تغيب الحرية والفرحة".
تقييد مسيحيي غزة
وسافر وليم من غزة لبيت لحم إلى جانب (600) مسيحي، بموجب "تصريح إسرائيلي" يمنح لمن تنطبق عليه الشروط الإسرائيلية لمغادرة قطاع غزة المحاصر منذ ثماني سنوات.. ويأسف وليم " لغياب الكثير من مسيحيي غزة عن الاحتفالات في بيت لحم بسبب شرط العمر الذي يضعه الاحتلال.
وبينما توجه جزء من مسيحيي غزة إلى بيت لحم، فإن الآلاف من مسيحيي القدس والمدن الفلسطينية داخل إسرائيل، لن يتوجهوا لبيت لحم، خشيةً من الأوضاع الأمنية المتوترة التي تسود الأراضي الفلسطينية ، خصوصاً الضفة الغربية التي تشهد مواجهات واسعة بين الفلسطينيين وقوات الاحتلال منذ ثلاثة أشهر على خلفية الاعتداءات الإسرائيلية المستمرة ضد المقدسات الإسلامية والمسيحية.
وقدمت سلطات الاحتلال الإسرائيلية ما سمته "حزمة تسهيلات للمسيحيين" ليتسنى لهم الاحتفال بالعيد، من بينها منح تصاريح تنقل ومرور للمسيحيين من غزة إلى بيت لحم، ومن مدن الضفة إلى بيت لحم، ومن الأخيرة إلى القدس، وتضمنت التسهيلات تقديم تصاريح لمغادرة عشرات المسيحيين الأراضي الفلسطينية، وكذلك لزيارة مئات المسيحيين من خارج فلسطين لبيت لحم.
تلك التسهيلات يراها الشماس فادي أبو سعدي محاولة إسرائيلية لتبيض صفحتها القاتمة أمام العالم، ويقول: "المطلوب أن توقف إسرائيل قتل شعبنا وتدمير حياته.. عليها أن تنسحب من أرضنا ليعم الاستقرار والسلام"، هذا المطلوب وليس تسهيلات هنا أو هناك.
وتوافقه الرأي سها ناصر التي أشارت إلى صعوبة خروجها مع عائلتها من بيت لحم إلى مدينة القدس المجاورة، نظراً للحواجز العسكرية الإسرائيلية الكثيرة في الطريق إلى القدس، إضافةً إلى تدهور الأوضاع الأمنية في القدس منذ أشهر.
ضعف تجاري
أكثر من يكشف أحوال عيد الميلاد الحركة التجارية الضعيفة جدا برأي إبراهيم جكمان صاحب متجر بيع التحف الشرقية البعيد عشرات الأمتار من ساحة كنيسة المهد.
يحتد جكمان مجيباً: "في مثل هذا الوقت من كل عام لم يكن لدي مجال للرد عليك.. المحل يكون مزدحما جدًّا بالزبائن الذين نفتقدهم اليوم".
ويقول جكمان لبوابة "العين": لقد "كان هناك توقعات منذ شهر بأن الحركة التجارية ستكون ضعيفة.. لكننا لم نتوقع أن تكون بهذا السوء"، مضيفاً: "أن أتحدث لك عن منتصف نهار لم تصل مبيعاتي فيه قبل 48 ساعة من عيد الميلاد، بأكثر من 250 شيقل (63 دولار).. متى كان هذا؟"
غير بعيد عنه تؤكد مها السقا مديرة مركز التراث الثقافي، ضعف الحركة الشرائية على الملبوسات التراثية التي تحمل دلالات تراثية ودينية معينة، "جزء كبير من الناس ارتدوا ملابس السنة الماضية.. الوضع الاقتصادي وحتى السياسي يلقي بظلاله على الناس".
وتربط مها السقا ضعف الحركة التجارية بالسياح الأجانب الغائبين عن المشهد هذا العام: "عدد الزوار الأجانب تراجع بشكل ملحوظ في بيت لحم وكل المدن الشقيقة لها في القدس والناصرة والخليل وغيرها ".
لكن تراجع السياح الأجانب لم يمنع السقا من مواصلة الاستعدادات لتقديم الثوب الفلسطيني والرموز الوطنية الفلسطينية "لمواجهة محاولات السرقة الإسرائيلية لهوية تلك الرموز التي تقدمها إسرائيل للسياح الأجانب القادمين لفلسطين ولبيت لحم تحديداً على أنها رموز تراثية إسرائيلية".
انتكاسة الفنادق
ويكشف رئيس الغرفة التجارية في بيت لحم سمير حزبون عن تراجع إجمالي النشاط التجاري في موسم العيد الحالي بنسبة (30-35%)، ويضيف أن قطاع الفنادق في بيت لحم شهد انتكاسةً كبيرة، إذ الإقبال عليها ضعيف جدا، ولا تكاد تصل الحجوزات أكثر من (25%)، بينما كانت الغرف الفندقية محجوزة بالكامل في مثل اليوم من السنة الماضية.
ويأسف حزبون للحال السيء في المدينة، "المطاعم والفنادق استعدت للعيد" لكن العيد لم يصل إليهم".
وعزا رئيس الغرفة التجارية ضعف الحركة السياحية إلى تدهور الوضع السياسي والأمني الصعب في الأراضي الفلسطينية، إضافةً إلى التفجيرات الإرهابية التي ضربت العاصمة الفرنسية قبل نحو شهر، فضلاً عن الأوضاع الأمنية المتدهورة في المنطقة.
ويستدرك في حديث لبوابة "العين": "لم يتراجع النشاط السياحي في الأراضي الفلسطينية فقط، بل تراجع على مستوى الشرق الأوسط نتيجة الأوضاع السيئة".
وأشارت وزيرة السياحة والآثار الفلسطينية رولا معايعة، إلى تراجع عدد السياحة خلال العام الجاري مقارنة بالسابق بنسبة (11%)، وعزت ذلك للأوضاع التي تمر بها الأراضي الفلسطينية، بسبب إجراءات الاحتلال العسكرية منذ ثلاثة أشهر.
لكن معايعة شددت على أن التحضيرات والاستعدادات تجري على قدم وساق لاستقبال المحتفلين بعيد الميلاد في بيت لحم، رغم كل المضايقات الإسرائيلية".
ويقول الشماس أبو سعدي: "نحن سنحتفل بقلوبنا بالعيد، وسنقيم الصلوات طلباً للخلاص والسلام في بلادنا والمنطقة"، مشيراً إلى أن الموكب البطريركي سيصل مدينة مهد المسيح قادماً من مدينة القدس ظهر يوم غد الأربعاء، وسيكون في استقباله وجهاء بيت لحم، ومن سيتجه إلى ساحة المهد ليقود قداس ليلة العيد.
aXA6IDMuMTM5LjIzNS4xNzcg جزيرة ام اند امز