بعد 3 سنوات من عزل البشير .. السودان تائه في طريق الانتقال
في مثل هذا اليوم الـ11 من أبريل/نيسان، قبل 3 سنوات، كتب السودانيون تاريخاً جديداً لبلادهم بعد عزل الرئيس عمر البشير وطي صفحة الإخوان السوداء.
ملاحم سطرها شعب هذا البلد في مواجهة آلة البطش الإخواني في قصة صمود ألهمت العالم، وتكللت بتشيع 3 عقود من حكم الحركة الإسلامية السياسية، قبل أن يرسموا طريقاً للانتقال المدني الديمقراطي.
جموع تحدت قمع الإخوان وثبتت في طرقات الخرطوم ومدن البلاد الأخرى متمسكة بسلاح التظاهر السلمي لأكثر من ثلاثة أشهر متواصلة قبل أن تتحول لقيادة الجيش وتقيم اعتصاماً في 6 أبريل/نيسان 2019، لتتمكن من وضع نهاية لحكم البشير بعد أن انحازت لها القوات المسلحة في يوم الحادي عشر من الشهر نفسه.
لكن بعد مضي كل هذه المدة وفق خبراء، ما يزال السودان تائهاً في طريق الانتقال نحو الدولة المدنية الحديثة نتيجة خلافات ضربت شراكة الحكم، وهو ما أدخل البلاد في أزمة سياسية واقتصادية طاحنة.
فالأزمة السياسية وبتجلياتها الخطرة من تراجع اقتصادي وترد معيشي وقطيعة جزئية من المجتمع الدولي، تترك المخاوف باستمرار لدى السودانيين من العودة للحقب المظلمة في تاريخ البلاد والتي كان عنوانها عزلة شاملة.
تسويق شعارات لا مكان لها
وفي خضم الأزمات المتلاحقة خلال السنوات الماضية، ثمة من حاول من المحسوبين على النظام السابق، تسويق شعار "لا سكر لا عيش يا بشة تعال معليش"، في إشارة الى أن بعض السودانيين ندموا على إنهاء النظام السابق.
لكن الخبير السياسي عزالدين دهب، يرى أن مثل هذه الشعارات مصدرها مجموعة معزولة تحاول تسويق نفسها مجدداً، ولا وجود لمثل هذه الدعوات بين عامة السودانيين، "فكيف تدعو أمة لإرجاع رئيس فترة حكمه كانت وبالاً على البلد وأخّرتها مئات السنين عن ركب التطور والتقدم العالمي".
ويقول دهب في حديثه لـ"العين الإخبارية" إن "البشير يعتبر الأكثر دكتاتورية في القارة السمراء وتسبب في عزلة كبيرة للبلاد، ولم يفعل أي شي سوى فصل الجنوب وحرق دارفور، فلا يوجد إنسان سوي يتحسر على ذهاب حكمه لمزبلة التاريخ".
وأضاف "سقوط البشير شكّل نقطة تحول كبيرة في تاريخ السودان السياسي، حيث أنهت عزلته الدولية كأكبر مكسب يتحقق، وسمّت طريقا نحو الدولة المدنية الحديثة التي يتطلع لها الشباب الثائر".
وما تزال الاحتجاجات الشعبية مستمرة في السودان تنادي بالحكم المدني الديمقراطي، بينما تعيش القوى السياسية شقاقا ملحوظا وهو ما قد يشكل ضربة لوحدة قوى الثورة، وفق مراقبين.
ميثاق الشرف والخروج من عنق الزجاجة
ويرى القيادي في حزب الأمة السوداني محمد عادل "ضرورة العودة إلى منصة تأسيس الثورة بعد الفشل الصريح الذي لازم الفترة الانتقالية والذي كان بسبب شراكة سياسية بين أحزاب محدودة وعسكريين".
ويعتقد عادل في حديثه لـ"العين الإخبارية" أن السودانيين ما زالوا يمتلكون فرصة التوافق والخروج من هذا المأزق السياسي وجني ثمار إنهاء حكم البشير.
لكن ذلك يتطلب بحسب القيادي نفسه، الاتفاق على ميثاق شرف سياسي يلبي مطالب الشارع ويُخرج البلاد من عنق الزجاجة إلى بر الأمان.
وقال "هناك حلول ومبادرات وطنية مطروحة يجب استثمارها كفرصة لتجاوز هذه الإزمة، وإلا سوف تنزلق البلاد إلى منعطف خطير ويعود الإخوان إلى المشهد مجدداً وقد بدأوا في تنظيم صفوفهم في الوقت الراهن".
غير أن الخبير السياسي عزالدين دهب يرى أن "المبادرات الوطنية لن تنجح لأن التجارب أثبتت أن السياسيين السودانيين بينهم أزمة ثقة موروثة، ودائما ما تأتي الحلول من الخارج، وهو ما يجعل جهود البعثة الأممية يونيتامس، والاتحاد الأفريقي الأمثل لمعالجة الأوضاع بالبلاد".
وأعرب عن اعتقاده في أن الفشل الذي لازم الفترة الانتقالية كان "بسبب التركة الثقيلة التي تركها المعزول عمر البشير خلفه، والتي تنوعت بين السياسي والاقتصادي والاجتماعي".
وفي 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أصدر البرهان، قرارات وصفها بالتصحيحية لمسار الثورة، قضت بإقالة الحكومة وفرض حالة الطوارئ، ما أدى للإطاحة بشريك الانتقال تحالف الحرية والتغيير.
ومنذ ذلك الحين تعيش البلاد في حالة اضطراب سياسي وتوترات كبيرة، نتيجة استمرار الاحتجاجات الشعبية الرافضة لهذه الإجراءات والمناداة بالحكم المدني.
وفي فبراير/شباط الماضي، قال رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان إن قيادة البلاد والقوات المسلحة لن تسلم السلطة، إلا لحكومة منتخبة أو بالتوافق الوطني.
وأكد أن أياديهم "ممدودة لكل المكونات السياسية لتحقيق الوفاق الوطني والوصول بالبلاد لانتخابات حرة ونزيهة".