فن "المالوف" الليبي.. ولد في الأندلس وتطور في طرابلس
"فن الآلة" في المغرب، "الصنعة" في الجزائر العاصمة
تقدم "العين" في نهاية 2015، مراجعة لفنون رسخت في التراث الشعبي.. وبعضها اندثر مع الزمن والحرب والعولمة.. وبعضها تطور و"المالوف" بينها.
"المالوف" فن ليبي أصيل، وجزء من التراث العريق في ليبيا، وهو صامدٌ حتى اليوم في وجه كل التحديات التي تواجه الفنون التراثية في العالم، ويعود هذا الفن في ليبيا إلى القرن الثاني عشر ميلادي، ويعبر عن عبقرية العرب القدامى في ميادين الموشح والزجل العامي، تحتفي "العين" أيضاً بهذا الفن مع ذكرى المولد النبوي الشريف عليه الصلاة والسلام، فشهر ربيع الأول، هو موسم "المالوف" أيضاً، ليصادف مع الشهر الذي ولد فيه سيد الكائنات محمد صلى الله عليه وسلم.
فـ"المالوف"، سلسلة من الموشحات والزجل يضاف إليها بعض القصائد الصوفية المعروفة بالمكّاوي، والتي يتفنن مشايخ "المالوف" في حشرها داخل نوبة "المالوف"، وذلك إرضاءً وتصديقاً لمقالات المتصوفة التي أجمعت على أن التغزل الموجود في "المالوف" إنما هو تغزل في ذات النبي صلى الله عليه وسلم وصفاته الحميدة.. حتى إن القصائد المتواترة وذات الطابع الغزلي عُدلت بعض ألفاظها وتغيرت فيها بعض المعاني ليأخذ عبرها "المالوف" الشكل الصوفي المقصود.
لا يمكن للمرء أن يتحدث عن "المالوف" من دون التوقف عند أهم أعلام هذا اللون الفني قديماً، والذين كان لهم الدور الكبير في استيطان "المالوف" في ليبيا، وهما أبوبكر بن باجه وأمية بن عبدالعزيز، ويضاف إليهما من ساهم في انتشار هذا الفن في فترات زمنية سابقة من أعلام متصوفين كشُعيب بن أبي مدين، ومحي الدين بن العربي.
اسم الفن يحكي عن نفسه، فأصله من لفظة (المألوف)، ما ألفه الناس، وهذا ما حظي به فن "المالوف" في ليبيا، فقد ألفه عدد كبير من الليبين كونهم يعبرون من خلاله عن أحاسيسهم ومشاعرهم، بالرغم من أن هذا الغناء بات ينحو تجاه الأناشيد التي يغلب عليها طابع المدح في الرسول الكريم عليه أطيب الصلاة والسلام.
وقد عرف بأسماء مختلفة في بلدان المغرب العربي إذ يسمى بـ"فن الآلة" في المغرب أو"الغرناطي" في بعض مدن غرب الجزائر، بينما يسمى بـ"الصنعة" في العاصمة الجزائرية، ولكن يحتفظ باسم "المالوف" في كل من ليبيا وتونس.
حرص الليبيون على ما خلفه الأجداد للأحفاد من تراث قيّم في المجال الفني حرصهم على كل غالٍ وثمين، فـ"المالوف" الأندلسي في نظرهم هو زاد السماع المفضل ومجال الطرب الحقيقي لما يحتوي عليه من نصوص أدبية غاية في روعة التركيب البلاغي والألحان الشجية المتآلفة في شكل السهل الممتنع، وقد استطاع العقل الليبي بما يحمله من قدرة الإبداع أن يطور هذا الفن وينقله من روح القرون الوسطى إلى فكرة الفن المعاصر، وبذلك أصبح المالوف يجاري العصر بطبيعته وطربه.
يشرح الدكتور عبدالله السباعي "النوبة" بأنها "القالب الموسيقي الغنائي الذي يتكون من عدة حركات لحنية متتالية ومؤلفة في أوزان وإيقاعات متدرجة السرعة".
"العين" التقت أحد أهم قامات "المالوف" في طرابلس، المؤرخ محمد أبو عجيلة الشريف، الذي تحدث عن بدايات هذا الفن، لافتاً إلى أنه "عندما نزح فن "المالوف" إلى بلاد الشمال الأفريقي كان يؤدى بطريقة واحدة، ولكن هذه النوبات تطبعت بطابع كل بلد حلت فيه وتأثرت بعادات وتقاليد الأقوام الذين حلت بينهم".
ويرى الشريف أن "النوبة الأندلسية أخذت شكلاً خاصًّا في ليبيا يختلف عن الأشكال الموجودة في أقطار المغرب العربي "تونس والجزائر والمغرب"، حيث أصبحت نوبة "المالوف" هنا مميزة بشكلها في الترتيب وأداء النغم وانفرادها بالإيقاع المميز في أصول ضغوطه الإيقاعية في الدوائر المختلفة".
"لقد كانت ولا تزال الزوايا الصوفية والتكايا من أهم العوامل التي ساهمت في حفظ تراث المالوف في ليبيا"، برأي الشريف، "ولا تزال هذه المؤسسات الدينية تباشر هذا النشاط في جلسات خاصة واجتماعات عامة يؤمها الناس عادة لسماع "المالوف" وحفظه والاستمتاع بمشاهدة عازفي آلات الإيقاع المسماة بالبندير والنقرة والدربوكة".
"المالوف" إذاً يمثل في الأساس قاسما مشتركا بين شعوب المغرب العربي، و"قد ساهم في تطوره في ليبيا مجموعة من الأسماء المهمة في هذا اللون الغنائي، بينهم الشيخ محمد أبوبكر تومية والمعروف بـ (الشيخ قنيص) الشيخ أحمد الحاراتي، الشيخ مصطفى أبوجراد، الشيخ بشير السباعي، والشيخ حسن عريبي"، يقول الشريف.
ويضيف الشيخ محمد الشريف: "إن نوبة "المالوف" في ليبيا في مجملها تتكون من موشحات، وتكون في بعض الأحيان من الزجل الراقي، وتُلحن هذه الموشحات والأزجال من سائر النغمات، ومن خصائص نوبة "المالوف" الليبية من حيث الأوزان أنها تبدأ بالاستفتاح ثم البرول الأول والبرول الثاني والبرول الثالث ثم الختم"، ويضيف: "هناك نوع آخر في النوبة الليبية من حيث الوزن وتسمى المُصدّر، ويعادل ميزان المُصدّر في النوبة الليبية إيقاع أو ميزان )البطايحي) التونسي فيتفق معه في العدد ويختلف في الضغوط".
كما أوضح الفنان والمؤرخ الموسيقي محمد الشريف أن عدد النغمات أو المقامات 14 نغمة، وهي الرست- ورست الذيل- الذيل- الحسين- الحسين محير- حسين صبا- حسين عجم- السيكا- الماية- العراف- والأصبعية والأصفهان-والمحير والمزموم.
مع بروز عدد من الفرق التراثية بشكلها المطور في مجال "المالوف" والموشحات باستعمال الآلات الموسيقية، صار لزاماً أن تقام المهرجانات السنوية له في شهر أغسطس من كل سنة، علاوة على أنه يتم إيفاد الفِرق لثمتيل ليبيا في المهرجانات الدولية، حيث تنال الشهادات والأوسمة.
لا ينتهي الحديث عن "المالوف" وعراقته، لكن الختام بشعر من الفنان والمؤرخ محمد الشريف، يعبر عن أهمية ودور الفن التراثي في الارتقاء بمستوى الذوق لدى محبيه.. فيقول
لـــتراثـنا فـــن أصيــل ذائع دوماً له مجد وصيت ذائع
وهو المعين لمن أراد منهلاً يسمو به فالفن منه ساطع
aXA6IDE4LjIyNC4zMS44MiA=
جزيرة ام اند امز