في محادثة هاتفية الأسبوع قبل الماضي بين رئيس هيئة الأركان الروسية، مع نظيره الأمريكي جوزيف دانفورد تم تناول سبل التعاون المتبادل.
وافق مجلس الأمن الدولي يوم الجمعة الماضي بالإجماع على قرار يدعم خارطة طريق دولية لعملية السلام في سوريا في إظهار نادر للوحدة بين القوى الكبرى وجدول زمني مدته نحو عامين لتشكيل حكومة وحدة ثم إجراء انتخابات وقبل كل ذلك وقف لإطلاق النار خلال شهر من الموافقة على القرار وإجراء محادثات بين الحكومة السورية والمعارضة تبدأ في أول يناير والاتفاق في نفس الصدد على المعركة المستمرة لدحر تنظيم داعش وعودة روسيا من جديد من خلال بوابة سوريا كقوة عالمية مرضت ولم تمت بجهودها الرامية الهادفة إلى حماية مصالحها في منطقة الشرق الأوسط والتصدي للحضور الأمريكي الذي تراه موسكو موجَّهًا نحو حرمانها من كسب حضور وتكوين حلف مؤثر في المنطقة خصوصًا أن حلفاء أمريكا في المنطقة بما في ذلك إسرائيل خرجوا من تحت عباءات العم سام كحلفاء حصريين في مواجهة أي نفوذ يحد من قدرتهم على الوصول لأهدافهم الخاصة، وما رفْع أسعار الفائدة في أمريكا الأسبوع الماضي إلا رسالة سياسية أكثر من كونها اقتصادية وهي حملة إخضاع موجهة إلى من يفكر أن يخرج خارج مدار الهيمنة الأمريكية.
ومن جانب آخر أخشى ما تخشاه روسيا تفاقم ظاهرة التطرف الديني في بلدان الجوار وفي الداخل وسط الأقلية المسلمة، ناهيك بالصداع الدائم الذي تسببه لها حرب أسعار الطاقة العالمية والحدّ من قدرة صادراتها على الوصول لسوق المنطقة خصوصًا في ظل الحضور الطاغي لجماعات المصالح المشتركة التجارية والصناعية وتأثيرها الخفي على عديد من القرارات الصادرة من "الكرملين"، وتأثيرها بالتحديد على حكم وسياسة بوتين الداخلية والخارجية، حيث يعد بوتين لكارتيلات النفط وغيرها من الصناعات الروسية ركيزة مهمة لتعزيز أدوارهم وتعظيم فائدتهم لدعم الاقتصاد الروسي بشكل عام وحساباتهم البنكية بصفة خاصة وتحويل الانتباه عن توسع صادرات موسكو من الأسلحة والبنى التحتية إلى المفاعلات النووية، وغيرها من السلع، وهي شركات مرتبطة ارتباطًا وثيقًا مع "الكرملين"، وفي تصريح سابق له حذر بوتين من أن التدخل الأمريكي الغربي في الشؤون الشرق أوسطية من الممكن أن يؤدي إلى صعود الإسلاميين، ونوّه بأن الديموقراطية الغربية المنادَى بها في المنطقة غير مصمَّمة لتقود إلى الديموقراطية ولكن إلى الإطاحة بالحكومات الموالية لروسيا واستبدال تلك الموالية للغرب بها.
وروسيا في محاولة لإثبات أنها ليست مجرد قوة بعد انهيار الاتحاد السوفييتي ولكنها قوى عالمية رئيسية قادرة على إحداث الفارق في إدارة الصراعات الحاسمة في العالم، تدخلت في سوريا لمواجهة متقدمة مع الحلف الأطلسي وإظهار ضعف ردة فعل الجانب الأمريكي، وبأنها ستلجأ إلى الحوار مع روسيا، كما سيدعم التدخل تعزيز القرارات الروسية في مجلس الأمن وكلها رسائل موجهة إلى أوربا والدول الرئيسية في المنطقة خصوصا أن روسيا تتفوق على أمريكا في الحرب الإلكترونية والهجينة لإبقاء أوروبا تحت رحمة مصادر الطاقة الروسية وبعض المواد الغذائية الرئيسية التي تصدرها لأوروبا مع دول الجوار كأوكرانيا، والسيطرة على الطرق والمحطات التي من الممكن أن يُنقل من خلالها الغاز إلى أوروبا والوجود المشترك مع باقي القوى العظمى حول أهم الممرات والمسطحات المائية في العالم.
وهناك نقطة مرجعية أساسية للرئيس الروسي فلاديمير بوتين في هذا الصدد وهي نجاح مبادرته لتفكيك الترسانة الكيميائية السورية. ويرى الرئيس الروسي بوتين سوريا فرصة لمساعدة بلده في استعراض قوته العسكرية، حيث تم نشر منظومة الدفاع الصاروخي "إس-400" في القاعدة الروسية في سوريا، والتي تسمح بالتحكم في المجال الجوي السوري كاملا، بالإضافة إلى الاستخبارات الروسية في توفير أحدث وسائل التجسس والمراقبة للجيش السوري ويعتقد المخططون الروس أن هناك فراغًا تركته أمريكا بمغادرتها العراق والتدخل المحدود في سوريا والفرصة سانحة للروس لملء الفراغ بصوره أو بأخرى.
وما يدور في سوريا ثمن مدفوع بأجل لتلك الغاية ولتحقيق ذلك اتخذ قرار إنشاء قاعدة جوية بالقرب من اللاذقية وتعزيز قدرة المنشأة البحرية في طرطوس وتوجيه الضربات عن طريق الجو والبحر ومن ضمن ترسانة التدخل الروسي سلاح صاروخي جديد معروف باسم "كاليبر". وكانت غواصة "روستوف نا دونو" التي أطلقت الصواريخ موجودة في البحر الأبيض المتوسط وكانت القوات البحرية الروسية الموجودة في بحر قزوين قصفت في وقت سابق مواقع التنظيمات الإرهابية وغيرها في سوريا بواسطة صواريخ من نفس الطراز، وأما القوات الجوية الروسية فقد استخدمت، في نوفمبر الماضي، صواريخ جوالة من الطراز الأحدث "Х-101" للقصف، علمًا بأن صاروخ "كاليبر" هو صاروخ خفي لا تراه أجهزة الدفاعات الجوية عندما يحلق على ارتفاع منخفض جدًّا ويصيب هدفه بدقة تصل إلى بضعة أمتار على الرغم من أن مداه يصل إلى قرابة ألفي كيلومتر، كما يتمتع صاروخ "Х-101" أيضًا بالقدرة على إخفاء نفسه عن وسائل الدفاع الجوي كافة. ويبلغ مداه قرابة أربعة آلاف ونصف كيلومتر، فهل ستنشئ روسيا قوة عسكرية دائمة في الشرق الأوسط، كما حاولت أن تفعل مع أفغانستان في عام 1979 وعلى عكس أفغانستان، يمكن للروس تحقيق هذا الهدف اليوم، مع جزء صغير من تكلفة في المال والرجال؟
فالوجود الروسي في سوريا أيضا يعزز من علاقتها وتنسيقها المستقبلي مع إيران وهذا النوع من الأحداث يرمز الى تحول جيوسياسي ملحوظ لطبيعة وجودها المتوقع في المنطقة وستكون تركيا منافس بالوكالة لا يستهان به لروسيا، وهذا التوجه التركي وما حدث بين تركيا وروسيا في حادث سقوط الطائرة حفظ لأنقرة مكانًا دائمًا في قلب الطاولة عندما تُعقد المفاوضات للبحث في مستقبل سوريا، وستعمل روسيا من جهتها على إضعاف نفوذ الجانب التركي في الصراع من خلال إضعاف وتوجيه ضربات إلى المتمردين المدعومين من تركيا على المناطق الاستراتيجية في شمال غرب سوريا، مما يعطي معنًى إضافيًّا للضربات الجوية الروسية الأخيرة ضد هؤلاء المتمردين وبالتالي تقويض سياسة تركيا تجاه سوريا وخفض سقفها لمستوى غير مسبوق ولن تقف تركيا من جانبها عاجزة ومتفرجة على ذلك السيناريو إذا ما تبلور لواقع، كما قد ستلجأ روسيا إلى حرب غير متناسقة ضد أنقرة من خلال دعمها المتوقع لـحزب العمال الكردستاني والتوجه الروسي لن يستثني الجانب والوجود الإيراني في المناطق التي تعتبرها روسيا تقليديًّا مجالًا خاصًّا لمصالحها الاستراتيجية والتاريخية مثل مناطق آسيا الوسطى والقوقاز وبحر قزوين خصوصا أن موقع إيران الجيوستراتيجي يتيح لطهران السيطرة على التطورات في أقاليم بحر قزوين والقوقاز وآسيا الوسطى والشرق الأوسط مما يحتم على موسكو مناقشة عديد من قضايا السياسة الخارجية مع طهران بجانب تشكيل جبهة مشتركة لمواجهة توجهات سوق الطاقة وتنفيذ المشاريع المشتركة في ذلك المجال.
وإذا ما نظرنا إلى تعليقات وتصريحات المفكرين والخبراء الروس حول الشأن الإيراني ستجدهم متعاطفين مع إيران، وأما عن علاقة روسيا مع إسرائيل فالإسرائيلي يدخل روسيا دون تأشيرة سفر، والمستثمرون الروس لديهم مشاريع ضخمة في إسرائيل، كما أن البنوك الإسرائيلية مليئة بالأموال الروسية ويحصل الإسرائيليون على مساعدة الاستخبارات الروسية في تعاون كبير، وهناك اتفاق غير مكتوب بين الجانبين يقوم من خلاله الروس بحماية إسرائيل في مجلس الأمن مقابل حماية إسرائيل للمصالح الروسية في الجمعية العمومية للأمم المتحدة، وهناك مفاضلة في الحاجة المتبادلة إلى الحماية، ومن جانبها خضعت أمريكا للواقع الروسي المفروض في الأراضي السورية وارتفعت وتيرة التعاون بين الجانبين، وفي محادثة هاتفية الأسبوع قبل الماضي بين الجنرال فاليري غيراسيموف، رئيس هيئة الأركان الروسية، مع نظيره الأمريكي جوزيف دانفورد تم تناول سبل التعاون المتبادل بين روسيا والتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة في سوريا ووجهات النظر في ما يخص سوريا والجوانب العملية للتعاون المشترك بين القوات الجوية الفضائية الروسية وطيران التحالف بقيادة الولايات المتحدة في الحرب على تنظيم "داعش"، وفي الأسبوع المنصرم كذلك اجتمع بوتين وكيري، وزير الخارجية الأمريكي، في مباحثات جادة لاتخاذ خطوات حقيقية للتقدم في التسوية السياسية في سوريا، وليس على الخلافات بين الطرفين كمسألة مصير الرئيس السوري بشار الأسد.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة