كفيف من غزة يزاحم الأصحاء في إصلاح السيارات
تفاني الرجل في عمله جعله محط أنظار عديد من الزبائن
رائد الريفي يحلم بإجراء عملية جراحية في الخارج من أجل استعادة بصره الذي فقده منذ 4 سنوات، ليَقرّ عينه برؤية أبنائه.
يستلقي رائد الريفي (37 عامًا) في ورشة "سمكرة" أسفل سيارة من نوع "رينو"، وينهمك بحيوية في إصلاح عطلٍ ميكانيكي فيها، مستعينًا في ذلك بعامل آخر يناوله ما يحتاج إليه من أدوات.
الريفي الذي فقد بصره بشكل كامل إثر جلطة دماغية أُصيب بها قبل نحو 4 سنوات، لجأ إلى هذه المهنة الشاقة، بعدما انقطعت به السبل وأصبح عاجزًا عن تدبير قوت عائلته.
فمنذ أن فقد نعمة الإبصار، لازم البيت لشهورٍ عديدة بانتظار المساعدة من أهل الخير، غير أنه قرر أن يتحدى الظروف التي فُرضت عليه، وعاد من جديد ليكمل المهنة الوحيدة التي يجيدها، حتى أدهش في أدائه الكثير من الزبائن في قطاع غزة.
عاد الريفي إلى العمل بعد غياب نحو عامين، وكانت البداية الجديدة كأنها المرة الأولى التي يمسك بها مطرقة ومفكًّا، لكنه مع الوقت أخذ ينخرط في أجواء العمل، ومن هنا بدأ يشق طريقه بين أشواك الحياة.
يقول الريفي لـ"بوابة العين": "المرة الأولى التي عدت فيها للعمل كانت صعبة للغاية، لم أكن أتخيل أنني سأقابل مثل هذه الظروف، خصوصًا بعدما جاء أحد الزبائن إلى المحل وعرف أنني كفيف".
ويضيف الريفي: "يومها تراجع الزبون عن إصلاح سيارته وقال لي أعذرني سأذهب إلى ورشة أخرى، حينها كظمت غيظي وقلتُ له لا تحكم على العمل إلا بعد الانتهاء منه، وإذا لم يعجبك لا تدفع ليَ الأجرة".
وبالفعل، لم يخيب الريفي ظن الرجل، فبعدما انتهى من إصلاح السيارة فوجئ الزبون بالإمكانيات التي يمتلكها هذا الرجل، وكيف استطاع وهو كفيف أن يصلح عطلًا كبيرًا في السيارة يعجز عن إصلاحه بعض الأصحاء، ومن ذلك اليوم أصبح الرجل زبونًا دائمًا لدى الريفي، كما يقول الأخير.
واستطاع الريفي أن يدرّب اثنين من العمال ليساعداه على إكمال عمله وتنفيذ توجيهاته دون عناء.
ورغم مدى الخطورة التي تواجهه في أثناء عمله ورفعه لمعدات ثقيلة تحتاج إلى إمكانيات خاصة، فإنه لا يفكر في ترك هذه المهنة، خصوصًا أنه يعمل بها منذ كان عمره 12عامًا.
ويمتلك الريفي قدرة فائقة على التعامل مع السيارات وإصلاحها في وقت قصير، مقارنة بآخرين مبصرين لا يستطيعون عمل ما يقوم به، وهو يتلقى يوميًّا اتصالات من أصدقاء له يعملون في المجال ذاته، يستفسرون عن بعض الأشياء ويسألون كيف يتم إصلاحها.
ولم يتمكن الرجل الثلاثيني من رؤية ابنتيه اللتين وُلدتا بعد فقد بصره، فالأولى لم تتجاوز عامها الرابع بعد، أما الثانية فعمرها خمسة أشهر، ولا يستطيع كذلك تذكر ملامح أبنائه الأربعة إلا بصعوبة بعد إصابته بفقدان البصر.
لذلك يأمل الرجل في أن يجد من يساعده في إجراء عملية جراحية في عينيه ليعود له بصره مرة أخرى، فتكلفة العملية مرتفعة جدًّا ولا تتناسب مع إمكانياته، منوهًا بأنه لا يمكن إجراؤها سوى في أوروبا أو الصين، على حد قوله، ويؤكد أن الحياة جميلة لا يعرف قيمتها إلا من فقد بصره وحُرم من رؤية أعز الناس على قلبه رغم كل الصعوبات.
aXA6IDMuMTQ3LjUxLjc1IA== جزيرة ام اند امز