تحليل حول علاقة التنافس العالمي على الغاز الطبيعي بالنزاعات في الشرق الأوسط
في خضم أزمات الطاقة التي تعصف بالمنطقة، تعتبر أزمة الغاز الطبيعي بمنطقة شرق المتوسط، التي شهدها الربع الأول من هذا القرن، بمثابة البداية، ففي الأفق تلوح نُذر حروب كبرى حول الغاز وما ستجلبه من تبعات سياسية واقتصادية مختلفة للمنطقة، فسياسيًّا ستتحول المنطقة إلى مجموعة من التحالفات، مع إما روسيا أو مع الدول الغربية لنيل حصة من الغاز، وقد يعني ذلك المزيد من الحروب بالوكالة في المنطقة.
بينما التبعات الاقتصادية ستتمحور حول إمكانية الاستفادة من أرباح الغاز الموجودة في ذلك الحوض، لكن ما سينهي الصراع في المنطقة هو وجوب اتفاق روسيا والغرب على تقسيم حصص الغاز المستخرج من ذلك الحوض لتلافي النزاعات والحروب بالوكالة التي اجتاحت المنطقة سعيًّا وراح سد الحاجة العالمية للطاقة.
لفهم الازمة بشكل أوضح، لابد من وضع خريطة واضحة لأماكن تركز الغاز في حوض الشرقي للبحر المتوسط، تشير الدراسات أن البترول والغاز موجودان على عمق واحد في ذلك الحوض، حيث يمتد من تحت بر فلسطين المحتلة وبحرها إلى بر وبحر لبنان وقبرص وسوريا وصولاً إلى تركيا، وبالتالي فإن مَن يحفر أولاً يكون بإمكانه أن يستخرج حصته وحصص الدول المجاورة من البترول والغاز الطبيعي بطبيعة الأمر.
ويرى المراقبون وبعض الخبراء في الشأن الدولي أن التوقعات تشير إلى أن الحرب المقبلة في تلك المنطقة ستكون حول موارد الطاقة، لا سيما الغاز الطبيعي، بسبب اكتشافات الغاز المتتالية للدول المطلة على السواحل الشرقية للبحر المتوسط، والتي ترسم صورة قاتمة تنذر بتفجير حروب بين هذه الدول للسيطرة على مناطق الغاز، الذى يعتبره الكثيرون وقود المستقبل بعد تزايد أهميته في مجالات الحياة المختلفة.
وعلاوة على ذلك، يوجد نزاع قائم بين دول حوض المتوسط على الأحقية المشتركة في حقول الغاز المكتشفة حديثًا بشرق البحر المتوسط، ويتمسك كل طرف بموقفه الذى يعززه بأن حدوده البحرية خط أحمر تندرج تحت طائلة السيادة الوطنية، ويتفاقم التدخل الأجنبي في هذه المناطق، متمثلًا في ستة شركات عالمية مثل جاز بروم الروسية واكسون موبيل و شيفرون الأمريكيتين، وبريتيش بتروليوم البريطانية وشل الهولندية وجيني الأمريكية، ليصبح التواجد الغربي أمرًا واقعًا داخل مناطق النزاع، حيث يشير البروفسير مايكل شوارتز، خبير متخصص في الطاقة بجامعة ستوني بروك بالولايات المتحدة، إلى أن التنافس على الطاقة تطور خلال العقود الماضية إلى نزاع متعدد الأوجه اخرطت فيه الكثير من الجيوش والمنظمات المسلحة والتي سلطت بؤسًا مهولًا على ملايين السكان في المنطقة، ويهدد بالتمدد الى جبهات جديدة مثل لبنان وقبرص وتركيا (حوض المتوسط). فالحروب على الوقود الأحفوري (النفط و الغاز الطبيعي) لازمة ليجاد وتسويق المواد الخام الأزمة لتأسيس ورعاية الرأسمالية الصناعية.
وقد تحولت النظرة الغربية إلى الحوض الشرقي للمتوسط، وإلى سوريا بالذات، مع اكتشاف تم الإعلان عنه من قبل الوزارة النفط السورية في السادس من يونيو 2011 (أي قبل 23 يوم من اندلاع القتال في سوريا) باكتشاف تجمع للغاز الطبيعي على السواحل السورية تقدر احتياطاته بـ 122 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي عن طريق شركة سي جي جي فيريتاس الفرنسية للمسح الجيولوجي. وبالتالي يرى المراقبون دفاع روسيا عن نظام الأسد ليس لبسط السيطرة والهيمنة الروسية في المنطقة فقط، لكن لحكم قبضتها على أوروبا والغرب بامتلاك الحقوق الحصرية بالتنقيب في حال استقرار الأوضاع لصالح نظام الاسد، لكن الولايات المتحدة و حلفائها الأوروبيين يريدون الاستقلال من السيطرة الروسية في سوق الطاقة الأوروبي، لذلك زاد الدعم الغربي للقوات المناهضة نظام الأسد (الجيش السوري الحر والقوات الداعمة له) املًا في تحقيق ما تحاول روسيا فعله مع نظام الأسد والفوز بأكبر حقل للغاز الطبيعي في المنطقة.
لكن صراع الطاقة ينتقل إلى مستوى أكثر تعقيدًا من مجرد السيطرة على حقل للغاز في سوريا، ويرجع ذلك بسبب المنافسة العالمية على الغاز بالذات، حيث توجد ثلاثة أطراف رئيسية في النزاع العالمي على مصادر الطاقة عمومًا والغاز بالذات، و هم: روسيا، كأكبر منتج ومصدر للغاز في العالم، والاتحاد الأوروبي، كأكبر مستهلك للغاز في العالم (459,8 مليون متر مكعب سنويًّا)، وأخيرًا الولايات المتحدة كمنافس رئيسي لروسيا في قطاع الطاقة والغاز، حيث تقوم روسيا بإنتاج ما يقرب من 654 مليون متر مكعب من الغاز الطبيعي، يتم استهلاك حوالي 194.2 مليون متر مكعب محليًّا وتصدير الباقي إلى أوروبا عن طريق ما يعرف بالمجرى الشمالي وهي سلسلة من الخطوط التي تضخ الغاز من حقول روسيا إلى مستودعات الغاز في أوروبا، ويعتمد الاتحاد الأوروبي على صادرات الغاز الروسية بشكل رئيسي، التي تمر عن طريق أوكرانيا بنسبة 80%، وبالتالي يصبح النفوذ الروسي في المنطقة أكثر قوة بشكل يتيح لروسيا فرض سيطرتها على العديد من الملفات في أوروبا، وقد تجلى ذلك بشكل واضح في الأزمة الأوكرانية الأخيرة.
وفي خطوة اخرى متعلقة بهذا النفوذ، قامت روسيا بشراء خط نابوكو الأذربيجاني الذي يمتد حتى النمسا ليغذي القسم الجنوبي من أوروبا مرورًا بتركيا في 2009 والذي يضخ حوالي 27 مليار متر مكعب، لكن الولايات المتحدة لها منطق آخر لهذا الحدث يتمثل في عدم رضا واشنطن عن التأثير القوي لروسيا على أوروبا والسيطرة عليها عن طريق الغاز؛ لذلك لجأت واشنطن إلى مد خطوط غاز من مناطق الخليج وإيران لتمر من خلال تركيا أيضًا، و كرد فعل على تلك الخطوة، وقعت روسيا مع تركيا اتفاق مد أنابيب السيل الجنوبي الذي تم وقف العمل به بعد أزمة الطائرة الروسية التي تم إسقاطها على الحدود التركية في نوفمبر الماضي. والذي منح تركيا صلاحيات ومميزات اقتصادية كبيرة تصل الى 11.4 مليار يورو، ورغم أن حادثة إسقاط الطائرة الروسية قد أثر على المستوى السياسي، إلا أن خط السيل الجنوبي لا يزال تحت الإنشاء بشراكة تركية – روسية.
وبالتالي، ستدفع دول المنطقة ثمنًا باهظًا للتنافس المتسمر على مصادر الطاقة في الحوض الشرقي للمتوسط مع تتابع الاستكشافات علي سواحل المتوسط الشرقية، وجدير بالذكر ان سوريا تعتبر مجرد البداية، ليصبح التنافس أكثر ضراوة و حدة، وتصبح حروب الوكالة أكثر انتشارًا وعنفًا؛ لذلك وجب على دول المنطقة حل أزماتها داخليًّا وإقليميًّا مع الحفاظ على التوازن الدولي لضمان فرص التجارة العالمية، لكن النهاية الحقيقية للصراع في المنطقة الوصول إلى اتفاق بين الدول المتنافسة على تقسيم حصص الغاز المستخرج، مع الحفاظ على دول الحوض، لتلافي النزاعات والحروب المستقبلية الناشئة عن خلق تحالفات متشابكة تولد مزيدًا من البؤس والدمار لسكان المنطقة.
aXA6IDMuMTQ5LjIzMi44NyA= جزيرة ام اند امز