شهدت الحياة السياسية ضجيجاً وصراخاً، بعد انتهاء الانتخابات وإعلان نتيجتها وقبل إنعقاد مجلس النواب وبدء جلساته
شهدت الحياة السياسية ضجيجاً وصراخاً، بعد انتهاء الانتخابات وإعلان نتيجتها وقبل إنعقاد مجلس النواب وبدء جلساته،
مابين الائتلافات والتكتلات، والانضمام والانسحاب، وتبادل الاتهامات بالسيطرة والاستئثار، أو عودة الحياة السياسية إلى ما كان، واندفاع حول الإجادة فى وضع النصوص ومفردات التعهدات والالتزامات بوثيقة الائتلاف، والسباق حول ترشيحات من يتولى رئاسة البرلمان حتى من خارج الأعضاء المنتخبين، وتوزيع المناصب ورئاسة اللجان، والدعوة إلى أن تُعد الحكومة لائحة مجلس النواب!! كل ذلك جعل الحياة صراخا فى صراخ غير مسئول.. وأحياناً يخالف كل القواعد والأصول. ونحمد الله أن كل هذه الأصوات لم يتجاوز أصحابها افراداً معدودة ، فى حين أن السادة النواب يبلغ عددهم 568 بالتمام والكمال، ولم نسمع أو نشاهد إلا ما لايجاوز العشرين أو الثلاثين، ولم يصل عددهم إلى خمسين عضواً!! أى أقل من 10 %، من إجمالى عدد النواب !! وأتمنى على الباقين من السادة النواب الصامتين أن يكونوا من الحكماء قليلى الكلام كثيرى العمل، من أجل مصلحة الوطن والمواطنين.
حضرات السادة.. أعضاء البرلمان هم ممثلو الشعب، صاحب السيادة، ومصدر كل السلطات، ويمثلون السلطة التشريعية فى البلاد، إلى جوار السلطتين القضائية والتنفيذية، ولانهم يمثلون الشعب صاحب السلطة الحقيقية، فقد انحاز الدستور للسلطة التشريعية، واحتلت مكانة عظيمة فى نصوص الدستور وأحكامه، وحظيت بسلطات كبيرة، منها ما ورد لأول مرة فى الدستور، أن يجعل منها صاحبة قرار ومقام فى مواجهة السلطة التنفيذية ، بدءاً من مناقشة برنامج الحكومة .. والسياسة العامة للدولة وخطة التنمية الأقتصادية، والرقابة على أعمال السلطة التنفيذية، بل وعند تشكيل الحكومة أو تغيير بعض الوزراء فيها أو إقالتها يتطلب الأمر موافقة الأغلبية، وكل ذلك لمدة خمس سنوات كاملة من تاريخ أول اجتماع للمجلس، الذى لم يبدأ بعد.
وقد بدأ الاستقواء بالإعلان عن تكتل واقترن اسمه « بدعم الدولة» واحتدم الصراع اعتراضاً على النصوص والتعهدات، بل وعلى اسم التكتل ذاته «دعم الدولة» ثم جرى تعديله إلى «دعم مصر».. وكأن الدولة شىء، ومصر شئ آخر.. ولو قرأ السادة أعضاء الائتلاف أول مادة فى الدستور أن «مصر».. «دولة» ذات سيادة، فمصر هى الدولة، والدولة هى مصر، وائتلاف مصر هو ائتلاف الدولة تماماً، إذن فإن تعديل اسم الائتلاف لا يعنى تعديلا.. ومن بين مواد الدستور.. هناك تعبيرات.. الشعب.. والنظام السياسى والمجتمع ومقوماته الأساسية.. وأن معظم الالتزامات الدستورية تقع على عاتق الدولة.. التزاماً وحماية.. وكفالة.. للمبادئ وللحقوق والحريات باعتبارها مقومات اجتماعية واقتصادية.. وثقافية.. مقومات أساسية للدولة.
وفى الحديث عن المجتمع ومقوماته الأساسية.. اجتماعية واقتصادية وثقافية يقرر الدستور أن هذه الالتزامات تقع على عاتق «الدولة» فى 20 مادة المواد 7- 26 المقومات الإجتماعية.. وفى المقومات الاقتصادية يحدد النظام الاقتصادى هدفه.. ويحمل الدولة التزامات وأهدافا لابد من تحقيقها فى 20 مادة أخرى من المادة 27 - 46 ، ثم تأتى المقومات الثقافية فتلزم الدولة أيضاً بالحفاظ على التراث والآثار والثقافة والتراث الحضارى الثقافى فى المواد 47-50، وفى الحقوق والحريات وسيادة القانون مبادئ وأساسيات عالية الشأن.. تلزم الدولة ومؤسساتها بتحقيقها فى مواد امتدت حتى المادة رقم مائة بالتمام والكمال!!
ولسوف يجد السادة النواب أعضاء الائتلاف أن القسم بالمحافظة على النظام الجمهورى واحترام الدستور والقانون ورعاية مصالح الشعب والحفاظ على استقلال الوطن وسلامة أراضيه، كل ذلك يعنى دعم الدولة.. ودعم مصر.. وهو التزام بالقسم يقع على عاتق كل النواب.. سواء داخل الائتلاف .. أو خارجه، وأن التزام كل نائب دستورياً بممارسة اختصاصات مجلس النواب سواء سلطة التشريع.. واقرار السياسة العامة للدولة.. والرقابة أو المساءلة التى لا تقع على الدولة أو على مصر.. وإنما «تمارس على أعمال السلطة التنفيذية» الحكومة.. لأنها تمثل الهيئة التنفيذية العليا للدولة ويتولاها رئيس الوزراء وأعضاء الحكومة ويشرف على أعمالها، وأنهم جميعاً مسئولون مسئولية تضامنية أمام الشعب ممثلة فى مجلسه الموقر ومنذ القدم، لأن كل نائب لا يمثل أبناء دائرته وإنما يعتبر وكيلاً عن عموم الأمة المصرية منذ تراثنا الدستورى القديم بالمادة 6 من دستور 7 فبراير 1882 عهد الخديو توفيق!!
اذن فالسباق الوطنى الحقيقى فى كيفية تحقيق السياسة العامة والخطط ومقومات الدولة المصرية والمجتمع المصرى بالرقابة على أعمال الحكومة، ليأتى عملها التزاماً بسياسة الدولة.. والخطة والموازنة، وتصويب تصرفاتها والرقابة عليها.. وفى ذلك فليتنافس المتنافسون.. بالموضوعية والمسئولية الوطنية والعلم والخبرة، وليس بأى شىء آخر من التكتلات أو الائتلافات أو التشهير أو البطولات الزائفة أو الأصوات العالية أو الاتهامات .. وهنا يأتى الأداء الوطنى المسئول فى الرقابة والدراسة .. والتأمل .
مؤدى ذلك ياحضرات.. أن ما جرى فى البلاد من ضجيج أو صخب حول دعم الدولة.. أو دعم مصر.. أمر مفروغ منه بغير ضجيج ودون حاجة إلى ذلك الخلاف والسباق والصراع ، وأن الائتلاف أو الاتفاق يأتى عن قناعة بتقارب الأفكار والمبادئ التى نص عليها الدستور فى التزام الدولة أو كفالتها لتلك الحقوق دون ضجيج أو خلاف حول نصوص وثيقة الائتلاف ، والمهم موقف النواب .. فى كيفية أداء وتنفيذ تلك الالتزامات ، وما تصدره الحكومة من قرارات تنفيذية التى يجب أن تؤدى إلى ذلك، كل ذلك بغير ضجيج أو إهدار للوقت.. أو إشعال الصراعات والفتن والاتفاقات .. وهى دعوة إلى السادة النواب بالعمل فى صمت بعيداً عن الصراخ والأصوات العالية وتصحيح ما فات، وعند الخلاف يقع بالموضوعية والإقناع من أجل مصلحة الوطن والمواطنين ، ولسوف يكون ذلك كله تحت رقابة الشعب كله لانه وحده صاحب السيادة ومصدر كل السلطات .
*ينشر هذا المقال بالتزامن في جريدة الأهرام وبوابة العين الإلكترونية*
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة