إصلاحات هيكلية في الاقتصاد وإعادة نظر في أسعار الطاقة والمياه، تؤكد أن السعودية ماضية في نهجها للتخلي عن مبدأ الدولة الريعية.
إصلاحات هيكلية في الاقتصاد وإعادة نظر في أسعار الطاقة والمياه وكفاءة في الإنفاق الحكومي، تؤكد أن السعودية ماضية في نهجها للتخلي عن مبدأ الدولة الريعية والذي لا يفرز نشاطًا اقتصاديًّا ملموسًا أو ممارسة سوقية في أغلب قطاعاته نتيجة الاعتماد على مصدر دخل واحد في الغالب لا يتم كسبه عن طريق الإنتاج أو العمل، لذا فإعلان هذه الإصلاحات قد يؤدي إلى انعكاسات إيجابية على هياكل الإنتاج في جسد الاقتصاد بما يُعزِّز الناتج المحلي ويسهم في زيادته نتيجة الرغبة القائمة على إيجاد بدائل أخرى للمورد الوحيد في موازنتها وهو "النفط" ويسهم في تنوع مصادر الدخل.
وحديثنا عن الاقتصاد بالطبع يقودنا بالضرورة إلى الحديث عن موازنة الدول وشأنها المالي، فحالنا هنا كحال مجموعة من البشر تجمعوا عند شجرة ذات جذور عتيقة لأكثر من 100 عام تزيد أو تنقص، متطلعين إلى استنزافها لتكسونا، وإلى هزها دائمًا لتنهال علينا ثمارها، فيما يبقى السؤال: كيف لهذه الشجرة أن تعيش إن لم نقدم لها الرعاية الكافية لكي تنمو؟ وكيف يمكن لهذه الشجرة أن تستمر لأطول زمان ممكن مع كل هذه التقلبات التي حولها؟ .. ومع ذلك لا نريد أن نتحرك أكثر.
الاقتصاد هنا هو الشجرة التي تحدثنا عنها، والنفط هو الثمرة التي نتوقع أن تستمر ديمومتها إلى أمد طويل، مما يبقى "ناتجنا المحلي" عند مستويات ثابتة إن لم تكن مترهلة أحيانًا مع الاعتماد على الآخرين، قرارات الحكومية السعودية التي مست العديد من عناصر تكلفة المعيشة لدى المواطنين كانت ضرورية مع الانخفاض المستمر لأسعار النفط ورغبة الحكومة في الاكتفاء ذاتيًّا عبر تعبئة اقتصادها من خلال مواردها الطبيعية المتاحة والقوة البشرية التي تمتلكها وهو أمر يحمل بُعدًا اقتصاديًّا بل اجتماعيًّا مهمًّا، إذ تعد الحالة السعودية تاريخيًّا حالة مشابهة للعديد من الاقتصاديات التي تعرضت لهزات مماثلة، والتي تفرز في جانبها الأكبر تقدمًا جيدًا في جانب التقنية والتطور التكنولوجي، وهو ما تمارسه الحكومة السعودية الحالية عبر اتخاذها خيارًا استراتيجيًّا لمرحلتها المقبلة في محاولة لقتل عوارض المرض الهولندي الذي يستنزف اقتصادها منذ عقود.
إلا أن الميزانية السعودية ورغم ما تحمله من مؤشرات جيدة عبر وضع خارطة اقتصادية واضحة للمستقبل تؤسس "لسعودية جديدة" لم تفصح عن الآليات التي ستقوم بها الحكومة السعودية لكبح جماح أي تضخم في الأسعار أو تأتي على ذكر الأدوات التي تمتلكها لذلك، فرغم البيانات والتصريحات الرسمية التي صدرت حيال إصدار سندات أو صكوك قد تستزف السيولة "محليًّا"، إلا أن أثر الإصلاحات الاقتصادية في القطاعات يسهم في زيادة تكلفة الإنتاج لدى المصانع والشركات وهو ما سينعكس بشكل أو بآخر على المستهلك النهائي الذي سيحمل عبئًا أكبر مع زيادة تكلفة المنتجات المختلفة على دخله، الأفكار طموحة والرؤية ملهمة جاذبة للاقتصاد السعودي، إلا أننا سنبقى بانتظار نتائج قياس الأداء، فهل ستنجح في تطبيق هذه الرؤى؟ وكيف سيتم تحديد الأولويات للإنفاق الرأسمالي للحكومة السعودية خلال العام المقبل؟ ربما ستخبرنا أسعار النفط أو ربما الموارد الأخرى التي نعول عليها.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة