تحديات أمنية وقانونية تواجه مؤسسات المجتمع المدني بليبيا
رغم زيادة عددها بعد سقوط نظام القذافي
تواجه مؤسسات المجتمع المدني في ليبيا تحديات أمنية وقانونية، رغم زيادة عدد تلك المؤسسات بعد الثورة التي أطاحت بنظام القذافي عام 2011
دأبت مؤسسات المجتمع المدني في كل دول العالم، خصوصًا الديمقراطية منها، والتي تكفل هامشًا عاليًا من الحريات لأفرادها على ممارسة دورها المناط بها في تعزيز مجموعة القيم والمبادئ التي أُنشئت من أجلها سواء أكانت خدمية أو توجيهية أو حتى رقابية لعمل ومخرجات المؤسسات الحكومية.
وفي ليبيا بات طرح مفهوم مؤسسات المجتمع المدني يأخذُ مساحات كبير ضمن الخطاب السياسي والثقافي، حيث انتشرت هذه الجمعيات والمنظمات بشكل كبير جدًا بعد سقوط النظام السابق، حتى أن بعضها أُسِسَ و لم يُنجِز أي مهام، فيما كان لغيرها دور بارز في الكثير من المبادرات، والتي أفرزت العديد من القيادات في مجال العمل التطوعي، كذلك كان لها مخرجات ذات مستوى عالٍ من الإنجاز.
وقال السيد عبدالسلام الأمير رئيس: "مؤسسة التضامن الليبية للمساعدات الإنسانية" بعد الثورة بدأت انطلاقة العمل المدني بحرية كنا نفتقدها سابقًا؛ إذ أن العمل المجتمعي كان مُحتكرًا من قِبل مجموعة من الناس يعملون تحت حكومة فَصَلت لهم مؤسساتهم.
وأضاف الأمير لـ"بوابة العين"، إن "نشاط مؤسساتنا هو العمل في مجال دعم ذوي الإعاقة ولدينا برامج لمساعدة ذوي الإحتياجات الخاصة في الحصول على حقوقهم، وهذا يأتي في إطار حقوق الإنسان، تمامًا كحقوق الطفل وحقوق المرأة وهو ما نعتبره من ضمن القضايا المهمة التي يفترض الاهتمام بها".
وعن أبرز التحديات والصعوبات التي تواجه مؤسسات المجتمع المدني، قال الأمير: "في العموم توجد مجموعة من الصعوبات التي تواجه كل مؤسسات المجتمع المدني في كل بلدان العالم، خصوصًا على صعيد الدعم والتمويل المالي ولكن في ليبيا وفي الوقت الراهن يضاف لمتاعبنا العامل الأمني، حيث أنه يمثل التحدي الرئيسي حيث يعيق عملية التنقل والحركة بين المدن الليبية المختلفة".
وأضاف "في الوقت الراهن لا يوجد قانون واضح الملامح يُنظِم عمل مؤسسات المجتمع المدني، فلا المؤتمر الوطني ولا البرلمان وضعوا قوانين ولا أُطر معينة".
وقال، إنه "مازال الحصول على الإذن بمزاولة نشاط أي منظمة يؤخذ من وزارة الثقافة، وهذا أراه خطأً كبيرًا، حيث إن المؤسسات المدنية يفترض أن تكون مُستقِلة ولا تتأثر بسلطة أي قطاع حكومي".
واعتبر أن تبعية تلك المنظمات للحكومة يعني ضمنًا أن المنظمة أصبحت حكومية، وقال: "يفترض أن تكون هناك مؤسسة تشريعية خارج سلطة الحكومة هي من يمنح الإذن بمزاولة النشاط المدني".
وعن التواصل مع مؤسسات الدولة قال الأمير: "بالطبع لازلنا على تواصل مستمر، حتى أننا كنا في اجتماع خلال الأيام الماضية أُقِيم في طرابلس، وكان بحضور عدد من المنظمات والجمعيات التي تُعنى بالعمل المدني من المنطقة الشرقية؛ إذ أن مؤسسات المجتمع المدني جميعها تضع نُصب أعينها الوطن وبعيدًا عن كل التجاذبات السياسية".
أما الصادق الحراري رئيس جمعية "وقل اعملوا"، فقال، إنه "لمؤسسات المجتمع المدني في ليبيا دور كبير باعتبارها إحدى الركائز الأساسية بالمجتمع، وبإمكان مؤسسات المجتمع المدني معالجة العديد من المشاكل التي لا يمكن حلها من قبل مؤسسات الدولة، فهي تعتبر رافدًا قويًّا لمؤسسات الدولة في تنفيد برامجها، ولكن للأسف لم توظف هذه المؤسسات التوظيف الصحيح".
واعتبر أن مؤسسات الدولة لا تتعاطى مع مؤسسات المجتمع المدني بالشكل المطلوب، مما يؤدي إلى وجود هوة بين الجانبين، وقال، إن "المسؤولين الحكوميين لم يعوا تمامًا الدور الذي تقوم به هذه المؤسسات".
وقال: "هناك تواصل مع كافة مؤسسات المجتمع المدني سواء في المنطقة الشرقية أو الجنوبية أو التشاور في العديد من البرامج التي تخدم المجتمع ونقوم بتنفيذها معًا، كذلك التواصل للمساعدة في حل بعض المشاكل التي قد تواجه بعض منا".
من جهته، قال خالد محمد بن عيسى رئيس منظمة: "ليبيا للعدالة والخير" الحقوقية أن أي مؤسسة أو نقابة أو منظمة أو جمعية خيرية من مؤسسات المجتمع المدني لها دور وهدف تسعى لتحقيقه يكون ضمن نظامها الأساسي الذي رخصت لأجل مزاولته، فكل منظمة ترسم سياستها بنفسها وهذا يعطيها فرصة أكثر للعمل بشكل مُستقل ودون التأثر بقطاعات أو مؤسسات أخرى".
وأضاف بن عيسى أن "أبرز الصعوبات التي تواجه عمل مؤسسات المجتمع المدني في ليبيا هي ثقافة المجتمع الليبي حيث أن الليبين لا يعُون تمامًا دور هذه المؤسسات وثقافة التعاطي معها، كذلك عدم وجود دستور للبلاد وقوانين تنظم هذا العمل يخلق دائمًا عراقيل قانونية تعيق عمل هذه المؤسسات".
وأوضح أن القوانين الحالية تعتبر اجتهادات من وزارة الثقافة والإعلام وُضِعت على استحياء كي لا تعيق المتحمسين للعمل ضمن هذه المؤسسات ولكنها غير مقننة و مدروسة.
وقال بن عيسى: "كان هناك تواصل كبير خلال سنتي 2012 و 2013 بين مؤسسات المنطقة الغربية ومؤسسات المنطقة الشرقية، وخاصة بين المؤسسات متشابهة النشاط، ولكن بسبب الوضع السياسي والأمني الذي تعيشه البلاد في هذه المرحلة قل هذا التواصل بيننا".
تحديات كبيرة تواجه عمل مؤسسات المجتمع المدني الليبي، فهل تستطيع هذه المؤسسات الغلب على هذه المصاعب والعراقيل لتتمكن من ممارسة نشاطها وسط كل هذا الخضم الذي جعل البلاد تعيش حالة من الجدل السياسي، والتزعزع الأمني الذي أعاق حتى المؤسسات الحكومية من ممارسة مهامها بشكل طبيعي.