طهران تعتبر سوريا المحافظة الإيرانية رقم 35 وتشارك في قتال المعارضة السورية بجانب جيش الأسد وتعرقل الحل السياسي للأزمة السورية.
منذ إعلان المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران علي خامنئي، في سبتمبر/ أيلول 2011، ما أسماه "الجهاد" لصالح نظام بشار الأسد في سوريا، تقدم إيران دعمًا كبيرًا للحكومة السورية في مواجهة المعارضة المسلحة، إذ تعتبر في بقاء الحكومة السورية ضمانًا لمصالحها الإقليمية.
وتسهم المشاركة الإيرانية بقوة إلى جانب النظام السوري في إطالة عمر الأزمة وعرقلة الوصول لحل سياسي في سوريا، والذي تدعي أنها شديدة الحرص على التسوية السياسية للأزمة السورية.
ورغم النفي الإيراني حول المشاركة الفاعلة في المعارك بسوريا ضد التنظيمات المتشددة وسائر فئات المعارضة السورية المسلحة، وتأكيد طهران أنها ترسل فقط مستشارين وترشد القوات المقاتلة، إلا أن الحقائق في الواقع تشير إلى غير ذلك.
ففي الأشهر الأخيرة، تقود إيران معركة برية واسعة في سوريا بهدف استعادة مواقع مهمة فقد النظام السوري سيطرته عليها لصالح المعارضة المسلحة، لكن تقارير إعلامية إيرانية حول وصول مئات الجنود الإيرانيين إلى سوريا، قبل أسبوع من بداية المعركة، ثم إعلان عن سقوط ضباط وجنود من الحرس الثوري تلقي الضوء على دور إيران المتنامي في الحرب الأهلية في سوريا.
وتقاتل إلى جانب قوات الحرس الثوري الإيراني في سوريا، بحسب وسائل إعلام إيرانية، قوى ثانوية، ومتطوعين، إلى جانب عناصر الميليشيات الشيعية العراقية، الأفغانية والباكستانية، المدعومة من قبل قوات فيلق القدس التابعة للحرس الثوري.
وتُدعى هذه المجموعة في الإعلام الإيراني "مدافعان حرم"، أي "المدافعون عن الأماكن المقدسة"، على الرغم أنهم يُقتلون في مدينة حلب (شمال) وفي سائر نقاط القتال في سوريا، البعيدة عن المراقد الدينية، والذين يأتون بحجة الدفاع عنها.
ويقول مسؤولون في الحرس الثوري، إن أهم مساهمة لهم في دعم النظام السوري، هي تشكيل قوات الدفاع الوطني شبه العسكرية، والتي يشرف على تمويلها -بحسب قائد قوات الباسيج شبه العسكرية الإيرانية- الجنرال حسين حمداني والذي لقي حتفه مؤخرًا إلى جانب أربعة من كبار ضباط الحرس الثوري خلال معارك مع الثوار في ريف حلب.
وكان الجنرال الحمداني أعلنه بنفسه، في نيسان/ مايو 2015، أن إيران دربت 70 ألف مقاتل، شكلت بهم 128 فوجًا، مؤكدًا أن 130 ألف من ميليشيا الباسيج رجالًا ونساءً "مستعدون للذهاب إلى سوريا إذا تطلب الأمر ذلك" بحسب قوله.
وفي الوقت الذي تتضارب فيه الأرقام بشأن عدد المقاتلين الإيرانيين في سوريا، فإن عدة مصادر أمريكية تشير إلى وجود مئات من المقاتلين، بينما تتحدث مصادر أخرى عن الآلاف.
من جهته أعلن قائد الحرس الثوري الإيراني، محمد علي الجعفري، في نيسان/ مايو 2015، أن إيران شكلت 100 ألف من القوات الشعبية المسلحة المؤيدة للنظام السوري وللثورة الإسلامية الإيرانية ضد المعارضة السورية، وذلك في إطار "جبهة المقاومة"، حسب زعمه.
وفي يونيو/ حزيران 2015، أوردت وكالة الأنباء الرسمية إيرنا، أن 400 إيراني وأفغاني مقيم في إيران، على الأقل، كانوا "متطوعين" في سوريا، قتلوا في الأربعة أعوام الماضية.
ولعل وصفهم "بالمتطوعين" هو محاولة لنفي مشاركة جنود إيرانيين نظاميين في القتال بسوريا، مثلما يوصف ضباط الحرس الثوري، المقتولين في سوريا بأنهم "متقاعدون" أو ضباط "سابقون".
كما كان رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى الإيراني، علاء الدين بروجردي، قد صرَّح في دمشق، في أواخر أكتوبر/ تشرين الأول 2015، بأن إيران مستعدة لإرسال قواتها إلى سوريا، إذا طلبت منها حكومة الرئيس بشار الأسد، ذلك.
ولعل ما أعلن عنه بشار الأسد مؤخرًا، عن أن هناك تناقصًا مستمرًّا في عدد قوات الجيش السوري، هو ما أعطى النفوذ الإيراني مزيدًا من التغلغل في الأراضي السورية من خلال تدريب وتجهيز الكوادر الجديدة للجيش السوري، بل وإمداده بقوات من الحرس الثوري، لا سيما في ظل تقهقر قوات النظام، ومعاناتها من خسائر على كل المستويات والأصعدة.
تلك المسألة لا تحتاج إلى دليل أو برهان، خاصة أن إيران لم تُخفِ دعمها غير المحدود للنظام السوري من خلال المساعدات العسكرية المباشرة أو من خلال مساعدة الميليشيات الموالية للحكومة التي تولت مهمة القتال بالنيابة عن الجيش السوري وبقيادة وتوجيه من قوات الحرس الثوري.
كما أن التدخل الإيراني في سوريا تغلغل بشكل -لافت للنظر- في الجوانب الاقتصادية أيضًا، حيث قامت إيران بتقديم مساعدات ومنح وقروض للاقتصاد السوري خاصة في المناطق التي يسيطر عليها النظام الحاكم.
وعليه فإنه من غير المستغرب أن تعلن وسائل إعلام إيرانية في أوائل سبتمبر/ أيلول الفائت، عن وصول دفعات جديدة من قوات الحرس الثوري الإيراني من خلال بثها شريطًا مصورًا لعرض عسكري لتلك للقوات الوافدة دون تحديد لمكان العرض.
وإنه ليس غريبًا أيضًا أن تقوم منظمات إعلامية تابعة للنظام السوري الحاكم في تنظيم فاعليات في المناطق الخاضعة للنظام من ريف دمشق تحت عنون "شكرًا إيران".
ومنذ ذلك الحين، وتزامنًا مع تدخل روسيا نهاية سبتمبر/ أيلول الماضي، تجاوزت الحصيلة المعلنة لقتلى القوات الإيرانية المقاتلة في سوريا، سبعين قتيلًا حتى الآن.
وعلى الرغم من ذلك فإن طهران مصممة على مواصلة حرب تعتبرها مشروعة على الأراضي السورية الحليفة لإيران منذ الثورة الإيرانية عام 1979، والتي توفر الطريق الاستراتيجي لحزب الله في لبنان، وهي "المحافظة الإيرانية رقم 35" بحسب قول بعض القادة الإيرانيين.
ويحفل تاريخ إيران الحديث، بالانتهاكات السافرة في شؤون الدول العربية، باعتبارها الراعية الأولى للإرهاب في المنطقة، إذ تتسلل أيادي إيران الخفية لزعزعة استقرار المنطقة، يما يتناسب مع مصالحها وأطماعها الإقليمية.
ومما لاشك فيه، أن ما آلت إليه تطورات الربيع العربي أسفرت عن ظهور معادلة جديدة في العلاقات العربية-الإيرانية، حيث أضحت إيران تمثل لاعبًا خطرًا في خريطة التوازنات الإقليمية.
ولذا لم يكن غريبًا سعي إيران لفرض المخطط الشيعي الصفوي في المنطقة العربية؛ حيث نجحت في إيجاد بيئات خصبة لمدها الصفوي في بعض الدول العربية، من خلال دعمها للميليشيات المسلحة بالمال والسلاح، ومن ثم تحولت دول عربية إلى ساحات حرب، أصبح للطرف الشيعي فيها وجود مؤثر في كل من اليمن وسوريا والعراق ولبنان.
aXA6IDMuMTQ1LjkxLjExMSA= جزيرة ام اند امز