40 عاماً للوصول إلى سلاح اغتيال تروتسكي.. القصة كاملة
طوال الوقت الذي استغرقه التحقيق، كان يؤرق مؤرخ التجسس في "سي آي إيه" سؤال: "لماذا اختار القاتل فأساً لتكسير الجليد لإنجاز مهمته؟".
احتاج مؤرخ التجسس في وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية "سي آي إيه"، كيث ملتون إلى 4 عقود للحصول على الفأس التي استخدمها الشيوعي الإسباني رامون ميركادير في 20 أغسطس/آب 1940 لاغتيال الثوري الروسي ليون تروتسكي بأمر من الزعيم السوفيتي جوزف ستالين.
كما نجح ملتون في التوصل إلى معرفة سبب تنفيذ ميركادير جريمته بهذه الفأس التي تستخدم في تسلق الجبال والمعروضة اليوم في المتحف العالمي للتجسس في واشنطن، وفقاً لوكالة "فرانس برس".
جاب ملتون العالم لتكوين مجموعته وإقامة متحف التجسس، وبدأ في سبعينيات القرن الفائت رحلة البحث عن الفأس هذه التي اختفى أثرها بعد اغتيال تروتسكي "1875-1940".
وقال المؤرخ: "أحبّ التحقيقات على طريقة رجال التحرّي، لكنّ التحقيق للوصول إلى الفأس كان بالغ الصعوبة".
وطوال الوقت الذي استغرقه التحقيق، كان يؤرقه دائماً السؤال الآتي: "لماذا اختار القاتل فأساً لتكسير الجليد لإنجاز مهمته؟"، فإطلاق النار على تروتسكي كان خياراً أكثر سهولة، بعد إخفاق محاولات عدة من الاستخبارات الروسية (إن كي في دي) لاغتياله.
ولم يكن تروتسكي يغادر مقر إقامته في مكسيكو إطلاقاً، وكان يحوط المنزل عدد من الحراس المسلّحين.
لكنّ ميركادير نجح في اختراق الدائرة المحيطة بالثائر المنفيّ، إذ أصبح عشيق تروتسكية نيويوركية، منتحلاً صفة تغطّيه، ابتكرتها له الاستخبارات الروسية، وهي أنه شاب يساريّ الهوى، نجل دبلوماسي بلجيكي ثريّ.
من هنا، كان اغتيال تروتسكي بالرصاص احتمالاً ممكناً، لكنّ صوت إطلاق النار كان ليعقّد فرار ميركادير.
وإضافة إلى ذلك، بادر تروتسكي قبل أسابيع من الاغتيال إلى تركيب بوابة كهربائية يحرسها مرافقوه -على ما يروي ملتون- وبالتالي، كان يُفترَض بميركادير أن يقتل تروتسكي من دون إحداث صوت، وأن يموت الأخير من فوره لكي يتمكن القاتل من مغادرة المكان من دون إثارة الشكوك.
سهولة الاستخدام
وأوضح ميركادير لاحقاً للشرطة أن لديه "سهولة في استخدام فأس لكسر الجليد". وقال "بضربتين من الفأس يمكنني أن أكسر كتلة جليدية ضخمة".
ولكن من أين يأتي رامون بفأس كهذه في مكسيكو؟، ما كان منه إلاّ أن سرق تلك التي كان يملكها نجل مالك مسكنه، ويوم الجريمة، خبّأ الفأس تحت معطفه، إضافة إلى مسدس وخنجر.
لكنّ الأمور لم تجر كما كان مخططاً لها، فالفأس اخترقت جمجمة تروتسكي بعمق 70 ميلمتراً، لكنه لم يفارق الحياة فوراً، بل صرخ وقاوم فهرع الحراس وقُبض على ميركادير، وأسلم تروتسكي الروح في المستشفى غداة الجريمة.
أما الفأس، فاختفى أثرها بعدما عرضت علناً خلال مؤتمر صحفي للشرطة، وخلال عملية البحث، اطلع ملتون على عدد كبير من الفؤوس الجليدية التي قيل له إنها سلاح الجريمة المنشود، أحدها في متحف بمدينة براغ.
لكنّ أيّاً من هذه الفؤوس لم يكن من طراز أو نوع الفأس التي استخدمها ميركادير، وهي بلجيكية المنشأ من إنتاج شركة "فيركغن فولبمس".
وبعد طول بحث وانتظار، حصل ملتون على ضالته عام 2005، عندما أقرّت آنا أليشا سالاس، وهي ابنة ضابط شرطة مكسيكي سابق، بأنها أخفت الفأس طوال سنوات تحت سريرها.
وكانت الفأس التي أبرزتها مطابقة لمواصفات فأس ميركادير، فاشتراها منها كيث ملتون لقاء ثمن لم يشأ الإفصاح عنه، وضمّها إلى مجموعته.
وتوخياً لمزيد من التحقق، تمكن المؤرخ من الحصول على دليل أخير، بمساعدة طبيب شرعي من وكالة الاستخبارات الأمريكية، إذ حصل على البصمات المختلطة بالدم التي تركها ميركادير على أداة الاغتيال، من خلال صور التقطتها الشرطة عام 1940.
ويروي ملتون: "لقد لاحظنا أن آثار البصمة لا تزال موجودة على الفأس، وأن خطوطها مطابقة تماماً للبصمة الموجودة على الصورة".