الكاتب أحمد إبراهيم الشريف لـ «العين»: التجريب هو أصل كتابتي
روايته «موسم الكبك» مرشحة لجائزة ساويرس للإبداع الروائي
منذ صدرت روايته الأولى «موسم الكبك» وبدا أن المشهد الروائي في مصر بصدد استقبال صوت سردي ذكي وحساس.
منذ صدرت روايته الأولى «موسم الكبك» وبدا أن المشهد الروائي في مصر بصدد استقبال صوت سردي ذكي وحساس، يذكر فورا بأنه تنويعة عصرية من أصالة كاتب الصعيد الموهوب يحيى الطاهر عبد الله (أو مشعوذ القصة الأخضر)، مع مسحة معتبرة من تجريب الروائي الراحل محمد ناجي المفتخر... أحمد إبراهيم الشريف روائي شاب، يعمل بالصحافة ويمارس النقد الأدبي ويكتب مقالا يوميا في الجريدة التي يعمل بها، وهو قارئ نهم ومتابع دؤوب لإبداعات كتاب جيله، وصلت روايته «موسم الكبك» إلى القائمة القصيرة المرشحة لجوائز ساويرس للإبداع الأدبي (في الرواية والقصة القصيرة)، في هذه الرواية استغل الروائي حادثة اقتحام مركب سياحي لشباك الصيادين البسطاء في قرية نيلية بائسة، ثم مصرع أحد السياح برصاصة مجهولة، لكي يقدم لنا خريطة كاملة تضم شخصيات متنوعة جرى اعتقالهم وتعذيبهم لكي يعترفوا باسم من أطلق النار عشوائيا من أجل حماية "الكبك" أي شباك الصيد.
إنها رواية لافتة بعالمها المحلي شديد الخصوصية ولغتها الغنية ووفرة مستوياتها الدلالية، أيضا هذا التكنيك البارع واللعب المتقن في البناء والسرد والإفراط في استخدام الهوامش التي تكاد (بل هي فعلا كذلك) تكون نصا موازيا أعطت للرواية فرادة، وفتحت المجال لمناقشات ممتعة وثرية حول الدور الذي تؤديه هذه الهوامش في خدمة النص من عدمه..
«العين» التقت الكاتب الشاب في حديث عن الروائي والرواية..
حالة من الرضا والترحيب الكبير نسبيا تلك التي لاقاها الإعلان عن القائمة القصيرة المرشحة لجوائز ساويرس للإبداع الأدبي هذا العام.. ما تعليقك أولا على هذه الحالة وكيف ترى اختلافها نوعيا عن القوائم القصيرة في الأعوام السابقة؟
جاءت القائمة القصيرة المرشحة لجائزة ساويرس في فرعي الرواية والقصة القصيرة مميزة ومحل إجماع ورضا بين قطاع عريض من الكتاب والمثقفين، بما يحسب للجنة القائمة على الاختيار، وتركت انطباعًا جيدًا لدى الجميع بأن هذه اللجنة من الواضح جدًّا أنها قرأت كُلَّ ما قُدم إليها واختارت ما رأته، من وجهة نظرها، يقدم شكلا مميزا في الكتابة، لذا فعندما تم إعلان القائمة القصيرة في الرواية والقصة القصيرة، سادت حالة من الرضا العام والشعور الإيجابي في صالح اللجنة، فالروايات التي تم اختيارها تحتوي كتابة مختلفة، كما تحتوي كما من التجريب والمراهنة على فنيات كتابية جيدة.
قَدّمتَ في روايتك «موسم الكَبَك» تجربة إنسانية فريدة، وراوحت بين الخيالي والواقعي، المعيش والأسطوري، حدثنا عن السياق الذي تخلقت فيه الرواية وخرجت بشكلها الذي رآه عليه القراء؟
رواية «موسم الكبك»، هي تجربة شبه شخصية، ليس بمعنى أنها حدثت بالفعل، لكن ظروفها حدثت، ففي بداية تسعينيات القرن الماضي، وكان "صيد الكبك" قائما لم ينقرض بعد، في هذه الفترة كانت جميع مراكب الشحن والمراكب السياحية ملتزمة بقوانين الصيد، وهي أنه من بعد أذان العصر تبدأ هذه المراكب في الرسو على جانب النيل الشرقي المأهول بالناس، في انتظار أن يبدأ "صيد الكبك" قبيل أذان المغرب بقليل، خاصة أن شبك الصيد المستخدم يقطع النيل بالعرض من الشرق إلى الغرب، كانت هذه المراكب تلتزم بالقوانين، لكن الطفل الذي في داخلي كان يسأل كل مساء، خاصة عندما يرى تبرم وغضب بعض العاملين على المراكب بسبب هذا التوقف الإجباري، كنت أتساءل: ماذا سيحدث لو مرت إحدى هذه السفن في قلب "شبك الكَبَك".
أما التجريب في الرواية والذي تمثل في أكثر من جزئية؛ الأولى تتعلق في أن كل فصل هو حكاية عن إحدى الشخصيات، ثم علاقتها بالحادثة الرئيسية، وربما يلاحظ البعض أن العلاقات بين الشخصيات كانت قليلة جدا وقائمة على المشاعر أكثر منها على التفاعل، إنه الحب أو الكره أو التجاهل، والجانب الثاني في "التجريب" تمثل في الهامش والمتن.
والتجريب عندي هو أصل الكتابة، لأن هناك فرقا شاسعا بين الحكاية والرواية، والتجريب الذي لا يصل لدرجة الإغلاق ضروري، لأن الصياغة تتجاوز فكرة الشكل وتصبح طريقة في التفكير، والكاتب الذي يسعى للتجريب يكون لديه شيء يريد أن يقوله بشكل مختلف، كل ما فعلته في التجريب فرضه النص، وربما هو محاولة للخروج من الواقعية الصرفة؛ لأن القارئ الذي سيجد في روايةٍ ما نقلا "تسجيليا" لمجتمع هو يعرفه لن يهتم كثيرا بالقراءة، لذا على الكاتب أن يتعامل مع النص بصفته قارئا ويفكر كيف أجعلني أقرأ هذا الكتاب.. وأنا أراهن دائما على اللغة وعلى ما أسميه "شجنية الكتابة" ليس بقصد إثارة مشاعر القارئ بطريقة سهلة، لكن مشاركة العاطفة، كيف نربت معا على قلوبنا، ويأتي ذلك عن طريق معاملة اللغة كأنها كائن حي، وكذلك معاملة الجمادات على أساس كونها كائنا حيا أيضا، لذا يشعر البعض بأن الرواية "واقعية"، بينما يراها الآخر "واقعية سحرية".
البعض علّق على كثرة الهوامش الملحقة بالنص.. وجهة نظر تمثلت في أنها أثقلته وأعاقت إيقاع القراءة وانسيابيتها.. البعض قبلها وتحمس لوجودها.. بين وجهتي النظر ماذا أراد كاتبها؟
الاختلاف الذي حدث حول "الهامش" و"المتن" يحسب لصالح الرواية تمامًا، وهو بشقيه صحيح، البعض يرى أن الهوامش أثقلته، والبعض يرى أن الهوامش أضافت إليه، الشيء الوحيد الذي لا أتفق معه هو القول بأن الهامش يجب أن يكون له شكل واحد هو "التعريفي"، فعلى العكس الهامش في الرواية يأتي من منطقة خطرة تتمثل في كون شخصيات الرواية كانوا أناسًا يعيشون في الهامش حتى وقعت هذه "الحادثة" فخرجوا للمتن، السلطة عاملتهم بهذا الشكل، لذا هم خرجوا للمتن لكن إحساسهم بالهامش ظلَّ أساسيا في نفوسهم، لم يعرفوا كيف يتخلصون منه.
كيف استقبل النقاد الرواية؟ أو بعبارة أخرى كيف ترصد الأصداء النقدية حول الرواية، هل كانت المادة النقدية التي تراكمت حول «موسم الكبك» ملهمة لك بصورة أو أخرى.. وما أبرز ما لفت انتباهك في التحليلات التي قدمت؟
بصفتي أمارس النقد أعرف جيدا أن النقد وجهة نظر، وأن النص الجيد هو الذي تختلف فيه وجهات النظر، حتى لو وصلت لحد التناقض، و«موسم الكبك» تمت قراءتها ليس بالكثرة التي كنت أتمناها لكن بالوعي الذي كنت أرجوه، وقد انتبهت بعض القراءات للغة وانتبهت أخرى للرمز ووقف بعضها عند الشخصيات، وانشغل بعضها بالهامش والمتن، بينما رأى البعض فيها تشريحا مجتمعيا وصراعا طبقيا، وكل ذلك صحيح، الكتاب غير الجيد هو الذي يقرأ بشكل واحد ولا يأتي بطرح جديد حسب كل قارئ، حتى أن أهل القرية التي دارت الرواية في حدودها، فاجؤوني بقراءة مختلفة حيث بحثوا عن الشخصيات الحقيقية للرواية، وربطوا بين كل شخص وواحد من القرية ولم يهتموا بِقَسَمي لهم بأنني لم أكتب عن شخصية معينة أعرفها، لكنهم اعتبروا قولي "وجهة نظر" ولم يأخذوه كلاما نهائيا.
هل شرعت في كتابة رواية جديدة.. أم ما زلت عالقا في "شبك الكبك"؟
في الفترة الأخيرة "عالقٌ" "أنا" في مشروع عبارة عن رواية جديدة أعمل عليها، وقد أخذتني لمكان بعيد أحاول أن "أتلمس" موطئ قدمي بعد أن تورطت مع جميع شخصياتها الذين يطالبونني الآن بأن أكمل ما بدأته؛ لأنهم أصبحوا فى مراحل مختلفة من نموهم، ومطالب "وحدي" بأن أجد حلا لمشكلاتهم الملحة... الرواية الجديدة تبحث عن عالمٍ جديد، كى تمنح الإنسان وقتا يجلس فيه وحيدا يفكر، فالتأمل وحده القادر على جعلنا نعرف أنفسنا، وعندما نكون على حافة الأشياء نكون قادرين على صناعة أحداث روائية.
أخيرًا.. هل قرأت أيا من النصوص المرشحة معك، في القصة والرواية، وأيها استوقفك أو شعرت بأنه منافس حقيقي قد يقتنص الجائزة من بقية المنافسين؟
للأسف لم أقرأ سوى رواية طارق إمام «ضريح أبي»، وهي من وجهة نظري "رواية جميلة"، سأسعى لقراءة الأعمال الباقية، وكلها بالتأكيد يستحق التقدير.
aXA6IDE4LjIyNC41Ni4xMjcg جزيرة ام اند امز