الموازنة المصرية تستفيد من تراجع أسعار النفط
بدأت مصر تُحقق استفادة حقيقية من تراجع أسعار النفط، وتحديدًا على مستوى فاتورة واردات المُنتجات البترولية
وسط حالة التراجع الحاد التي تُخيم على أسعار النفط عالميًّا، وتسجيل برميل النفط أدنى مستوى له منذ 11 عام ليقترب من 30 دولارًا لمزيج برنت الخام، بدأت مصر تُحقق استفادة حقيقية من هذا التراجع، وتحديدًا على مستوى فاتورة واردات المُنتجات البترولية.
فبحسب تصريحات وزير البترول المصري طارق الملا، فإن فاتورة واردات البلاد من المواد البترولية انخفضت الآن إلى 400 مليون دولار شهريًّا من 650 مليون دولار بمعدل تراجع 38.5%، وفي المُقابل حافظت فاتورة استيراد الغاز الطبيعي على مستواها عند 250 مليون دولار شهريًّا.
وفي ظل التراجع الحاد الذي خيم على أسعار النفط الأيام القليلة الماضية، فإن مخصصات الدعم المرصودة للمواد البترولية بموازنة العام المالي الحالي 2015- 2016، ستنخفض بواقع 6 مليارات جنيه، لتُسجل 55 مليار بدلاً من 61 مليار جنيه.
ويأتي هذا التراجع المتوقع في ظل تقديرات الحكومة سعر برميل النفط في الموازنة المُعلنة بنحو 70 دولارًا، استناداً إلى توقعات مُعاودة الارتفاع، ولكن المؤشرات تمضي الآن في اتجاه مُعاكس.
هذه الأرقام تُشير بشكل عام إلى انتهاء عقود توريد المُنتجات النفطية المُبرمة قبل حدوث انخفاض شديد في الأسعار منتصف العام 2014، ودخول فاتورة الواردات البترولية مرحلة جديدة الآن.
والسؤال الأبرز الذي يفرض نفسه على الساحة الاقتصادية الآن، هو إلى درجة ستحقق الموازنة المصرية بشكل عام استفادة من هبوط أسعار النفط ؟ وتحديدًا بعد ارتفاع حدة التوتر السياسي السعودي الإيراني وتداعيات انخفاض سعر اليوان الصيني على الاقتصاد العالمي.
38.5% تراجعًا بمخصصات دعم المُنتجات البترولية
فيقول محمد أبو باشا، مُحلل الاقتصاد الكُلي بالمجموعة المالية هيرميس، لـ"العين"، إن تأثير تراجع أسعار النفط سيتركز في تراجع قيمة مُخصصات دعم المُنتجات البترولية، وهو ما يخدم سياسات الإصلاح الاقتصادي التي أعلنتها الدولة قبل عامين لخفض الدعم بشكل عام، ودعم الطاقة بوجه خاص للسيطرة على تفاقم عجز الموازنة.
وتعكس مقارنة مخصصات دعم المواد البترولية خلال العامين المالي الماضي والحالي تراجعًا حادًّا.
وبالنظر إلى مؤشرات موازنة العام المالي الحالي، فإن الدولة خفضت مخصصات دعم المواد البترولية بنسبة 45%، في ظل توقعات تسجيل الدعم 55 مليار جنيه هذا العام مُقابل 100.25 مليار جنيه في العام المالي الماضي.
انخفاض الأسعار لا يستوعب عجز الموازنة
ومع ذلك يُشير أبو باشا إلى أنه على الرغم من انخفاض فاتورة الواردات النفطية الشهرية بواقع 38.5%، ولكن سيكون تأثيرها محدودًا على تقليص عجز الموازنة للعام المالي 2015- 2016.
ويُفسر توقعات مُحدودية التأثير على عجز الموازنة، بوجود مؤشرات سلبية مُقابلة لانخفاض فاتورات الوادرات النفطية، أبرزها تراجع الصادرات النفطية المصرية، فضلاً عن هبوط الإيرادات والضرائب التي توردها الهيئة العامة للبترول إلى موازنة الدولة.
وفعليًّا رصدت أخر بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والأحصاء، تراجع صادرت مصر من البترول خلال شهر يونيو الماضي بنحو 40.7 % لتبلغ 378.1 مليون دولار مقابل 638 مليون دولار خلال شهر يونيو 2014.
ويوضح أبو باشا أن توقعات المجموعة المالية هيرميس لعجز الموازنة للعام المالي 2015- 2016 تدور حول 11.6%، وهي أعلى بفارق كبير عن تقديرات الحكومة البالغة 8.9% من الناتج المحلي الإجمالي، أي ما يُعادل 251 مليار جنيه.
وتقترب توقعات هيرميس من العجز المُسجل بالعام المالي الماضي بنحو 11.5% ما يوازي 279.4 مليار جنيه طبقًا لمؤشرات الحساب الختامي للموازنة.
ويُعزز هذا الرأي، المُحلل المالي محمد كامل الذي يُشير إلى أن الموازنة العامة تواجه ضغوطًا كبيرة ستُغطي على المردود الإيجابي لتراجع فاتورة الواردات النفطية، ولعل أبرز هذه الضغوط ارتفاع تكلفة خدمة الدين إلى مستويات غير مسبوقة.
ويوضح أن تكلفة خدمة الدين سترتفع في ضوء إصدار الحكومة خلال الأربعة أشهر الأولى من العام المالي الحالي أذون خزانة صافي قيمتها 117 مليار جنيه لمواجهة عجز الموازنة في ظل عدم استقبال دعم خارجي خلال هذه الفترة.
ويُضيف كامل أن التوسع في إصدار أذون الخزانة جاء قبل أن تعلن السعودية عن تقديم قرض بـ 3 مليار دولار، بخلاف الاتفاق على قروض بقيمة 3 مليار، و1.5 مليار دولار من البنك الدولي والبنك التنمية الإفريقي على التوالي.
ولعل المُقارنة بصافي إصدارات أذون الخزانة في الأعوام السابقة تعكس بالفعل تفاقم حجم الاصدارات الحالية، ومن ثم الفوائد المُترتبة عليها؛ إذ شهد العام المالي الماضي طروحات صافي قيمتها 223 مليار جنيه، مقابل 196 مليار جنيه في العام الأسبق، وذلك مقارنة بمتوسط 115 مليار جنيه خلال الفترة من 2011- 2013.
كما تُقدر الموازنة الفوائد المطلوب سدادها خلال العام المالي 2015 – 2016 بنحو 244 مليار جنيه من إجمالي الأقساط المُقرر سدادها بنحو 257.9 مليار جنيه، وذلك مُقارنة بفوائد قدرها 199 مليار جنيه في موازنة العام المالي الماضي بزيادة نسبتها 22.6%.
واعتبر كامل أن انهيار أسعار النفط يشكل من جانب آخر تحديًا للحكومة المصرية في جذب الاستثمارات المُستهدفة بقيمة 8.7 مليار دولار في أعمال الاستكشاف والتنقيب خلال العام المالي الحالي، بسبب انخفاض الجدوى الاستثمارية للشركات العالمية الآن.
وفي هذا الصدد، وقعت وزارة البترول أكثر من 60 اتفاقية مع الشركات العاملة في مجال البحث والتنقيب عن البترول خلال السنوات الثلاث الماضية، وتستهدف أن تُثمر هذه الاتفاقيات عن زيادة إنتاجها البالغ 700 ألف برميل نفط يوميًا، بهدف تقليل الاعتماد على الاستيراد في تأمين احتياجات البلاد النفطية، ومن ثم تقليص فاتورة دعم الطاقة.
تأثير إيجابي على عدد محدود من الصناعات
أما على صعيد مردود انخفاض أسعار النفط على الصناعات المصرية، فيقول الدكتور وليد جمال الدين عضو مجلس اتحاد الصناعات المصرية ورئيس شعبة صادرات مواد البناء لـ"العين"، إن أغلب الصناعات محرومة من الاستفادة من انهيار أسعار النفط عالميًّا بسبب فرض الحكومة أسعار إدارية لتوريد المُنتجات النفطية من الديزل والمازوت والغاز الطبيعي حسب كل صناعة.
وأكد جمال الدين أن اتحاد الصناعات طالب الحكومة أكثر من مرة بتحرير أسعار توريد المُنتجات البترولية والغاز الطبيعي، بحيث تواكب الأسعار العالمية، ومن ثم خفض دعم الطاقة وتخفيف الضغوط المُلقاة على عجز الموازنة.
بل أن عضو مجلس اتحاد الصناعات أشار إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج في الصناعات التي تعتمد على الغاز الطبيعي مثل الأسمدة بسبب ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الجنيه في ظل تقدير سعر توريد الغاز بالعملة الأمريكية.
فيما لفت جمال الدين إلى وجود بعض الصناعات المُستفيدة من انهيار أسعار النفط في ظل اعتمادها على المُشتقات البترولية التي تراجعت أسعارها مع انهيار أسعار النفط، مثل صناعة السجاد التي تستخدم مادة البولي بروبلين، وكذلك البويات التي تعتمد على المُذيبات، فضلاً عن اعتماد صناعة البلاستيك على مادة الإيثلين، واستفادة مُنتجات البتروكيماويات بشكل عام.
كما أكد انخفاض التكاليف بصناعة الأسمنت في مصر بعد أن بدأت في الاعتماد على الفحم كمصدر إضافي للطاقة، حيث أدى تراجع أسعار النفط إلى تراجع موازي لأسعار الفحم، وهو ما يُفسر هبوط أسعار بيع الأسمنت إلى 500- 520 جنيه للطن الآن مقابل 600 جنيه للطن في وقت سابق.