"التعزيم" والبورصات "الوهمية" تكبد الأردنيين ملايين الدولارات.. بسبب الطمع
100 ألف أردني سقطوا في فخ "البورصات الوهمية"، وخسروا 300 مليون دينار، أما "التعزيم" فكبد ضحاياه خسائر تقدر بـ28 مليون دينار لعام 2015.
يواجه المجتمع الأردني كل فترة موجة من المشاريع الوهمية، التي تلحق الضرر بأعداد كبيرة من المواطنين، ولا تستطيع الدولة استرداد الحقوق الضائعة إلا ضمن نسب محددة وفترات زمنية طويلة.
ويبقى التساؤل لماذا يقع المواطن بشكل متكرر في شباك النصب ويصبح ضحية لمثل هذه الشركات، رغم أن لديه وعيًا تامًّا بطبيعة هذه الشركات.
تستغرب "مها عبدالله" من طريقة تفكير زوجها، وعدم قدرتها على فهم تصرفاته، فهي طالما حذرته من هذه الشركات، خاصة أنه قبل سنوات أصبح ضحية لشركات البورصات الوهمية وخسر خمسة آلاف دينار، إلا أنه لم يتعلم من تجربته السابقة، وتوجه لشركة تمنح قروضًا شخصية بدون فوائد وتسهيلات مخيفة، ومع الوقت تبين أن هذه الشركة أيضًا وهمية وكاذبة وأخذت منه مبالغ تقدر بـ600 دينار بحجة المعاملات، ومن ثم اختفت!
تقول مها: "زوجي لا يتعلم من تجاربه، ويعتبر هذه الشركات وسيلة جيدة لجمع المال، بالمقابل خسرنا أموالاً كثيرة، وقضية البورصة في الأردن مست العديد من العائلات، ولم تسترد المحاكم إلا جزءًا قليلًا من الأموال التي سلبت، ولنا ما يقارب 4 سنوات ننتظر دورنا في الحصول على حصتنا من المال، أجد أن السبب الوحيد الذي يدفع زوجي للذهاب لمثل هذه الشركات هو حاجته الملحة للمال بمقدار كبير ليحقق غاياته".
يرفض زوج مها تدخلها في شؤونه المالية، فتقول: "تغيرت علاقتنا بعد قضية البورصة؛ لأنني أصبحت ألومه بشكل مستمر على عدم حذره وانتباهه، حتى أنه أخذ قرض من تلك الشركة الوهمية ولم يخبرني به، وعرفت من اخي عن هذا الأمر، أعترف أن حبه للمال دمرنا".
"الشخص لا يتعلم إلا من كيسه"
أما نبيل حمد فهو أحد ضحايا عمليات البيع الآجل أو ما يعرف محليًا بـ"التعزيم"، وهي عمليات نصب انتشرت كثيراً في جنوب الأردن، خاصة في منطقة البتراء ووادي موسى.
يقول نبيل: "أخبرني جاري أن هنالك تاجر سيارات سيشتري سيارتي بسعر ممتاز، يزيد عن سعر السيارة الحقيقي بكثير، فسيارتي سعرها بالسوق 6 آلاف دينار، والتاجر سيشتريها بـ 9 آلاف دينار، وشككت في الأمر وسألته ماذا سيستفيد التاجر! لكنه أقنعني أن هذا التاجر صادق وباعوا له سيارات عديدة، ولكن سيكون الدفع بشيكات بنكية مؤجلة".
يضيف نبيل: "بالفعل تحققت من مدى مصداقية التاجر بين الناس، والكل أخبروني أنه صادق، وأنهم ربحوا ببيع سياراتهم، وبعت سيارتي له ومنحني مجموعة من الشيكات، واستلمت أول دفعة، ولكن بعد فترة أخبرني البنك أنه لا يوجد رصيد لصرف الشيك بالرغم أن الشيك قد استحق، وعندما ذهبت لمكتب التاجر لم أجده ولم أستطع الاتصال به، وضجت الناس في المنطقة واعتصمت ولكن الحقوق ضاعت، التاجر باع عددًا من السيارات بسعرها الحقيقي وحصل على المبلغ الذي يريده وهرب".
يعترف نبيل أن المجتمع الأردني أصبح لديه وعي تام بوجود شركات نصب متعددة، تعمل على إغواء المواطن وتشجيعه، لكنه مع ذلك يتورط بها ليكتشف حقيقتها وبعد فترة ينسى هذه التجارب ويشارك بأمواله في الشركات الوهمية وعمليات النصب المختلفة، ويقول نبيل: "بيع سيارتي وخسارتي بها جعلني أنتبه كثيرًا لأي خطوة مقبلة، خاصة إنها عملية النصب الثانية التي أقع بها، نحن شعوب تثق بالكلام ونحبه، فمجرد أن نسمع من شخص أن هذا التاجر صادق نعتمد كلامه، ولا أنكر أن الأمن العام حذر كثيرًا بوسائل عديدة من عمليات النصب المنتشرة، ولكن كما يقول المثل: الشخص لا يتعلم إلا من كيسه، أي يجب أن يذوق مرار التجربة ليتعلم".
عدم الانسياق
المحامي إبراهيم الحنيطي يجد أن وقوع أفراد المجتمع في قضايا النصب بشكل متكرر لا يعكس إلا رغبة الشخص في جمع المال بشكل سريع، وعدم توخي الحذر في التأكد من الشركة وان كانت مصداقيتها عالية، يقول الحنيطي: "هناك نوعان من الشركات التي تمارس النصب، شركات مرخصة تمارس النصب على الناس بمشاريع وهمية، وشركات غير مرخصة، وليس لها وجود حقيقي تخدع الناس، وفي كلا الحالتين يجب أن يستفسر الناس عن هذه الشركات ومدى مصداقيتها".
المحامي إبراهيم الحنيطي :
يضيف الحنيطي: "مديرية الأمن العام تدعو المواطنين بشكل دائم الى عدم الانسياق وراء مثل هذه الأساليب الاحتيالية المضللة، سواء من خلال الصحف الدعائية أو القنوات الفضائية أو من خلال الأصدقاء والمعارف للحصول على تسهيلات وهمية لا أساس لها من الصحة وتنطوي على خداع".
يردف الحنيطي: "في حال حاجة الشخص إلى مبلغ من المال، من الأفضل أن يتجه إلى قروض البنوك والشركات المرخصة قانونًا لهذه الغاية، والاستعلام عن هذه الشركات لدى وزارة الصناعة والتجارة قبل إجراء أي معامله مالية، وتوجد دائرة لمراقبة الشركات، من خلال مؤسسة مستقلة ماليًّا وإداريًّا وتتبع وزير الصناعة والتجارة، وتهدف الدائرة إلى المشاركة الفاعلة في تعزيز الاستثمار وتطوير وتنفيذ أدوات رقابية على الشركات وتفعيل قواعد الحوكمة التي تعنى بأفضل ممارسات الحكومة الرشيدة، وضمن قيم الشفافية والعدل والانضباط والمحاسبة والمساءلة والمسؤولية".
خسائر فادحة
الأخصائية الاجتماعية رانيا الحاج علي تقول، إن ثمة أسباب لوقوع الناس بشكل متكرر، أولا: الطمع الذي يسيطر على عقلية الفرد في كافة المجتمعات نتيجة الحياة المادية التي نعيشها، ثانيًا: الاطمئنان الزائد عن حده والوثوق بالطرف الآخر نظرًا؛ لأننا مجتمعات عشائرية وأي شخص له عائلة وجذور ومنابت، ولكن التغيرات التي لحقت في عقلية الفرد جعلته يتغير بنسبة كبيرة، ولا يهتم إن كان الشخص الذي سينصب عليه ينتمي لعائلته ومعارفه.
وتضيف: "في السنوات الاخيرة مر المجتمع الأردني بقضايا نصب كبيرة، فقضية البورصات الوهمية أوقعت بـ100 ألف شخص كانوا يستثمرون بها نحو 300 مليون دينار، أما قضية التعزيم بالجنوب فقد الحقت بالمواطنين خسائر تقدر بـ28 مليون دينار لعام 2015 ، بحسب تصريحات محكمة أمن الدولة، وغيرها من إغلاق مؤسسات قروض تعمل بشكل وهمي حولت إلى القضاء، لا يخفى على المواطن كل هذه التفاصيل، ورغبته بأن يصبح غنيًّا في فترة قصيرة هي التي تدعوه للمغامرة".
aXA6IDMuMTUuMTIuOTUg
جزيرة ام اند امز