قلق الحكومة البريطانية إزاء المشكلة الحقيقية لسفر المواطنين البريطانيين للقتال في الشرق الأوسط، يجب أن يترجم إلى سياسة فعالة.
في ظل سفر أكثر من 300 مدني بريطاني للقتال في سوريا، وبلوغ التهديد الحالي مستوى خطيرًا، تدنو مشكلة "التطرف" من قمة الأجندة السياسية.. منذ عام 2010، زاد عدد الموظفين 15٪ في أجهزة الأمن البريطانية، "إم آي 5" (جهاز الاستخبارات الداخلية البريطانية)، "إم آي 5" (جهاز الاستخبارات الخارجية البريطاني)، "جي سي إتش كيو" (مكاتب الاتصالات الحكومية البريطانية)... علاوة على ذلك، أصبح برنامج "بريفنت" (جزء من استراتيجية مكافحة الإرهاب الشاملة) المثير للجدل، الآن قانونًا يجعل صرف انتباه الشعب بعيدًا عن الإرهاب أو التطرف، واجبًا قانونيًّا للهيئات العامة.
أصبح الصراع في سوريا سببًا للحشد بالنسبة لعدد قليل من الأشخاص في بريطانيا، وثمة نقاش حي للغاية بشأن ما إذا كان رد فعل الحكومة من شأنه أن يؤدي إلى تفاقم المشكلة.
ولقد شعر الآباء في مدرسة "بوكستون" (النموذجية، بالعاصمة البريطانية لندن)، بصدمة حقيقية العام الماضي، عندما اكتشفوا أن أطفالهم يتلقون استبيانات حول التطرف، توزع في إطار برنامج منطقة والتهام فورست الإدارية، "بناء القدرة على التكيف من خلال التكامل والثقة" (بريت).
السلطات المحلية في بريطانيا -إلى جانب المدارس، والصحة، ونظام العقوبات وغيرها- كلها الآن لديها واجب قانوني، لمنع الناس من الانجذاب إلى الإرهاب، وما حدث في مدرسة بوكستون قد يكون بداية لاتجاه أوسع.
في الواقع، خلال مؤتمر في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، أعلن مارك سيدويل الأمين العام الدائم لوزارة الداخلية البريطانية لشؤون الهجرة والأمن: "نحن لا نهدف فقط لمعالجة الأعراض، ولكن أيضا الأسباب الجذرية للإرهاب... لذلك، فإن مليوني موظف حكومي، يعملون في الآلاف من الهيئات العامة بالمملكة المتحدة، لديهم الآن واجب قانوني، يستهدف منع الناس من الانجذاب إلى الإرهاب والتطرف".
قلق الحكومة البريطانية إزاء المشكلة الحقيقية لسفر المواطنين البريطانيين للقتال في الشرق الأوسط، يجب أن يترجم إلى سياسة فعالة، تمكن المجتمعات المحلية من أن تمنع ذلك تمامًا، بدلا من ترخيص آليات مراقبة تدخلية، من المرجح أن تقسم وتسبب التطرف.
وهذا يتطلب ليس فقط نقل المسؤوليات القانونية إلى السلطات المحلية، ولكن أيضا الثقة والموارد لتكون قادرة على فعل أشياء ملائمة للمجتمعات المحلية.
حجم التحدي جلي... أكثر من نصف دول العالم تنتج حاليا مقاتلين متطرفين لجماعات مثل تنظيم القاعدة وداعش، وفقا للأمم المتحدة... ويعتقد أن أكثر من 700 متطرف بريطاني قد سافروا إلى سوريا، يعود نصفهم تقريبا إلى المملكة المتحدة لاحقا.
وقد قيل إنه فيما يتعلق بالأمن القومي، لم يعد هناك تمييز بين المحلي والدولي، ولا يجب أن يكون هناك بين الحكومة المركزية والمحلية، عندما يتعلق الأمر بسبل الاستجابة لهذا الخطر... وزيرة الداخلية البريطانية، تيريزا ماي، قالت إنها تريد أن "تجمع الناس معا لضمان أننا نعيش معا في مجتمع واحد"، ولكن هناك خطًّا رفيعًا بين أدوات محددة تعطى للمجتمعات المحلية لحمايتها، مقابل الصلاحيات التي تمارسها الدولة، التي يبدو وكأنها تستهدف قطاعات معينة من المجتمع.
الوسائل التقليدية للمشاركة -لا سيما تلك التي تشهد سيطرة الزعماء الدينيين بطريقة أو بأخرى على جماعتهم- تفتقر إلى الطبيعة الشخصية للغاية وللطريقة التي يتم بها إعداد وتجنيد الشباب بشكل خاص على يد داعش، في (منطقة) برنت، نبحث لضمان أننا أسسنا المنتديات الصحيحة للحوار والنقاش لضمان الملكية المحلية الحقيقية لهذه القضية.
ينبغي علينا أيضًا، أن نتعلم من الطريقة التي تناولت بها الدول الأخرى هذه المشكلة، في تونس تبنت الدولة المركزية نهجًا أكثر نشاطا بكثير مع نتائج مختلطة... لقد تحدثت مع الدكتور رفيق عبد السلام وزير الخارجية التونسي السابق، الذي يرأس حاليا دائرة العلاقات الخارجية لحزب النهضة، حول الطريقة التي تعاملوا بها مع المشكلة.
وأوضح الدكتور عبد السلام، كيف أن 98٪ من المساجد تحت "سيطرة الدولة"، والأئمة المتطرفين "غير مرحب بهم"، ورغم ذلك، في حين أدى هذا النهج الأكثر نشاطا لتحسينات محلية، يسافر التونسيون أكثر من أي جنسية أخرى للقتال في الشرق الأوسط، ويبدو أن الدرس، هو أنه إذا ضيقت الخناق على المساحة العامة، تدفع الناس للعمل سرا، وخارج نطاق الشبكات، إلى المنطقة تماما حيث ينتظر مجندو داعش.
في غُضُون ذلك، هناك معدلات متزايدة من التعصب والعنف ضد المسلمين في بريطانيا، فتح الحواجز بين المجتمعات هو ما يجب علينا بدلا من أن تنهار... داعش يدفع رواية "صراع الحضارات" على أساس الشرعية الموجودة في الدين... السلطات، وبالأحرى المجتمعات، في المملكة المتحدة، تواجه التحدي المزدوج لمنع الأشخاص المستضعفين من أن "يتطرفوا" عبر تجنيد أو رسائل داعش، بينما تتجنب خلق حالة من العزل، والريبة والشك في أوساط الشعب.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة