كثيرون يخافون من ذكرى ٢٥ يناير بعد أيام قليلة، ويعتقدون أن أنهارا من الدماء سوف تسيل، وحشودا بالملايين قد تتدفق إلى الشوارع والميادين
كثيرون يخافون من ذكرى ٢٥ يناير بعد أيام قليلة، ويعتقدون أن أنهارا من الدماء سوف تسيل، وحشودا بالملايين قد تتدفق إلى الشوارع والميادين.
من حق أجهزة الأمن المختلفة أن تتوجس وتتحسب تمامًا حتى لا تتفاجأ. ومن حق جماعة الإخوان أن تحلم بنزول الملايين.
لكن من حقنا نحن أيضا معشر الشعب أن نقول إن غالبية المؤشرات والدلائل والوقائع تشير إلى أن يوم ٢٥ يناير سيمر بصورة شبه طبيعية.
قد تحدث مظاهرة هنا أو هناك، قد يتمكن بعض الإرهابيين من تنفيذ عملية فى سيناء أو وضع عبوة على قضبان السكة الحديد فى الجيزة أو الشرقية أو الفيوم، أو اغتيال ضابط أو جندى. لكن هناك ما يشبه الإجماع بين المراقبين والمتابعين أن اليوم سيمر كما مر غيره من دون تهديدات جدية.
السبب الجوهرى هو أن قدرة المعارضة خصوصا جماعة الإخوان على الحشد والتنظيم قد تعرضت لضربات موجعة. غالبية القيادات والكوادر إما فى السجن أو المنافى أو مطاردون أو حتى يتابعون أحوال زملائهم وأقاربهم فى السجون، ثم إن الجماعة نفسها تعانى من انقسامات علنية غير مسبوقة طبقا لما نقرؤه من متابعات هنا وهناك.
إذا هناك الكثير من المبالغات فيما يتعلق بالمخاوف من ٢٥ يناير. مرة أخرى نفهم قلق أجهزة الأمن وخوفها الدائم من تكرار سيناريو يوم ٢٨ يناير ٢٠١١، ونفهم رغبة قيادة جماعة الإخوان فى بث آمال كاذبة فى نفوس أعضائها وأنصارها بأنها لاتزال قوية وقادرة على الحشد ومناكفة الحكومة، لأن اعترافها بعجزها يعنى ما يشبه نهايتها.
إذا صح ما سبق، فهل يعنى مرور يوم ٢٥ يناير مرور الكرام أو العبور إلى يوم ٢٦ يناير من دون حدوث قلاقل أن المشكلة انتهت؟
الإجابة هى: لا.. والأهم من ذلك أن من يتأمل جوهر الواقع سيدرك أن جماعة الإخوان لم تعد فعلا تمثل تهديدا خطيرا للحكومة.
هى صارت مكروهة شعبيا بصورة لم يتخيلها أحد. ورغم كل أخطاء وكوارث حكومات ما بعد ٣٠ يونيه ٢٠١٣ فمازالت صورة الجماعة لدى الكثيرين غاية فى السلبية.
وحتى التهديد الإرهابى المباشر المتمثل فى الجماعات التكفيرية المسلحة التى تنشط فى سيناء، آخذ فى التراجع بعد أن تلقى هو الآخر ضربات قاتلة من القوات المسلحة والشرطة المصرية أخيرا.
التهديد الحقيقى الذى يواجه المجتمع المصرى هو التحديات الاجتماعية والاقتصادية غير المسبوقة مثل الفقر والمرض وتردى التعليم وسوء الخدمات وانهيار الجهاز الإدارى المترهل فى الدولة وندرة الكفاءات.. إنهم الأعداء الحقيقيون لمصر، وكل ما عداهم تهديدات فرعية هامشية مؤقتة.
بعبارة أخرى فإن الخطر سوف يستمر بعد ٢٥ يناير مادامت الحكومة لم تتمكن من بلورة سياسات قومية فعلية تعالج الأمراض المتوطنة فى المجتمع فى جميع المجالات.
جماعة الإخوان وغيرها من قوى العنف والإرهاب ستجد مناخا مواتيا فى المجتمع إذا استمر التردى والترهل والأداء الحكومى بنفس الوتيرة الحالية، حتى لو تعرضت للمزيد من الضربات.
وبالتالى إذا أرادت الحكومة وكل أجهزة أمنها أن تقضى على كل المخاوف فعليها أن تجرب الروشتة الحقيقية وتتجرع الدواء المر بديلا للمسكنات.
هذا الدواء المر هو الانفتاح على كل قوى المجتمع الحية التى تؤمن بالقانون والدستور والدولة المدنية، وأن تكون هناك استراتيجية شاملة لمقاومة الفساد، وأن تطبق القانون على الجميع، وأن تستثمر فى التعليم والصحة وسائر الخدمات الرئيسية، وأن يصل لغالبية الناس أن هناك أملا فى الغد.
هذا هو المدخل الفعلى للإصلاح، ومن غير ذلك فالخطر سيكون موجودا طوال الوقت، إن لم يكن فى ٢٥ يناير فقد يكون فى ٢٦ فبراير أو 27 مارس أو ٢٨ إبريل.. وهلم جرا!!!!.
*ينشر هذا المقال بالتزامن في جريدة الشروق المصرية وبوابة العين الالكترونية
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة