الإمارات تطوي صفحة النفط وتفتح عهدًا جديدًا للاقتصاد المعرفي
عقد خلوة وزارية جديدة خطوة مهمة على طريق تعزيز الجهود المبذولة لتقليص الاعتماد الإماراتي على النفط، وبناء اقتصاد يرتكز إلى الإبداع
جددت الإمارات عزمها التخلي عن الاعتماد على النفط تدريجيًّا وتهيئة اقتصادها لعصر ما بعد النفط، حيث مضت قدمًا في خططها الطموحة لإحداث التحول المنشود، وحققت جهودها نجاحًا كبيرًا توج بتعزيز حصة القطاعات غير النفطية في الناتج المحلي الإجمالي إلى قرابة 70 %، وبروز مكانة الدولة كمركز دولي متنامي الأهمية للتجارة والسياحة والأعمال والخدمات.
ويعد إعلان الشيخ محمد بن راشد عن عقد خلوة وزارية جديدة للوزراء والمسؤولين في الحكومة الاتحادية والمحلية وعدد من الاقتصاديين والمختصين خلال شهر يناير/ كانون الثاني خطوة مهمة على طريق تعزيز الجهود المبذولة لتقليص الاعتماد على النفط، وبناء اقتصاد يتسم بقدر كبير من التنوع والحيوية، يرتكز إلى الإبداع والابتكار.
وحدد الشيخ محمد بن راشد عبر تغريدة له على تويتر معالم الطريق لضمان استمرار نمو وازدهار ورخاء دولة الإمارات، حيث أكد على الحاجة إلى تطوير قطاعات اقتصادية جديدة، وتعزيز كفاءة وفعالية القطاعات القائمة، بالتزامن مع بناء أجيال قادرة على قيادة اقتصاد وطني يتسم بالاستدامة والتوازن .
وذلك حرصًا منه على ترسيخ الترابط الوثيق بين تحقيق الرخاء والازدهار للوطن والمواطن، فكل ما تفعله الحكومة موجه لتحقيق التنمية المستديمة، وضمان مستقبل مشرق للأجيال المقبلة.
وقال رئيس مجلس إدارة غرفة تجارة وصناعة الفجيرة الأستاذ خليفة خميس مطر الكعبي في تصريح خاص لبوابة العين الإخبارية: إن إعلان الشيخ محمد بن راشد عن عقد خلوة وزارية موسعة بمشاركة مسؤولين من الحكومات المحلية وخبراء الاقتصاد لمناقشة اقتصاد الإمارات ما بعد النفط يشكل استجابة نوعية لتعزيز قدرة اقتصاد الإمارات على تحقيق نمو مستدام، وتقليص تأثره بالتقلبات الحادة في أسواق النفط.
وقال الكعبي، إنه على الرغم من أن دولة الإمارات تعد من أقل الدول النفطية تأثرًا بتداعيات تدهور أسعار النفط، فإن دعوة الشيخ لخلوة مخصصة لمناقشة مرحلة ما بعد النفط، تجسد بعد نظر الشيخ وإيمانه بضرورة تحقيق نمو مستدام للبناء على الإنجازات الضخمة التي حققتها البلاد في ظل قيادتها الرشيدة.
وتابع الكعبي أن ما تؤكده المؤشرات والتقارير الدولية حول قوة ومتانة وحيوية وديناميكية اقتصادنا الوطني تتوافق مع فحوى رسالة حالة الاقتصاد التي استعرضها قبل أشهر الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، والتي أبرزت بدورها عددًا من مقومات القوة التي يمتلكها الاقتصاد الإماراتي، وكان لها دور أساسي في تمكينه من المضي قدمًا على طريق التنمية، برغم التحديات المحيطة به إقليميًا وعالميًّا.
وأكدت الرسالة التي وجهها الشيخ محمد أن الإمارات استعدت للسيناريوهات الاقتصادية العالمية وبنت سياساتها الاقتصادية القادرة على مواكبتها، حيث نوعت اقتصادها بعيدًا عن النفط وبنت علاقات متوازنة مع القوى الاقتصادية العالمية كافة، وتبنت سياسة تقوم على الانفتاح الفعال على العالم الخارجي، وقد ساعد امتلاك هذه المقومات على تخطي العقبات وتحقيق أقوى أداء اقتصادي له في عام 2014، وسيكون قادرًا على مواصلة هذا الأداء القوي في المستقبل.
وأوضحت الرسالة أن دولة الإمارات تعد من أوائل الدول النفطية في العالم التي اهتمت بتنويع اقتصادها بعيدًا عن النفط، واتجهت إلى توسيع استثماراتها الوطنية في عدد من القطاعات الأخرى منها البنى التحتية والتجارة والسياحة والخدمات المالية والمصرفية والطاقة المتجددة، فضلاً عن الصناعة التحويلية والدقيقة، وقد استطاعت بفضل ذلك أن توسع القواعد الإنتاجية في هذه القطاعات، وأن تجعل اقتصادها الوطني معتمداً عليها بشكل كبير، سواء تعلق ذلك بتوليد الدخل وتحفيز النمو الاقتصادي، أو بتوليد فرص العمل الجديدة.
وقال الكعبي، إن قرار عقد خلوة وزارية بحضور الحكومات المحلية، سوف يتيح الفرصة أمام مختلف الجهات إلى عرض الأفكار الرائدة لديها، وبحث سبل التعاون بشكل أكثر تخصصًا، لمناقشة اقتصاد دولة الإمارات ما بعد النفط، حيث تتمتع العديد من الدوائر المحلية بسجل واسع من الممارسات المتميزة، التي ستشكل رافدًا وقيمة مضافة في سبيل بناء مستقبل أفضل لاقتصاد دولة الإمارات، وأوضح خليفة خميس مطر الكعبي، أن تواجد القادة الحكوميين وخبراء الأعمال، سيفعل مبدأ تشارك الأفكار، وتبادل الاهتمامات، إلى جانب الاطلاع على أفضل الممارسات واكتشاف أحدث التطورات في مجال تنمية استدامة الأعمال، بهدف الوصول إلى أحدث التوصيات، وأكثرها ابتكارًا، وبالتالي الوصول إلى توصيات تعزز من استدامة التنوع الاقتصادي لأجيالنا المقبلة.
"دبي عاصمة للاقتصاد الإسلامي"
ويرى المحلل المالي وضاح الطه أن الإمارات نجحت طيلة السنوات الماضية في تنويع اقتصادها بشكل كبير، بعيدًا عن النفط الذي لم يعد يشكل نسبة كبيرة في اقتصاد الدولة، كما كان في سنوات بداية دولة الاتحاد.
وأضاف أن اقتصاد الإمارات يعتبر أخر الاقتصادات الخليجية تأثرًا بانخفاض أسعار النفط، الذي يؤثر حاليًا على اقتصادات الدول المنتجة، الأمر الذي يعكس نجاح الدولة في تنويع اقتصادها الذي يعتمد بشكل كبير على القطاعات غير النفطية مثل التجارة والخدمات والعقارات والسياحة.
وأضاف الطه أن تطور الأداء الاقتصادي بشكل إيجابي يعتمد على عدة محاور تتمثل في ابتكار وإضافة محاور جديدة للاقتصاد الوطني، إما تكون خدامية أو صناعية.
وقال الطه، إن المحور الصناعي يعتبر مهم جدًّا للإمارات بعد أن تم الإعلان رسميًّا في عام 2015 عن تحويل دبي إلى عاصمة للاقتصاد الإسلامي.
ويرى الطه أن مبادرة الشيخ محمد بن راشد بإطلاق دبي عاصمة الاقتصاد الإسلامي جاءت لتشكل منطلقًا عالميًا لتطوير الأدوات الاقتصادية، ولتساهم في حل مشكلات الاقتصاد العالمي بشكل عام، خاصة أن استحداث مركز إسلامي موحّد للتحكيم في دبي، من شأنه أن يمنح المستثمرين والجهات والمؤسسات المالية الثقة بوجود الجهة التي تفصل بينهم وفقاً لأحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية.
وأوضح الطه أن قانون الشركات التجارية رقم (2) أيضًا، والذي تم الإعلان عنه العام المنصرم سيشكل نقلة نوعية في الاقتصاد الوطني، وسيكون له شأن ودور كبير في تعزيز التنمية الاقتصادية المستدامة في الدولة وتقوية تنافسيتها إقليميًّا وعالميًّا، ودعم سياسة التنويع الاقتصادي، وتسريع خطوات الدولة نحو التحول إلى اقتصاد المعرفة المستند إلى الإبداع والابتكار وفق رؤية الإمارات 2021 وأجندتها الوطنية.
وأشار إلى أن القانون يهدف إلى الإسهام في تطوير بيئة الأعمال وقدرات الدولة ومكانتها الاقتصادية، بتنظيم الشركات طبقاً للمتغيرات العالمية، لاسيما ما يتعلق منها بتنظيم قواعد الحوكمة وحماية حقوق المساهمين والشركاء، ودعم تدفق الاستثمار الأجنبي، وتعزيز المسؤولية المجتمعية للشركات، كما سيسهم في تعزيز دور الشركات التجارية التي تحتل مكانة متميزة في استراتيجية التنمية للدولة، بالنظر إلى دورها المهم والحيوي في مسيرة التنمية المستدامة التي تشهدها الإمارات، ومساندة سياسة التنويع الاقتصادي التي تتبعها.
"سياسة اقتصادية تدعم الاقتصاد غير النفطي"
من جهته يرى المستشار العقاري عفيف محمود أن اعتماد هذه السياسة يمثل تتويجًا لكل الجهود السابقة لتنويع مصادر الدخل الوطني وتقوية فروع الاقتصاد غير النفطي، وخصوصًا في المجالات المستجدة كالصناعات المتقدمة والدعم والنقل والقاعدة الصناعية القوية في المناطق الحرة والمدن المتخصصة وغيرها.
ويرى محمود أن إعلان قيادة الإمارات عن سعيها للاحتفال بآخر برميل نفط بحلول العام 2050، وكذلك إعلان الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم عن قرار عقد خلوة وزارية موسعة الأسابيع القادمة بحضور الحكومات المحلية وخبراء الاقتصاد لمناقشة اقتصاد الإمارات ما بعد النفط خير دليل على عمق البصيرة التي تتمتع بها القيادة الإماراتية الرشيدة، مشيدًا بتصريحات الشيخ محمد بن راشد، ومؤكدا أن النأي بالاقتصاد الوطني عن النفط «يمثل ضمانًا لاستدامته».
واعتبر محمود أن ابتعاد الاقتصاد تدريجيّا عن النفط وتذبذباته يضمن له الاستقرار ويحقق أهداف الاستدامة، لا سيما أن الحكومة الاتحادية والحكومات المحلية في كل إمارة باتت تتمتع بالوعي الاقتصادي العميق، وتدرك أهمية التنويع الاقتصادي بالتوجه نحو قطاعات السياحة والضيافة والخدمات والرياضة والإعلام، وغيرها من القطاعات التجارية والصناعية، لا سيما أنها اكتسبت قدرًا كبيرًا من الدراية والخبرة على مرّ سنين الازدهار الطويلة.