أوروبيون يلجؤون إلى مصر هربًا من نفقات علاج فيروس "سي"
أدوية الكبد تجذب السياحة العلاجية إلى أرض الكنانة
900 دولار فقط تكلفة العلاج بعقار "سوفالدي" في مصر، بينما ترتفع إلى 84 ألف دولار في الولايات المتحدة، و25 ألف يورو في دول مثل إسبانيا.
سلطت وكالة الأنباء الإسبانية الضوء على ظاهرة جديدة آخذة في الانتشار، تتمثل في تحول مصر إلى مقصد رئيسي لأوروبيين يبحثون عن الخلاص من مرض الكبد، الذي يحصد ما يقرب من نصف مليون إنسان سنويًّا حول العالم، بسبب أمراض متعلقة به، مثل تليف الكبد والسرطان.
وذكرت أنه مع أعلى نسبة إصابة في العالم، وإمكانات محدودة، تنفذ مصر خطة لمواجهة الالتهاب الكبدي الوبائي "فيروس سي"، فيما تشير وسائل إعلام محلية وأجنبية إلى نجاح عدد من الإسبان في اختصار الوقت والمال اللازمين للحصول على فرصة في بلادهم للعلاج من الفيروس، من خلال رحلة سياحة علاجية إلى مصر، بمساعدة وكالات سياحة تؤكد أنها تعمل بشكل مشروع بالتنسيق مع مراكز علاجية مصرية.
يقول الفريدو بوينتي (49 عامًا) لصحيفة "دياري دي تاراجونا"، واسعة الانتشار بمسقط رأسه بمدينة "تاراجونا" الكتالونية (شمال شرقي إسبانيا)، إنه استطاع أن يضع حدًّا لمعاناة استمرت 20 عامًا مع المرض برحلة للعلاج في مصر، تمتع خلالها أيضًا بزيارة معالم سياحية وأثرية.
ويؤكد أنه سافر على نفقته العام الماضي إلى القاهرة، حيث خضع للعلاج بسعر أقل بكثير من تكلفته في إسبانيا، بدلًا من الانتظار في قوائم طويلة للحصول على العلاج في بلاده، وبأضعاف ثمنه في مصر، وهو ما بدأ يشجع الكثيرين من مواطنيه المصابين على أن يحذوا حذوه.
وتتبنى شركة "سانانتورز" الإسبانية برنامجًا يقوم على زيارة علاجية لمصر، تشمل الإقامة بفندق خمس نجوم في ضاحية مصر الجديدة بالقاهرة، والتعرف على المعالم السياحية للعاصمة، وتلقي الأدوية للعلاج من "فيروس سي"، على أن تستكمل مرحلة متابعة العلاج فيما بعد بإسبانيا، بتكلفة تعادل خمسة آلاف و200 يورو، في الوقت الذي يتكلف فيه العلاج فقط في إسبانيا ما يقرب من خمسة أضعاف هذا المبلغ.
ويقول خابيير كاربو، مدير "سانانتور"، في مقابلة مع وكالة الأنباء الإسبانية، إن شركته أرسلت بالفعل بداية الشهر الجاري أول مجموعة من المرضى الإسبان للعلاج في مصر، والذين حصلوا على الدواء الذي يتم تناوله لمدة 12 أو 24 أسبوعًا على حسب كل حالة.
وتشير تقديرات لوجود حوالي 900 ألف مصاب بالفيروس في إسبانيا، حيث توفر المراكز الصحية عقار "سوفالدي" لفيروس سي، ولكن للحالات المتقدمة فقط، وعادة ما يضطر المريض لانتظار دوره في قوائم طويلة للعلاج على نفقة التأمين، أو التوجه للمراكز الصحية الخاصة التي تبلغ فيها تكلفة برنامج العلاج 25 ألف يورو على الأقل.
في مقابل ذلك، بدأت مصر خطة طموحة لمكافحة المرض، الذي يعاني منه نحو 10% من عدد سكانها، البالغ 90 مليونًا، واستطاعت بالفعل توفير عقار مثل "سوفالدي"، وبدائل أخرى، بأسعار تكاد تكون رمزية مقارنة بمثيلاتها في الغرب.
وتشير تقارير إلى أن القاهرة تطمح في علاج 300 ألف مصاب بالفيروس سنويًّا، بداية من العام الحالي، وخفض نسبة الإصابة لأقل من 2% بحلول 2025.
وكان عقار "سوفالدي" الذي تنتجه شركة "جلياد ساينس" الأمريكية وراء الطفرة الكبيرة في ارتفاع نسبة الشفاء من الإصابة في دول كثيرة بالعالم.
وطرحت الشركة الدواء بأسعار منخفضة للغاية في عدد من الدول النامية مثل مصر، والأرجنتين والبرازيل، ولكنها حافظت على هامش ربحيتها بالإبقاء على تكلفته المرتفعة في الدول الغربية.
وتبلغ تكلفة برنامج العلاج بعقار "سوفالدي" في الولايات المتحدة حوالي 84 ألف دولار، و25 ألف يورو في دول مثل إسبانيا، بينما يطرح الدواء تحت اسم "sofosbuvir" في مصر مقابل 900 دولار، ولكن بضوابط تجعل من الصعب تسربه للسوق السوداء.
وتتضمن تلك الضوابط، التي تفرضها "جيلياد"، حصر بيع العقار على الصيدليات الحكومية على سبيل المثال، وإلزام المريض بإحضار العبوة القديمة للدواء لكي يتمكن من الحصول على أخرى جديدة، وأن يتناول أول قرص منه أمام الصيدلي.
ورغم أن القول بإمكانية تحول مصر لمقصد للسياحة العلاجية من الفيروس، بما فيها الأوروبية، قد يكون سابقًا لأوانه، إلا أن القاهرة يبدو أنها قد ترحب بالفكرة في وقت تكافح فيه لإنعاش قطاع السياحة بشكل عام، وبعد نجاح الأدوية المنتجة محليًا في إعطاء نسب شفاء تصل إلى 95%، وفقًا لما نقلته وسائل إعلام محلية عن الشركات المصنعة.
ويؤكد الطبيب والبرلماني المصري جمال شيحة، عضو اللجنة الحكومية لمكافحة الفيروسات الكبدية في مصر، أن الدواء الاصلي الذي تصنعه شركة "جيلياد" لا يتم بيعه للأجانب في مصر؛ لأن هناك قيودًا على بيعه بالمستشفيات للمرضى.
لكنه أوضح أن هناك عقارات أخرى يمكن للأجانب الحصول عليها، وتقوم شركات أدوية مصرية بتصنيعها من نفس المادة الخام التي يصنع منها "سوفالدي" والتي يتم الحصول عليها من الهند.
وباتت مصر تعتمد بشكل كبير على علاج مرضاها من "فيروس سي" على تلك الأدوية المصنعة محليًّا، وتؤكد أن نتائجها تبشر بإحداث طفرة في تقليل نسبة الإصابة بالمرض في الدولة الأكثر تعدادا بالسكان بالعالم العربي.
وعلى أمل أن تتمكن السياحة العلاجية من إعادة الروح لقطاع يعاني بشدة في الأعوام الأخيرة، حاولت السفارة المصرية في مدريد طمأنة الشركة السياحية بأن السلطات المصرية لن تمنع أي أجنبي من الحصول على العلاج المنتج محليًّا من فيروس سي في المراكز الطبية الخاصة بمصر، وفقًا لخطاب يؤكد كاربو أنه تلقاه من البعثة الدبلوماسية.
وتضع الشركة الكتالونية المتخصصة في "السياحة العلاجية" على موقعها الإلكتروني (www.sanantur.com/es/pack-hepatitis-c) علامات بعض مراكز التحاليل والأشعة والصيدليات الشهيرة في مصر، بالإضافة إلى مركز طبي خاص وسيرة ذاتية لأستاذ بكلية الطب في جامعة حكومية مصرية، تقول، إنها تعاقدت معه ومع تلك المراكز من أجل معالجة المرضى القادمين من إسبانيا.