اليمن: الانقلابيون يهددون القطاع المالي والمصرفي بالانهيار
الارتجالية والفساد الذي يتعامل به الانقلابيون الحوثيون وضعت القطاع المالي والمصرفي باليمن على حافة الانهيار
بدأت آثار السياسة المالية والنقدية السيئة التي ينفذها الحوثيون منذ انقلابهم على سلطة الرئيس عبدربه هادي المعترف بشرعيته دوليا تدق ناقوس الخطر من انهيار وشيك للأوضاع المالية والنقدية في البلاد.
ومنذ انقلابهم على الحكومة الشرعية اتبع الحوثيون سياسة مالية ونقدية مرتجلة تفتقد للمعايير المتعارف عليها في المالية العامة أسند تنفيذها لعناصر ما يسمى باللجان الشعبية الثورية الذين يجهلون أبجديات السياسة المالية والنقدية وتحول قادة اللجان الذي ينتمي غالبيتهم لمحافظة صعدة النائية إلى آمرين بالصرف في الجهات والمصارف الحكومية والبنوك المملوكة للحكومة، أو التي تسهم فيها الحكومة، وأصبحت تلك العناصر القادمة من الأوساط القبلية والذين يفتقدون لأدنى المعارف المالية والمصرفية يتدخلون في كل صغيرة وكبيرة لها علاقة بالسياسة المالية والنقدية للبلاد.
وترتب على تلك السياسة والتدخلات الاعتباطية هدر مالي غير مسبوق، وخلال المؤتمر الصحفي لرئيس الحكومة الشرعية خالد محفوظ بحاح الذي عقده في أبو ظبي مؤخر اكشف أن الانقلابيين استنزفوا الخزينة العامة، مشيرا إلى أنهم سحبوا 1.5 تريليون ريال (حوالي 7 مليارات دولار) ما يفوق نصف الموازنة التقديرية للدولة وفقا لتقديرات موازنة عام 2014.
ويأتي الهدر للأموال العمومية في الوقت الذي اقتصرت نفقات الحوثيين على المرتبات والأجور منذ سيطرتهم على السلطة وتعليق النفقات الأخرى، ما يعني وفقا للإجراءات التنظيمية أن جزءاً كبيراً من تلك المبالغ المسحوبة ذهبت إلى جيوب الجماعة وتحديدا قادتها الذين الذين أصبحوا الآمرين الفعليين بالصرف في العديد من مرافق الدولة وأجهزتها المالية والمصرفية، لا سيما بعد أن أصبحت أجهزة الرقابة والتدقيق إما معطلة بسبب رفض القائمين عليها ممارسة أعمالهم، أو أن الحوثيين استبدلوا بعضهم بأشخاص مناصرين لهم، ما يعد ضربة قاصة لمبدأ الفصل بين الآمر بالصرف وبين مراقبي ومدققي الصرف، فقد أصبحت آليات المراقبة والتدقيق المالي خاضعة للجماعة والموالين لهم، أو معطلة كالإدارة العامة للرقابة والتفتيش في وزارة المالية والجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة ومجلس النواب الذي علق أعماله منذ اجتياح الحوثيين لصنعاء وإصدارهم للإعلان الدستوري.
وبدأ الحوثيون عقب سيطرتهم على السلطة تدخلاتهم في السياسة المالية والمصرفية القطاع ففي نهاية إبريل نيسان من العام الماضي قامت المليشيات باعتراض مبلغ 23 مليار ريال كانت قد نقلت من فرع البنك المركزي في الضالع إلى المركز الرئيسي للبنك في العاصمة صنعاء خوفا من الحرب الدائرة في المحافظة آنذاك، إلا أن مليشيات الحوثي اعترضتها وصادرتها بحجة توجيهها للمجهود الحربي وتسببت الحادثة حينها بأزمة بين قيادة الجماعة ومحافظ البنك المركزي محمد عوض بن همام قادته إلى الاعتكاف في منزله، إلا أن عناصر الجماعة أعادت المبلغ لكن بعد أن استقطعت مبلغ 7 مليارات ريال.. ومع ذلك لم تتوقف تدخلات الجماعة وحلفائهم من أتباع الرئيس المخلوع عن السحب من أرصدة الجهات الحكومية وتوجيهها لأغراض غير مخصصة لها، الأمر الذي اضطر محافظ البنك المركزي إلى مغادرة العاصمة في أغسطس من العام الماضي ولم يعد إلا بعد أكثر من شهرين وبتدخل المؤسسات المالية الدولية البنك وصندوق النقد الدوليين.
واستمر الحوثيون في توجيه القطاع المصرفي، خاصة البنوك التابعة للحكومة من خلال السيطرة على المواقع الإدارية العليا فيها كمرحلة أولى، فبعد اشهر على قائمة تعيينات مطولة في بنك التسليف التعاوني والزراعي "كاك بنك" -المملوك للدولة- أصدرتها ما يسمى باللجنة الثورية العليا استكملت بسط نفوذها على البنك بتعيين موالٍ لها رئيساً لمجلس إدارة البنك هو محمد صالح أحمد اللاعي.
كما أجبرت تدخلات مليشيات الحوثي في الشأن المصرفي وابتزاز البنوك مدير عام اكبر وأقدم بنك في اليمن -البنك اليمني للإنشاء والتعميير التي تمتلك الحكومة 51 % من رأسماله - عبدالناصر نعمان إلى تقديم استقالته من البنك.
وجاءت تصريحات رئيس الحكومة خالد بحاح لتدق ناقوص الخطر من القادم بعد أيام قليلة من تحذيرات أطلقها مستشار رئيس الجمهورية عبدالعزيز جباري في مذكّرات بعثها إلى محافظ البنك المركزي اليمني، ووزير المالية، ورئيسي الهيئة والمؤسسة العامتين للتأمينات والمعاشات من عبث الانقلابيين بأموال التأمينات والتقاعد ومن مخاطر تأثيرها النظام التأميني والمصرفي وتعريضه للانهيار.
من الواضح أن استمرار الانقلابيين في اتباع سياسة ارتجالية إذا ما استمرت ستكون الخطوة الانتحارية الثانية لهم بعد قرارهم الحرب، وستؤدي إلى الانهيار المالي والنقدي في البلاد، ما لم ينصاعوا لصوت السلام ويتداركوا الأمر قبل فوات الأوان.