مها درويش لـ"العين": أطفالنا المبدعون هم ثروة الوطن المهملة
ابنتي الصغرى هي أول عازفة آلة ساكسيفون في الأردن، وابني عمل على تطوير برنامج حماية تم اعتماده في الموانئ بالأردن والإمارات.
بعد سنوات من تدريس اللغة الإنجليزية في مدارس مختلفة في الأردن، تيقنت مها درويش، البالغة من العمر 55 عاماً، أن النظام التعليمي لا يمنح من لديه موهبة الحق في تنميتها، وأن معظم الأهالي يعتقدون أن تنمية المواهب تؤثر سلبياً على التحصيل الدراسي، فبدأت تفكر في كيفية مساعدة الفئات المبدعة، خوفاً من التهميش ودفن الإبداعات.
بعد التفكير العميق والعمل التطوعي لمدة 16 عاماً في المناطق الأقل حظًّا، أطلقت مها درويش جمعية "إبداع" لاحتضان كل شخص مبدع أو لديه موهبة خصه الله عز وجل بها... وبحسب درويش فإن المبدعين قادرون على امتلاك ناصية المعرفة وتسخيرها من أجل إنتاج اختراعات مفيدة للمجتمع الإنساني بأكمله، لأن الاختراعات لا تقف عند حدود جغرافية أو ثقافية، وهؤلاء المبدعون بحاجة إلى تعريف المجتمع بهم، وبإبداعاتهم.
- ما الذي دفعك لتأسيس جمعية إبداع؟
لقد عشقت العمل التطوعي ومساعدة الآخرين وخصوصًا في المناطق الأقل حظًّاً، وأثناء تعرفي على بعض العائلات المحتاجة في منطقة وادي السير، لاحظت أن هنالك طفلا موهوبا، وموهبته تكمن في مضاعفته للأرقام بشكل سريع بدون استخدام الآلة الحاسبة، وقدرته على عكس الكلام، وحين تعرفت على عائلة الطفل أخبروني أن هذه الموهبة ليست عنده فقط، بل هي موجودة بالأصل عند والده الذي يعمل سائقاً لإحدى المؤسسات، عندها تخيلت أن هذا الطفل سيعيد مستقبل أبيه ويفقد موهبته ولا ينميها، وبعد هذا المشهد قررت تأسيس جمعية إبداع لاحتضان كل شخص مبدع و موهوب، في عام 2008.
- هل البداية كانت صعبة؟
بداية أي خطوة محفوفة بالصعوبة دوماً، وعندما أسست جمعية إبداع لم تكن تضم في ميزانيتها أكثر من ألف دينار، وبدأت أنا والكادر المكون من صديقات لي ضمن تخصصات معينة، البحث عن الموهوبين، وضمن فترة قصيرة أصبح لدينا عدد كبير من الشباب المبدعين، ووضعنا الخطط لتنمية مواهبهم وجمعهم مع المسؤولين والمؤسسات التي ستعمل على تطويرهم.
- كيف تنمي جمعية "إبداع" المواهب؟
عملنا بشكل كثيف على التواصل مع الجامعات والمدارس، لتوفير المنح الجامعية والمدرسية للمميزين، فالأشخاص الذين نهتم بهم هم من العائلات المحتاجة ولا يجدون من يساعدهم، وأيضاً بعثناهم بشكل دوري إلى مؤتمرات تجمعهم مع مختصين ليشرحوا اختراعاتهم ومشاريعهم، على أمل أن يتبناهم أحد، والحمد لله وجدنا ردود فعل جيدة.
- ما خطورة تهميش الطفل الموهوب؟
أنا أم ولدي أربعة ابناء، وأعرف ما هي الموهبة وما خطورة ضياعها، ولاحظت أن بناتي الثلاثة موهوبات بالموسيقى، وابنتي الصغرى هي أول عازفة آلة ساكسيفون في الأردن، وابني عمل على تطوير برنامج حماية تم اعتماده في الموانئ بالأردن والإمارات العربية المتحدة.
والأم بطبيعتها تميز إن كان طفلها مختلفاً عن الأطفال المحيطين به، ويملك موهبة ما أم أنه طفل عادي، فالموهبة لا توجد عند كل الأطفال، وإذا أهملت الأم موهبة طفلها ستجد صدى مخيفا منه شخصياً وسلوكيات لا تُحمد عقباها، فالطفل الموهوب أذكى ممن يحيطونه والتعامل معه بمستوى أقل من مستواه الفكري سيحوله لطفل مشاغب وعنيد وصعب التحاور معه، تهميش الطفل الموهوب يعني بكل بساطة عدم تطور المجتمع الذي نعيشه، فالطفل ثروة للوطن.
- للمرأة دور مهم بالمجتمع، بحسب تجربتك ما أهم الركائز لتثبت ذاتها؟
إصرارها على الهدف الذي تريده يجعلها تذلل الصعوبات التي تواجهها، ومعرفتها بأنها مكون أساسي للمجتمع يدفعها للبحث عن مشروعها الخاص، والمرأة من القوى المحركة في المجتمع، ويجب أن تتحصن في البداية بالتعليم ومن ثم تجد طريقها.. لقد درست اللغة الإنجليزية ومع الوقت درست الموسيقى وتخرجت من الكلية الملكية البريطانية وأصبح لي مركز لتدريس الموسيقى، وبعد 16 سنة من العمل التطوعي وانخراطي بالشباب المبدع في المناطق الفقيرة، تأكدت من هدفي، وانطلقت في بناء جمعية إبداع.
- ما أهم المشاريع الإبداعية للشباب، التي تم تنميتها من خلال الجمعية؟
الجمعية تحتضن المبدعين من الفئة العمرية التي تتراوح بين 5 أعوام و25 عاما، ولقد دعمنا مئة شخص ما بين توفير منح جامعية ودعم لتطوير الابتكارات.. ومن أهم الابتكارات: النظارة الإلكترونية للأطفال الذين يعانون من الشلل، جهاز لحماية الأطفال من الغرق، جهاز لتتبع النباتات في الحقل وسلامتها من الأمراض، جهاز الكف الذكي وغيرها من الابتكارات الكثيرة. ويوجد لدينا مواهب بالرسم والموسيقى والكتابة الأدبية.
- هل حصلت على جوائز تكرم جهدك في دعم المبدعين؟
نعم، حصلت على جوائز عدة من بينها: جائزة من مدارس اليوبيل لدعمنا مشاريع طلابية، وحصول فريقنا على المرتبة الأولى على مستوى العالم في مسابقة الروبوت العالمية التي تقام في سانت لويس بالولايات المتحدة الأمريكية لعامي 2014 و 2015، وجائزة الملكة رانيا للتميز عام 2014، بالإضافة إلى جائزة من مسرح الفكر الجديد عام 2013، وغيرها من التكريمات والجوائز.
- ما رسالتك للمرأة العربية؟
على كل أم أن تهتم بطفلها وتنمي مواهبه، ولا تعمل على طمس الموهبة التي تعتبر هدية من الله عز وجل ميز طفلها بها، ووجود أي موهبة لا يؤثر على التحصيل الأكاديمي بل يعززه.
وأدعو كل امرأة أن تبحث في داخلها عن الطاقة الكامنة بها، لتصبح ظاهرة من خلال مشروع مبتكر يخدم من يحيطها، وينتشل المجتمع من الفقر والجهل لأنهما عدوَّا التقدم، والمجتمعات العربية ما زالت في مرحلة النماء وتحتاج لجهود كثيرة من قبل المرأة والرجل لتطويرها.
- وماذا عن رؤيتك للمستقبل؟
سأحاول أن أحصل على دعم من كافة المؤسسات الرسمية، لأن دعم المبدعين والمبتكرين في نهاية المطاف شكل من أشكال النهوض في هذا الوطن، فأي ابتكار سيعود بالنفع على الوطن ويخدم الأمة، أيضاً سابذل قصارى جهدي للتواصل مع الأمهات في مناطق جيوب الفقر لتوعيتهم عن أهمية رعاية المبدع وتوفير الدعم النفسي له ليمضي في طريقه دون عوائق اجتماعية.