نهر من كتب المقالات التحليلية لأحداث الثورة تدفق بعد أن دخل على الخط مؤرخون ومفكرون وأساتذة العلوم السياسية ومراكز بحثية متخصصة
كان هناك من اهتم بجمع ما كتبه من مقالات يومية أو أسبوعية، أو أحاديث وتحليلات تلفزيونية رصدت وحللت أحداث الثورة وتوابعها وما أسفرت عنه من نتائج، خصوصا في العامين التاليين للثورة، فأصدر المخضرم محمد حسنين هيكل "ثلاثيته" عن مبارك وزمانه وما بعده، عن دار الشروق، ثلاثية ضخمة شأن كتبه جميعا، لكنها تحمل أهمية خاصة، صدر الجزء الأول منها بعنوان «مبارك وزمانه.. ماذا جرى في مصر ولها»، والثاني «مبارك وزمانه.. من المنصة إلى الميدان»، وأخيرا «مصر إلى أين؟ ما بعد مبارك وزمانه».
وأصدر الكاتب والمفكر الاقتصادي المعروف جلال أمين كتابه «ماذا حدث للثورة المصرية»، ويوضح العنوان الشارح في الغلاف الداخلي الهدف منه "أسباب ثورة 25 يناير 2011 ودواعي الأمل والقلق وآفاق المستقبل".
كذلك جمع علاء الأسواني مقالاته التي نشرها على صفحات الجرائد في كتابه «هل أخطأت الثورة المصرية؟»، وأصدر إبراهيم عيسى كتابه «ألوان يناير» جمع فيه المقالات والافتتاحيات التي كان يكتبها في جريدة التحرير، كما نشر أسامة غريب كتابه «إرهاصات موقعة الجحش»، وجمع محمد المهدي، المتخصص في الطب والتحليل النفسي، مقالاته عن الثورة في «عبقرية الثورة المصرية».
«في عين العاصفة» لأستاذ العلوم السياسية، والدبلوماسي، عز الدين شكري، صدر عن دار بلومزبري الدوحة، وجمع مقالاته التي نشرها على صفحات جريدة التحرير، وحظي كتاب وائل غنيم، الناشط السياسي، الذي دشن صفحة "كلنا خالد سعيد" على "فيسبوك"، «الثورة 2.0 إذا الشعب يوما أراد الحياة»، عن دار الشروق، بالاهتمام وقت صدوره، يقول غنيم في مقدمة الكتاب "كثير من الثورات التاريخية قامت على وجود قائد تتبعه الجماهير، ولكن في ثورتنا المصرية وغيرها من ثورات الربيع العربي كانت الفكرةُ هي القائد والرمز والمحرك؛ ولذا كان عنوان هذا الكتاب «الثورة 2.0»، أو المفهوم الجديد للثورة".
المؤسسة الثقافية الرسمية، ممثلة في وزارة الثقافة والهيئات والمجالس التابعة لها، أسهمت بقدر وافر في نشر عدد ضخم من الكتب عن "الثورة" أو ما اتصل بها من موضوعات وقضايا، عالج قسم كبير منها الحدث الثوري ذاته، فيما ركزت في جانب كبير من الكتب التي أصدرتها على موضوعات تتصل بفكرة "الثورة"، في التاريخ والآداب والفلسفات والعلوم الإنسانية، واستدعى هذا طباعة وإعادة نشر مجموعة رائعة من الكتب والعناوين المتصلة بهذا الجانب.
من جهتها بادرت دار الكتب والوثائق الرسمية في أعقاب ثورة 25 يناير، بتدشين سلسلة «الثورة والحرية»، وهي سلسلة كتب غير دورية أشرف عليها المؤرخ والأكاديمي القدير الدكتور أحمد زكريا الشلق، هدفها إعادة طبع أهم الكتب والمؤلفات التي عالجت قضايا النهضة الحديثة والثورة والحرية والعدالة، سواء في مصر أو غيرها من تجارب الأمم الأخرى، تخاطب الشباب وعامة المثقفين، وتصلهم بتراث الفكر المصري الحديث والمعاصر والتراث العالمي على حد سواء. صدر في هذه السلسلة حوالي 32 كتابًا من عيون الكتب التي تناولت نضال الشعب المصري وكفاحه عبر التاريخ، وأصول الشخصية المصرية وجوانبها الحضارية والثقافية المتعددة، كما أطلقت الهيئة العامة لقصور الثقافة سلسلة كتب عن "الثورات" في طبعات شعبية بأسعار زهيدة، تناولت الثورتين الروسية والفرنسية بالإضافة إلى ثورات مصر الكبرى في القرن العشرين، لا سيما ثورة 1919 وثورة عرابي، والمقاومة المصرية للاحتلال البريطاني في أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي.
تحليل الثورة.. وتشريحها!
بالتوازي مع هذه الكتب والإصدارات التي غلب عليها الجانب الذاتي، الانفعالي، الرصدي، كان هناك "شلال" من المقالات والدراسات التي أعلنت اتخاذها المنهجية الموضوعية سبيلا، أو من المفترض أنها كذلك، تابعت لحظةً بلحظة، ويوما بيوم، مسارات الحدث الثوري وتقلباته ونتائجه، توفّر أصحابها، كلٌ في مجال اختصاصه، على رصد الحدث وتحليله والكشف عن جذوره وربطه بسياق العلوم الإنسانية المعنية بدراسة "الحدث الثوري" وتداعياته. دخل على الخط مؤرخون ومفكرون وأساتذة العلوم السياسية والاجتماع والفلسفة، ومراكز بحثية متخصصة، سياسية واستراتيجية، وتدفق نهر من الإصدارات التي تنوعت بين جمع المقالات التحليلية لأحداث الثورة ووقائعها، وبين الكتب التي غلبت عليها التنظيرات والتحليلات العميقة، عدا الكتب التي اشترك فيها باحثون ومتخصصون أشرف على جمعها وتحريرها أساتذة وخبراء سياسيون.
أول كتاب صدر في هذا الإطار، كان كتاب وحيد عبد المجيد عن مركز الأهرام للنشر بعنوان «ثورة 25 يناير.. ملاحظات أوليّة»، وعن مركز الأهرام للدراسات للسياسية والاستراتيجية أيضا، صدر كتاب جامع بعنوان «ثورة 25 يناير.. قراءة أولية ورؤية مستقبلية» أشرف على جمع مواده وتحريره الدكتور عمرو هاشم ربيع، وصدر عدد خاص من مجلة "الديمقراطية" التي تصدر عن مؤسسة الأهرام، بعنوان «25 يناير» في أبريل 2011، اشتمل على عدد من الدراسات والمقالات التي تعالج وجوها وجوانب من الثورة.
من أهم الكتب التي صدرت في هذه الفترة، داخل هذا الإطار التصنيفي، كتاب المؤرخ والأكاديمي شريف يونس «مسارات الثورة.. رؤية تحليلية ديمقراطية جذرية»، وأصدر المفكر المعروف سمير أمين كتابه «ثورة مصر.. علاقتها بالأزمة العالمية»، وأصدر محمد عبد الهادي علام كتابه «ثورة 25 يناير.. الثورة مستمرة».
وعن النخب وعلاقتها بالثورة، وسياسات التحول عقب الحدث الكبير، أصدر المحلل السياسي والخبير في الحركات الدينية نبيل عبد الفتاح كتابه «النخبة والثورة.. الدولة والإسلام السياسي والقومية والليبرالية»، ولم يفت المحلل الاستراتيجي السيد ياسين نشر أكثر من كتاب عن ثورة يناير، جمع فيها مقالاته التي نشرها في الأهرام وغيرها من الدوريات، منها «ثورة 25 يناير بين التحول الديمقراطي والثورة الشاملة».
في السياق، نشرت دار إلياس للنشر كتابا صغير الحجم (يقع في 144 صفحة من القطع الصغير)، لكنه شديد الأهمية والقيمة، عنوانه «25 يناير.. اختبارات.. صراعات.. تطورات» ضم عددا من الحوارات والرؤى لمجموعة من أبرز المثقفين المصريين.
«يوميات ثورة الفل» العنوان الذي اختاره الدكتور نادر فرجاني لكتابه الذي أصدره في 2011، جمع فيه مقالات متعددة ضمنها رؤيته لتطور مشاهد الثورة منذ اندلاعها، وأتبع فرجاني هذا الكتاب بكتابين آخرين، استكمل فيهما رؤيته وتحليله لما تلا الثورة من وقائع وأحداث، وجمع الكاتب والمترجم الراحل خليل كلفت عددا من الدراسات والمقالات التي تدور كلها حول الثورة، في كتابين ضخمين صدرا عن المجلس الأعلى للثقافة؛ الأول «ثورة 25 يناير: طبيعتها وآفاقها»، والثاني «ثورة 25 يناير: الثورة والثورة المضادة».
في غمار الانفعال وتأجج المشاعر الحماسية بالحدث الثوري، غاب عن كثير من المحللين والدارسين تأمل الأحداث في ضوء تجارب التاريخ وقوانينه وفلسفته، وهو ما انتبه له الكاتب والمترجم السوري المقيم في باريس هاشم صالح، الذي أصدر كتابه المهم «الانتفاضات العربية في ضوء فلسفة التاريخ»، والذي قرأ فيه ثورات الربيع العربي على ضوء التجارب التاريخية للغرب الأوروبي.
وفي كتابه «ثورات العرب.. خطاب التأسيس» للدكتور علي مبروك، أستاذ الفلسفة الإسلامية وعلم الكلام بكلية الآداب جامعة القاهرة، يعالج مبروك موضوع الثورات من منظور معرفي يرصد "نتائج محددة" لجهود سنوات طويلة، كما أنه يحاول أن يجيب عن الحالة الثورية العربية خلال العامين اللذين أعقبا اندلاع ثورات الربيع العربي، فالحالة الثورية عند مبروك "علامة" على انقضاء الخطاب النهضوي العربي الذي بلغ ذُروته وأعلن عن إفلاسه، وأصبح الوضع العربي مهيأً لاستقبال وضعٍ جديد ينتشله من هذا السقوط ويكون بمثابة إعلان له.
aXA6IDE4LjIyNy43Mi4yNCA= جزيرة ام اند امز