ازدراء الأديان في ميزان العدالة
فاطمة ناعوت وإسلام البحيري اسمان ترددا كثيرًا موخرًا، لا بسبب منهجهما الإبداعي، لكن بسبب مثولهما أمام المحاكم بتهمة ازدراء الأديان
فاطمة ناعوت وإسلام البحيري اسمان ترددا كثيراً في الفترة الماضية، لا بسبب منهجهما الفكري والإبداعي، لكن بسبب مثولهما أمام المحاكم المصرية بنفس التهمة وهي ازدراء الأديان، كان آخرها ما جرى الثلاثاء مع الكاتبة فاطمة ناعوت بالحكم عليها بالسجن ثلاث سنوات وغرامة 20 ألف جنيه مصري (2500 دولار).
ثلاثة قوانين تحكم جناية ازدراء الأديان في القانون المصري: المادة 98 تقضي بأن يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر ولا تتجاوز الـ5 سنوات أو بغرامة لا تقل عن 500 جنيه ولا تتجاوز الألف جنيه، كل من استغل الدين في الترويج بالقول أو الكتابة أو بأية وسيلة أخرى لأفكار منطوقة بقصد الفتنة أو تحقير أو ازدراء الأديان السماوية أو الطوائف المنتمية إليها أو الإضرار بالوحدة الوطنية أو السلام الاجتماعي.
فيما تنص المادة 161 على أن يعاقب بتلك العقوبات على كل تعد يقع بإحدى الطرق المبينة بالمادة 171 على أحد الأديان التي تؤدي شعائرها علناً. ويقع تحت أحكام هذه المادة كل من طبع أو نشر كتاباً مقدساً في نظر أهل دين من الأديان التي تؤدي شعائرها علناً إذا حرف عمداً نص هذا الكتاب تحريفاً يغير من معناه، أو قدم تقليداً، أو احتفالاً دينياً في مكان عمومي أو مجتمع عمومي بقصد السخرية به.
ونصت المادة 176 على أن يعاقب بالحبس كل من حرض على التمييز ضد طائفة من طوائف الناس بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة إذا كان من شأن هذا التحريض تكدير السلم العام.
اتهام الناعوت جاء بسبب تدوينة كتبتها على حسابها الشخصي على فيسبوك أوردت فيها اعتراضها على طقس الأضحية، وما يترتب عليه من ذبح آلاف المواشي.
لم تحاول ناعوت في المحكمة أن تدافع عن فكرة حرية الرأي، لم تقوض الازدراء، بل بررت أن ما كتبته هو من باب "الاستعارة المكنية"، وأنه ليس أكثر من مزاح!
الدكتور صلاح زيدان أستاذ الشريعة والقانون بجامعة الأزهر، قال لـ"العين"، إن "إزدراء الأديان هو الإساءة للدين وللرسول ومهاجمة العقيدة الإسلامية بالباطل، يزدري الدين كل من ينكر جزءًا معلومًا من الدين، ومن يدعى أنه مسلم، ويعتقد عقيدة مختلفة مثل الشيعة والبهائيين والقرآنيين؛ لأن موقفهم يمثل انحرافًا دينيًّا، فمهاجمة السنة والإساءة للصحابة والإيمان بانحرافات لا علاقة لها بالدين، وهو ما يقع تحت مفهوم الازدراء للدين الإسلامي".
الازدراء "لغة" هو الاحتقار، الاحتقار يقتضي القصدية، الذهاب إلى الغرض مباشرة والتقليل من قيمته، وجوده، أثره، أو ِشأنه.
أحيانًا يستغله بعض الكتاب للحصول على الشهرة، لنيل الاعتراف من النخب الثقافية والسياسية في البلاد.. حكى حسين أحمد أمين في صحيفة الجيل عام 1999 عن موقف جمعه مع فرج فودة، حيث اتصل به فرج فودة في أحد الأيام
* طبعًا سمعت الخبر يا أستاذ حسين؟
- أي خبر؟
- خبر مصادرة خمسة كتب للمستشار سعيد العشماوي في معرض القاهرة للكتاب.
- نعم، وقد آلمني الأمر، وأحزنني أشد الحزن.
- آلمك وأحزنك؟ اسمح لي أسألك: على من أحزنك الخبر؟
- على المستشار العشماوي بطبيعة الحال.
- على المستشار العشماوي؟ أستاذي الكبير. منذ أذيع خبر المصادرة أي في بحر 3 أيام بيع سبعة آلاف نسخة من كتاب معالم الإسلام، و5 آلاف نسخة من كتاب أصول الشريعة, و16 ألف نسخة من كتاب "الخلافة الإسلامية" وهلم جرا، كم نسخة بيعت من كتابك "الإمام" حتى الآن؟
- 3 آلاف.
- اتفرج يا سيدي، وأنا لم أبع من كتابي "الحقيقة الغائبة" غير ألفي نسخة.
- كم يدفع ناشرك مقابل إعلان صغير عن كتاب لك في الأهرام أو الأخبار؟
- 600 جنيه علي الأقل.
- والمستشار سعيد العشماوي تتهافت الكتب والمجلات اليوم على نشر الأحاديث معه والمقالات له على ثلاث صفحات أو أربع، ومع صورة كبيرة له دون أن يدفع شيئًا، بل ربما دفعت هذه الصحف والمجلات له المكافآت عن هذه الأحاديث والمقالات.. ارفع سماعة تليفونك، واتصل به هو نفسه لتدرك مدي تهلله وسعادته بهذه الهبة التي نزلت عليه من السماء في صورة قرار بمصادرة كتبه".
لذلك، أحيانًا يختلط الحابل بالنابل في هذه القضايا، ويستغلها بعض مدمني الشهرة للوصول إلى مبتغاهم.
قبل فاطمة ناعوت يواجه إسلام البحيري الحبس لمدة عام على برنامجه "مع إسلام" خاصة بعد تكذيبه لعمر السيدة عائشة بنت أبي بكر وقت زواجها النبي، بالإضافة إلى هجومه العنيف على الإمام البخاري وكتب الحديث الستة الشهيرة.
***
من أشهر المحكوم عليه بازدراء الأديان، والتفريق بينه وبين زوجته؛ لأنه بحسب الحكم قد فارق الملة هو الكاتب والباحث الراحل نصر حامد أبو زيد.
أبو زيد اتهمه مجمع البحوث الإسلامية حاضن كهنوت كبار علماء الأزهر بالكفر والردة عن الإسلام والزندقة وأوصي بإبعاده عن التدريس لطلاب الجامعة والمعاهد العلمية، حفاظًا على عقيدتهم ومنع تداول مؤلفاته بين الطلاب والقراء.
وحوكم أبو زيد بسبب أبحاثه وكتبه، وواجه تهمة الارتداد مع المطالبة بالتفريق بينه وبين زوجته، وهو ما أقرته المحكمة، ومن نصر إلى نوال السعداوي، الكاتبة والنسوية المشاكسة، التي واجهت عشرات القضايا كلها تتهمها بالكفر وازدراء الدين في رواياتها ومسرحياتها.
وقبل الثورة بعامين، واجه الشاعر حلمي سالم نفس التهمة ثانية، بسبب قصيدة بعنوان "شرفة ليلى مراد" في مجلة "إبداع" التي تصدر عن مؤسسات وزارة الثقافة، فأصدرت محكمة القضاء الإداريّ المصريّة حكماً بإلغاء ترخيص المجلة لنشرها قصيدة تسيء إلى الذات الالهية. واعتبر الحكم أنه "إذا كانت الصحافة حرّة في أداء رسالتها، إلاّ أنّ هذه الحرّية يجب أن تكون مسؤولة وأن لا تمسّ بالمقوّمات الأساسية للمجتمع العربي والأسرة والدين والأخلاق.
aXA6IDMuMTQ1LjEwOS4xNDQg جزيرة ام اند امز