وزير الاستشراف الجزائري لـ"العين": عصر نهاية النفط قد بدأ
حوار مع بشير مصيطفى وزير الاستشراف الجزائري سابقا يرصد أهم التأثيرات المتوقعة لتراجع أسعار النفط على الاقتصاديات العربية.
يرى الدكتور بشير مصيطفى، وزير الاستشراف الجزائري سابقا ( وزير التخطيط)، أن التراجع الحاد في أسعار النفط حاليا، لا علاقة له بالمضاربات التي اعتادت عليها هذه السوق، ولكنها تعود لأسباب هيكلية تتعلق بـ"أساسيات سوق الطاقة".. ويوضح مصيطفى، في هذا الحوار مع بوابة "العين"، الأسباب التي جعلت استجابة الدول العربية النفطية لهذه الأزمة متفاوتة من بلد لآخر، مقترحا الحلول الاقتصادية التي يراها مناسبة للمواجهة.
هل تعتقدون أن هذا التراجع الحاد في أسعار النفط سيستمر طويلا أم أنه ظرفي فقط؟
هبوط أسعار النفط بالشكل الحاد الذي نعيشه الآن كان متوقعا منذ أكثر من عام ونصف، ولكن الهبوط فاجأ فعلا السياسيين في منظمة أوبك بسبب غياب المقاربات الاستشرافية في المنظومة الاقتصادية للدول التابعة للمنظمة (11 دولة).. أعتقد شخصيا أن مشهد نهاية عصر النفط كطاقة استراتيجية قد بدأ، لأسباب هيكلية نسميها "أساسيات سوق الطاقة" وليس لأسباب ظرفية تتعلق بـ"المضاربات"، مثلما وقع في 1986 .
والأسباب الهيكلية – في رأيي – هي :
- مقاربة مكافحة الاحتباس الحراري أي الحد من درجة انبعاث ثاني أوكسيد الكربون في الجو بين 50 % و 80 % آفاق 2050 كما نصت عليه قمة كانكون واتفاقية كيوتو واتفاقية باريس ( جانفي 2016 ) .
- تراجع الطلب على النفط بشكل محسوس في أمريكا والاتحاد الأوربي تحت ضغط إنتاج النفط الصخري في مرحلة أولى وإدماج الطاقات المتجددة ( الطاقة الشمسية ) في إنتاج الطاقة في مرحلة ثانية، والتراجع يمس أيضا الصين تحت ضغط تراجع النمو.. وهذه هي الرقع الاقتصادية الأكثر تأثيرا في اتجاهات استهلاك الطاقة في العالم .
وأخيرا بروز لاعبين جديدين في سوق النفط هما أمريكا بعد رفع الحظر على تصدير النفط، وإيران بعد رفع الحظر الاقتصادي عليها، وقد تزامن ذلك فعلا مع التراجع الحاد في الأسعار كنتيجة منطقية لزيادة العرض مع تراجع الطلب... وفي السوق الآن فائض نفطي قدره 2 مليون برميل يوميا يستحيل امتصاصه في أقل من 3 سنوات.
ما هي الانعكاسات الاقتصادية المتوقعة لانهيار أسعار النفط على الدول العربية وما هي الحلول الممكنة لها؟
سنشهد على المدى القريب، تراجع موازنات الدول النفطية نحو العجز بدءا من 2016 ( السعودية عجز قدره 100 مليار دولار ، والجزائر متوقع 48 مليار دولار).. كما ستكون ثمة صعوبات مالية في تنفيذ الموازنات المقدرة للعام 2016 ما يدفع لقانون موازنة تكميلي لكل دولة.. سنعرف أيضا تباطؤ الاستثمارات في قطاع النفط وربما توقفها ( العراق مثلا ).. بالإضافة طبعا إلى تباطؤ الاستثمارات خارج قطاع النفط وربما توقفها ( أمريكا و الإمارات مثلا).
أما على المدى المتوسط، ستعرف الدول العربية، تآكلا في النقد الأجنبي، وستضطر إلى اعتماد موازنات تقشفية تتميز برفع منتجات الطاقة وتقليص ميزانية الدعم وميزانيات القطاعات بما فيها القطاعات الاستراتيجية ( الصحة والتعليم ) وتقليص الإنفاق العمومي ( بند التجهيز و بند التسيير ).. وسنشهد أزمة بطالة بفعل تراجع برامج التشغيل وخلق الوظائف.. إلى جانب ذلك سيتراجع معدل النمو وبالتالي الإنتاج داخل هذه الدول.
وستفرض هذه الأزمة على المدى البعيد، التحول للطاقات المتجددة، والاستثمار أكثر في القطاعات خارج النفط، والأخطر من كل ذلك هو التوجه نحو الأسواق المالية للاستدانة الخارجية.
لاحظنا أن الإمارات مثلا أعلنت أنها لم تعد بحاجة للنفط بينما سيصل العجز في دول أخرى لنسب قياسية. لماذا تفاوتت درجة التضرر من انهيار الأسعار بين الدول العربية النفطية برأيكم؟
السبب يعود للسياسات الاقتصادية المتبعة في ظل الارتباط بالنفط (السياسة النقدية والمالية والاجتماعية)، حيث عمدت دول نفطية إلى استثمار فائض النقد الأجنبي في شكل صناديق سيادية للاستثمار في أصول الشركات العالمية والعقار والأوراق المالية، وهي ما أسميها "مقاربة مالية متحركة"، بينما دول أكثر حولتها إلى احتياطي للنقد الأجنبي أي أنها اعتمدت "مقاربة مالية ساكنة"، ما أعطى في الأخير مقاومات مختلفة لوضعية سوق النفط .
أقرت الحكومة الجزائرية على لسان وزيرها للمالية بأنها لم تكن تتوقع هذا الانهيار في الأسعار. هل تعتقدون أن الجزائر دخلت مرحلة الخطر ماليا؟
الجزائر توقعت مشهد تراجع أسعار النفط في 2013.. وشخصيا عرضت على مجلس الحكومة في اجتماعه الأسبوعي في أوت 2013 مشهد تراجع النفط إلى 70 دولارا كمتوسط ( 2012 – 2019 ) لما كنت على رأس كتابة الدولة لدى الوزير الأول مكلفا بالاستشراف والإحصاء، ويومها كان السعر في مستوى 114 دولار للبرميل.. وتم تشكيل لجنة قطاعية ( 18 قطاعا وزاريا ) لإطلاق نموذج نمو مناسب لتمتين المنظومة الاقتصادية في الجزائر وعينت شخصيا على رأسها، ولكن اللجنة لم تعمر أكثر من أسبوعين اثنين.
والآن وبعد سنتين من ذلك العرض تحقق استشرافنا ودخلنا في صعوبات مالية وربما سندخل في صعوبات اقتصادية واجتماعية ما لم تسارع الحكومة إلى الاستثمار في مفاتيح النمو المتسارع وفي الحلول الأكثر فعالية وذكاء، وهي حلول لازالت متوفرة بين أيدينا والحمد لله لأن الاقتصاد الجزائري لم يستنفذ بعد جميع إمكانياته وقدراته .
ما هي البدائل التي يمكن أن تلجأ إليها الجزائر لتعويض اعتمادها على المحروقات؟
يقتضي ذلك تفعيل "رؤية الجزائر 2030 " التي تم تطويرها في قطاع الاستشراف بالجزائر، وهي خطة تنويع الاقتصاد لصالح 13 قطاعا اقتصاديا لا يزال راكدا.. وللوصول إلى ذلك، يجب اعتماد نموذج يحقق معدلات نمو بين بين 7 و 10 % سنويا.. كما يجب إطلاق دينار جزائري جديد لامتصاص فائض السيولة وتطهير السوق النقدية، إلى جانب استحداث وزارة منتدبة للجباية لدعم الموازنة بسياسة وأدوات جبائية جديدة، وإنشاء البنك الوطني للزكاة بهدف الاستثمار الاجتماعي والخيري في حصيلة الزكاة السنوية المقدرة بـ 5 مليار دولار سنويا.. طبعا كل ذلك يمر عبر تطوير العامل البشري والتدريب بإطلاق استثمارات مناسبة في هذا القطاع.
aXA6IDE4LjIwNy4yNTUuNjcg جزيرة ام اند امز