مهرجان القاهرة السينمائي: افتتاح استعراضي وتساؤلات صاخبة
لم يتبدّل الكثير في "مهرجان القاهرة السينمائيّ الدوليّ"، الذي افتُتحت دورته الـ 37 مساء الأربعاء، في ظلّ مناخ ضاغط
لم يتبدّل الكثير في "مهرجان القاهرة السينمائيّ الدوليّ"، الذي افتُتحت دورته الـ 37 مساء الأربعاء 11 نوفمبر 2015، في ظلّ مناخ ضاغط، سياسيًّا وإعلاميًّا وفنيًّا؛ فـتحطّم الطائرة الروسية في شرم الشيخ (31 أكتوبر 2015) شكل مصدر قلق لمعنيين بالمهرجان، بعضهم يسعى إلى تنظيم دورة جديدة لإثبات وجود دولي له، بعد طرح تساؤلات عن مصير الدعوات الموجّهة إلى ضيوف أجانب، على ضوء تقارير صحافية وإعلامية، أفادت أن كثيرين منهم لن يأتوا بناء على طلب من وزارات خارجية بلدانهم.. الناقدة المصرية ماجدة واصف تنفي -بصفتها رئيسة المهرجان- هذا كلّه، مؤكّدة أن ثلاثة ضيوف فقط، بينهم الممثلة الأميركية هيلاري سوانك، لن يلبّوا الدعوات.
أمرٌ كهذا يُحيل إلى الكَمّ الهائل من التعليقات السياسية ـ الوطنية، التي يُدلي بها فنانون مصريون قبيل لحظات على إطلاق الدورة الجديدة، في حفلة لم تُقدِّم الكثير على مستويي الشكل والمضمون.. كذلك لم يكن الصراع الداخلي القائم بشدّة بين النظام الحاكم المدعوم من قِبَل شريحة واسعة من المصريين، و"جماعة الإخوان المسلمين" بشكل أساسي، بعيداً عن مواقف فنانين يرون في النظام الحاكم حالياً خلاصاً لهم ولبلدهم من كلّ خراب أو ضيق.
الغالبية الساحقة من الفنانين المصريين المشاركين في حفلة افتتاح الدورة الـ 37 منتمية إلى جيل مخضرم، أو إلى جيل لاحق به... وهذا جزءٌ من واقع تتالى فصوله عاماً تلو آخر، إذ يؤخذ على السينمائيين الشباب تحديدًا انفضاضهم عن المهرجان، وعدم مشاركتهم في حفلتي الافتتاح والختام، أو في أيامه الـ 10، لكن سينمائيين مصريين شباب أكّدوا مراراً أن لا دعوات وُجِّهت إليهم، وأن لا اهتمام بهم من قبل إدارة المهرجان، وأن الهوّة تزداد اتّساعاً بينهم وبين مهرجان يرون أنه عاجزٌ عن تلبية طموحاتهم الفنية... الممثلة هنا شيحا مثلاً تروي حكاية تلقّيها اتصال من الإدارة في اليوم نفسه لافتتاح الدورة الجديدة، لدعوتها إلى المشاركة في الحفلة، على أن تتوجّه هي بنفسها إلى مقرّ المهرجان لاستلام الدعوة، بينما المخرجة سلمى الطرزي تتساءل بمزيج من المرارة والسخرية عن سبب عدم دعوتها إلى المهرجان، لا في الدورة هذه، ولا في دورات سابقة عديدة له.
بالإضافة إلى هذا؛ فإن سوء التنظيم أدّى إلى غياب مندوبي المهرجان عن دار الأوبرا، حيث تُعرض الأفلام المشاركة (100 فيلم في المسابقة الرسمية والبرامج الموازية لها) كذلك غيابهم عن الفندق الأساسي المخصّص للضيوف العرب والأجانب. صحافيون عديدون لم يستلموا برامج العروض، وبطاقات الدخول إلى العروض كافة، في الوقت المناسب، هذا يؤشّر إلى بلبلة لم تتنصّل منها ماجدة واصف، القائلة بوجود أخطاء ما في التنظيم، تسعى جاهدة ـ بتعاونها مع فريق عمل يُشهد لبعض أفراده بخبرته السينمائية ـ إلى حلّها.
لكن، ماذا عن الميزانية؟ الرقم المتداول يكاد لا يتبدّل من دورة إلى أخرى: 4 ملايين جنيه مصري (ما يُعادل 500 ألف دولار أميركي)، هذا مُعلنٌ، لا تتردّد ماجدة واصف عن التعليق عليه من دون التعمّق بـ "خفايا" المسألة... التساؤلات كثيرة: هل تكفي الميزانية لتغطية تكاليف الدورة؟ من أين يؤتى بالمبالغ المطلوبة؟ ما هو دور الرعاة، ومعظمهم تابع، إما مباشرة أو بشكل غير مباشر، إلى أجهزة الدولة؟ التكاليف كثيرة يعرفها المعنيون بتنظيم المهرجانات، لكن مصادر التمويل تبقى غامضة... في المقابل؛ يسأل أحدهم: "هل من الضروري أن نعرف هذا كلّه؟ أليس الأهم مشاهدة الأفلام ومتابعة ندوات قد تثير حشرية ثقافية ما؟". ربما.
لن يكون "مهرجان القاهرة السينمائي الدولي"، في دورته الـ 37 هذه المنتهية في 20 نوفمبر 2015،"مجرّد مظهر عابر"، كما يُردّد بعض العاملين فيه... يُصرّون على أن الأيام الـ 10 ستكون مثيرة لمتع سينمائية مختلفة، لأن البرنامج غنيٌّ بعناوين متداولة بشكل إيجابي في الغرب، الحصول، مثلاً، على "ديبان" للفرنسي جاك أوديار ("السعفة الذهبية" لمهردان "كانّ" 2015) أمرٌ حسن، اختيار 10 أفلام تمثّل بلدانها في التصفيات الأولى للترشيح الرسميّ لـ "أوسكار" أفضل فيلم أجنبي 2016، أمرٌ حسنٌ بدوره، إشراك فيلمين مصريين اثنين في المسابقة الرسمية محاولة لإعادة تحسين وضع السينما المصرية في مهرجانها الدولي، بعد اضطرابات عديدة واجهتها في دورات سابقة، علماً أن دورة العام 2014 تميّزت بـجرأة اختيار رئيس المهرجان حينها الناقد سمير فريد "باب الوداع" لكريم حنفي،المتميّز بلغته البصرية في مقاربة أحوال الموت والفراق والتمزّقات العائلية والذاتية، وبحساسيته الفنية في معالجة العلاقات المبتورة بين أفراد العائلة الواحدة، وبانحيازه إلى الصمت أداة تعبير وبوح، وفي دورة العام 2015، هناك فيلمان مصريان مشاركان في المسابقة الرسمية: "من ضهر راجل" لمحمد أمين راضي، و"الليلة الكبيرة" لأحمد عبدالله؛ يتابع الأول مسار شاب فقير يكتشف ماضيا مثقلا بأفعال قاسية لوالده، ويتوغل الثاني في الأحياء الشعبية لحظة الاحتفال بـالمولد، حيث تنكشف خفايا الحياة اليومية ومسالكها الصاخبة والمتصادمة والمعقّدة.
اليوم الخميس، 12 نوفمبر 2015؛ تبدأ العروض والندوات واللقاءات المرافقة لأفلام آتية من أنحاء مختلفة من العالم، اليوم يبدأ أيضاً، أو يُتوقّع أن يبدأ سجالٌ من نوع آخر،محوره السينما بامتداداتها ووقائعها وخلفياتها واشتغالاتها.
جوائز تكريم الافتتاح
كرّم مهرجان القاهرة السينمائي النجمة الإيطالية كلوديا كاردينالي، وتم تسلميها جائزة فاتن حمامة التقديرية، بالإضافة إلى تكريم الفنان حسين فهمي بتسليمه الجائزة التقديرية، والفنانة نيللي كريم بجائزة التميز.
aXA6IDE4LjIyNi4xNy4yMTAg جزيرة ام اند امز