الكتب "الأكثر مبيعاً" تُتَّهم بالتسطيح رغم جذبها قراءً جددا
الكتب الأعلى مبيعًا في ميزان جمهورها والمتخصصين.. تقرير يسأل القراء عن اختياراتهم لكتب الـ"بيست سيلر" ويسأل النقاد عن عيوب هذه الظاهرة.
"معرض القاهرة الدولي للكتاب" 2015 شهد ما يشبه "تظاهرة" ثقافية إثر صدور كتاب "حبيبتي" لمغني الراب والشاعر زاب ثروت، إذ حضر حفل توقيعه ما يزيد عن العشرة آلاف شخص. التظاهرة تحولت إلى سجال كبير على مواقع التواصل الاجتماعي؛ إذ هاجمت النخبة المثقفة ثروت وكتابه، معتبرة أن هذه الكتب هي ما تصرف نظر القراء عن الكتب "الأكثر قيمة" إن جاز التعبير. وفي المقابل لم تر أصواتٌ أخرى في الإقبال غير المسبوق على أعمال المغني الشاب أي جديد.
ظاهرة "البيست سيلر" ليست شيئاً مستغرباً، خاصة وأن جمهور الشاب خارج عالم الكتب بالآلاف، عادة ما تتجه هذه الشريحة غير المهتمة بالقراءة والكتب إلى هذا العالم من أبواب "خارجية" كالسينما مثلا، الاهتمام بقراءة الأعمال التي تحولت إلى أفلام سينمائية للارتباط بحكاياتها أو ببعض شخصياتها. كما يتعلق الشباب بكتب الشخصيات العامة من نجوم وسياسيين ومطربين. وهذه الظاهرة عالمية بطبيعة الحال، ففي أمريكا مثلا إذا ما قرر نجم هوليوودي أو نجم غناء شهير في إصدار كتاب سيحصد كتابه ملايين النسخ في وقت قصير، خاصة إذا كان أحد كتب السير الذاتية للنجوم، بما فيه من متعة التلصص على حيوات الآخرين وما تتضمنه من اعترافات.
انسحب السجال عن كتاب زاب ثروت إلى الحديث عن الظاهرة نفسها ودلالاتها ومعناها وجدواها، خاصة أن معظم ما يندرج تحت تصنيف الأعلى مبيعا هي كتب من الأدب "الخفيف" أو التجاري، ما يسمى باسم "أدب البوب". وبطبيعة الحال إن ثقافة "البوب" في طبيعتها جماهيرية وتجارية، ولا تنحصر على الكتب وحدها، بل تنسحب أيضاً إلى السينما والغناء والتشكيل، فروايات مثل "ألعاب الجوع" و"خمسون ظلاً للرمادي" و"لعبة العروش" تعتبر جزءا من ثقافة "البوب" إلى جانب فنانين وفرق موسيقية كـ "بينك فلويد" ومايكل جاكسون و"حرب النجوم" وأفلام السوبر هيروز.
"العين" قصدت "معرض القاهرة الدولي للكتاب"، لتسأل الزوار عن الكتب التي تهمهم ورأيهم في ظاهرة الأكثر مبيعاً"، كما تستطلع رأي الجهات الناشرة.
في معرض الكتاب هذا العام، لم تمنع برودة الجو زائريه من التواجد بكثافة، القاعات وخارجها مليئة بالمهتمين بهذا المحفل السنوي، لكن الكثافة تختلف من دار لأخرى وأمام عناوين مقابل غيرها. روايات مثل "هيبتا" و"انستا حياة" لمحمد صادق، و"تراب الماس" و"الفيل الأزرق" لأحمد مراد من الأعمال التي تتصدر قوائم الأعلى مبيعا لأعوام متتالية، حتى تحولت إلى ظاهرة يسخط عليها الكثير من المهتمين بعالم الأدب والنشر، لكن هذا لم يمنع جمهور كبير من الإقبال عليها.
في المعرض، قابلنا مجموعة من الشباب يحملون هذه العناوين وكتبا أخرى، وبدأنا في الكلام معهم في محاولة لفهم سبب إقبالهم عليها... آمال السيد شابة في بدايات العشرينيات من عمرها، تعبر عن سعادتها بشراء أعمال محمد صادق، نسألها عن سبب حماسها لهذه الروايات؟ تقول: "سبق أن قرأت روايات صادق، بل أملك نسخة من رواية هيبتا ممهورة بتوقيع الكتاب، لكن إعجابي بأعماله دفعني لشراء نسخة لصديقتي". وتضيف آمال "في الواقع لا أحب كل روايات أحمد مراد، أحب الفيل الأزرق أكثر من غيرها، وقد قرأتها بعد أن شاهدت فيلم كريم عبد العزيز في السينما وأحببت الفيلم جداً وأحببت الرواية أكثر بعد مشاهدة الفيلم".
لا تعتبر آمال أن القراءة من هواياتها المفضلة، وتستثني من ذلك الروايات التي تقتنيها لصادق وغيره وذلك لأن "هذه الروايات ممتعة، مثل متعة مشاهدة الأفلام تماماً وفيها الكثير من الجمل التي كتبتها على فيسبوك لأنها أثرت فيّ وتشبهني جدا".
يوافقها في الرأي شريف سامح الشاب الجامعي، الذي يحمل أكثر من نسخة من رواية "1919" لأحمد مراد وعناوين لروائي يدعى عمرو الجندي، ويقول "أعشق روايات أحمد مراد، وغالباً لا أنجح في التوقف عن قراءتها لحين أنتهي من قراءة كل صفحاتها". أما روايات عمرو الجندي فيقول شريف إنه اشتراها بناء على نصيحة صديق أكد له أنها ممتعة كروايات مراد.
لا يتردد شريف في نقد روايات "المثقفين" فيقول، "حاولت السنة الماضية قراءة بعض الكتب التي يقول عنها أصدقائي المثقفون إنها مهمة ولم أستطع أن أكملها، جربت مثلاً أن أقرأ رواية لجمال الغيطاني وفي الحقيقة وجدها لغتها صعبة جدا ولم أنجح في فهم مضمونها، ما دفعني إلى السؤال عن الغاية في استخدام هذه اللغة الصعبة"، ويستطرد شريف "قد يكون نجاح الكاتب الفعلي في الوصول إلى جمهور أوسع من القراء الشباب والكبار، هو كتابة أفكاره الشيقة والعميقة بلغة سلسلة وسهلة الفهم، لماذا يصعّبون علينا اللغة لهذه الدرجة؟".
هنا يجد البعض أن المشكلة ليست في الروايات الأدبية الكلاسيكية الأسلوب والكتابة بأسلوب "صعب"، والعميقة، بل في مستوى الجيل الجديد الذي يعاني من ضعف واضح في الثقافة العامة والقراءة والقدرة على فهم كتب فكرية وأدبية لا بد من قراءتها.
من جهته الناشر أحمد سعيد عبد المنعم مدير دار الربيع العربي يحاول تفسير الظاهرة من وجهة نظره، ويقول لـ"العين": "إن كتب "البيست سيلر" في مصر غالبا ما تكون الكتب التي تعرف كيف تداعب مشاعر الشباب، لا ترجى منها صنعة فنية جيدة أو قيمة مضافة، هي "زغزغة" لما يريدون أن يقرأوه، لكنها لا تنجح في جذب هذا الجيل إلى عالم القراءة بالفعل، بل تنجح في حصر قراءتهم في هذا النوع وحده"، وهل هذه مشكلة؟ نسأل عبد المنعم، فيوضح "في الوقع، قد لا تكون هذه مشكلة كبيرة، فأدب البوب ظاهرة عالمية غير قاصرة على مصر وحدها، لكن المشكلة أن كتّاب هذا النوع وجمهورهم يرون أن هذا هو "كل الأدب" بل ويزايدون على الكتب الجيدة لأنها لا تبيع مثلهم، وهذا المعيار فاسد وباطل".
من جهته يقول الشاعر والكاتب محمود عاطف "أحد أسباب انتشار كتب البيست سيلر هو دفق المعلومات المهمة وغير المهمة على شبكة الإنترنت وسيل المعلومات على السوشيال ميديا تحديداً، وقدرة هذه المواقع على إيصال صوت وكتابات ضعيفة، ومع هذا تستطيع أن تنال "لايكات" المئات وربما الآلاف، مما يجعلها تبدو مهمة وذات قيمة، وهذا ما يجعل كاتبها ناجحا، من دون أن يكون قد قدم إضافة إلى عالم المعرفة وعالم الأدب". ويشرح عاطف، السوشيال ميديا، كما بات معروفاً، تصنع النجوم، سواء أكانوا يستحقون ذلك أم لا، ونجد هؤلاء يصدرون الكتب، ومن الطبيعي أن تكون مبيعاتهم بالآلاف، وزاب ثروت مثال على ذلك..".
اعتراض النقاد على كتب "الأكثر مبيعاً"، تثير حفيظة الكثيرين، الذي يروون أن النقاد يريدون كل القراء أن يتذوقوا نفس الأعمال، وأن يكون لديهم جميعاً المستوى الثقافي عينه، لكن شريف يقول بالمقابل: "إن تحقيق كتب "النجوم" لأرقام مبيعات عالية ليس ما يزعجه، بل ما يعترض عليه هو تصنيف هذه الأعمال كأعمال أدبية عريقة وإنتاجات ثقافية مميزة، في حين أنها إما من الأدب الشعبي أو البوب". ويضيف "بهذا المعنى نحن نختلف عن الغرب، إذ نجد هناك تصنيفات واضحة "البوب فيكشن" والأدب الجاد".
aXA6IDMuMTQ1LjEwOC40MyA= جزيرة ام اند امز