أنغولا.. أرض الفرص التنموية الشاملة والمستدامة

انتعاشة قوية شهدها اقتصاد أنغولا خلال 2024، حيث سجّل الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي نموًا بنسبة 4.4%.
معدل النمو الأعلى في أنغولا منذ أكثر من عقد جاء مدفوعاً بتعافي قطاع النفط، إلى جانب ديناميكية قوية في القطاعات غير النفطية، وخاصة التعدين والتجارة والزراعة؛ وفقاً لبيانات البنك الدولي المتاحة في تقرير نُشر يوليو/تموز 2025.
ولا تزال أنغولا تواجه تبعات الركود العميق الذي شهده الاقتصاد بين عامي 2016 و2020، حيث تراجع الناتج المحلي الإجمالي بنحو 10.4% خلال تلك الفترة، وقد ساهم الاعتماد الكبير على النفط إلى جانب تحديات هيكلية في جعل الاقتصاد هشاً أمام تقلبات الأسعار العالمية، بحسب البنك الدولي.
اقتصاد كلي مستقر.. وآفاق معتدلة
ظلت التوازنات الاقتصادية الكلية مستقرة، لكن ما زالت هناك مصادر هشاشة. فقد تحسّن الحساب الخارجي بشكل كبير في عام 2024 بفضل انخفاض واردات الوقود المكرر، وهو ما ساعد على تعزيز الاحتياطيات الدولية واستقرار سعر الصرف. وحافظ البنك المركزي على سياسة نقدية مشددة لمكافحة التضخم، الذي بقي مرتفعًا عند 28.2% في عام 2024، كما شهد سعر الصرف الفعلي الحقيقي ارتفاعًا حادًا.
وتراجعت المالية العامة قليلًا في 2024، حيث بلغ العجز المالي حوالي 1.2% من الناتج المحلي الإجمالي رغم تحسن الإيرادات. وانخفض الدين العام إلى 71% من الناتج المحلي الإجمالي مدعومًا بالنمو القوي في الناتج الاسمي. غير أن مدفوعات الفائدة المرتفعة على الدين العام، والتي بلغت 6.1% من الناتج المحلي الإجمالي في 2024، أدت إلى تقليص الإنفاق في قطاعات حيوية مثل الصحة والتعليم والحماية الاجتماعية.
وتظل الآفاق الاقتصادية معتدلة، بينما ازدادت المخاطر. فمن المتوقع أن يبلغ متوسط نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي 2.9% خلال الفترة 2025–2027.
كما يُتوقّع أن تواصل أنغولا تسجيل فوائض في الحساب الجاري، وإن كانت متناقصة، مع بقاء وضع الاحتياطيات الخارجية قويًا. ومع ذلك، فإن المخاطر المرتبطة بالآفاق الاقتصادية قد ازدادت في ظل حالة عدم اليقين العالمي ونتيجة لانخفاض أسعار النفط، مما يبرز الحاجة إلى قيام أنغولا بتنفيذ إصلاحات تهدف إلى تنويع الاقتصاد وتقليل الاعتماد على النفط.
وحسب قاعدة بيانات وحدة الاستخبارات الاقتصادية (EIU) التابعة لمجموعة الإيكونوميست البريطانية، سيعتمد نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي لأنغولا على أسعار النفط العالمية، ثم على انتعاش إنتاج الهيدروكربونات. ومن المتوقع أن يتسارع نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي إلى 3.7% في 2028. كما من المتوقع أن تكون السنوات الخمس المقبلة أفضل من السنوات الخمس السابقة من حيث التنمية الاجتماعية والاقتصادية.
التنمية الشاملة.. مسار تنافسي للتنوع والنمو
ورغم ثروة أنغولا النفطية -تُعرف بكونها ثالث أكبر دولة منتجة للنفط في أفريقيا- إلا أنها تواجه مستويات مرتفعة من عدم المساواة والإقصاء، خاصة في المناطق الريفية حيث يفتقر الكثير من السكان إلى الوصول إلى الخدمات المصرفية الرسمية.
وتعزّز التنمية المالية الشاملة المشاركة الاقتصادية والقدرة على الصمود، وتساعد في دفع عجلة التقدم الاقتصادي المستدام طويل الأمد وكسر حلقة الفقر. فعندما يتمكّن أصحاب المشاريع الصغيرة والمزارعون ورواد الأعمال من الحصول على الخدمات المصرفية والائتمان والتأمين وأدوات مالية أخرى، فإنهم يصبحون قادرين على الاستثمار في ريادة الأعمال، مما يؤدي إلى زيادة الإنتاجية وخلق فرص عمل جديدة.
كما تتيح لهم هذه الإمكانات توجيه إنفاق أكبر نحو التعليم والرعاية الصحية. بالإضافة إلى ذلك، يساهم الشمول المالي في تقليل التفاوت في الدخل من خلال توفير فرص للفئات المهمشة لبناء أصول وإدارة المخاطر المالية.
وتتعرض أنغولا لضغوط متزايدة من صندوق النقد الدولي لتشديد ميزانيتها منذ عام 2023، عندما خفضت دعم الوقود آخر مرة.
وتتواصل جهود حكومة رئيس البلاد جواو مانويل غونسالفس لورينسو، في ضبط المالية العامة ضروري، حيث تمثل الإعانات حوالي 4% من الناتج المحلي الإجمالي، ويتجاوز الدين 60% من الناتج المحلي الإجمالي.
وكان دعم الوقود لعام 2024، قد بلغ نحو 3 مليارات دولار، ما يُعادل ميزانية 1400 مشروع للبنية التحتية والتنمية. ومن بين هذه المشاريع، تمّ تعليق 500 مشروع بسبب القيود المالية.
ويرى المحللون إن جزءاً من المشكلة يكمن في اعتماد أنغولا الكبير على النفط، الذي يُشكل حوالي 60% من إيرادات الحكومة و95% من الصادرات. ومع ذلك، لا تُنتج البلاد سوى حوالي 30% من استهلاكها المحلي من الوقود من مصفاة النفط الوحيدة لديها، والتي يعود تاريخها إلى الحقبة الاستعمارية.
وعلاوة على ذلك، استندت أنغولا في ميزانيتها لعام 2025 على سعر نفط يبلغ 70 دولاراً للبرميل، لكن العقود الآجلة لخام برنت تُتداول في نطاق 60 – 68 دولاراً منذ أن أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن زيادة حادة في الرسوم الجمركية.
وقد بدأ الإنتاج التجاري للنفط في أنغولا في منتصف خمسينيات القرن الماضي. وكانت الحكومة قد صرحت بأنه بحلول عام 2024، ستحقق صادرات النفط إيرادات بقيمة 31.4 مليار دولار؛ أي ما يزيد عن 10 أضعاف المبلغ المُنفق على دعم الوقود.
- استدامة وازدهار.. الإمارات وأنغولا نموذج لشراكة تنموية فاعلة
- الإمارات وأنغولا.. علاقات اقتصادية تعزز التنمية المشتركة
تحول طاقوي.. وطفرة الغاز الطبيعي
في السنوات الأخيرة بدأت أنغولا تركز بشكل أكبر على الغاز الطبيعي، خاصة مع تزايد الطلب العالمي على الطاقة النظيفة نسبياً مقارنة بالنفط.
وتخطط أنغولا، وفق تقرير منصة "وورلد نيوز إنيرجي"، لزيادة صادرات الغاز إلى أوروبا وآسيا، بجانب تلبية الطلب المحلي، مع توقع ارتفاع الإنتاج بأكثر من 20% خلال السنوات الخمس المقبلة، بينما يظل إنتاج النفط ثابتاً رغم انسحاب البلاد من منظمة "أوبك" نهاية 2023.
الأحواض الغنية بالنفط والغاز في أنغولا تتيح إمكانية اكتشاف مزيد من احتياطيات الغاز، مع إمكانية حفر بئر ثانٍ قد يتم خلال عامين. كما أن البنية التحتية قرب أول اكتشاف في بئر جاجاجيرا ستسهم في تطوير المشروع.
وتشير التقديرات الأولية إلى أن البئر يحتوي على أكثر من تريليون قدم مكعب من الغاز، وما يصل إلى 100 مليون برميل من المكثفات.
وكشفت البيانات أن صادرات الغاز الطبيعي خلال الربع الثاني بلغت 1.35 مليون طن متري، بارتفاع 19.1% عن الربع الأول، مع الهند وإسبانيا كأكبر الأسواق.
ورغم ذلك، لا تزال إيرادات الغاز تشكل جزءًا ضئيلا من عائدات النفط التي بلغت 5.6 مليار دولار في نفس الفترة.
وتخطط أنغولا لاستثمار نحو 60 مليار دولار خلال السنوات الخمس المقبلة في النفط والغاز، مع حفر 23 بئراً استكشافياً، منها 11 بئراً بحرياً.
كما يأتي مشروع سانها لين الجديد للغاز، بقيادة شيفرون والكونسورتيوم - تحالف شركات- وبقيادة أزول، في صدارة جهود زيادة الإنتاج، في حين يشكل تطوير حقل كويلوما–مابوكويرو المقرر بنهاية 2025 اختبارا حقيقيا لتحقيق عوائد الغاز.
وعلى صعيد آخر، يُتوقَع انخفاض إنتاج النفط في أنغولا إلى نحو مليون برميل يوميًا بحلول 2027، مع إمكانية المحافظة مستواه الحالي إذا استمرت خطط الاستثمار والتطوير.
وفي المقابل، أصبح الغاز عنصراً استراتيجياً لأنغولا لتنويع الاقتصاد وتقليل الاعتماد على النفط الخام.
وأصبحت شركة أزول إنرجي الآن أكبر شركة مستقلة لإنتاج النفط والغاز في أنغولا، حيث تمتلك موارد صافية تبلغ ملياري برميل مكافئ، ومن المتوقع أن ينمو إنتاجها ليصل إلى حوالي 250 ألف برميل مكافئ يوميًا خلال السنوات الخمس المقبلة. وتمتلك الشركة حصصا في 16 ترخيصا (منها 6 مناطق استكشاف)، بالإضافة إلى مساهمة في مشروع مشترك مع شركة أنغولا للغاز الطبيعي المسال.
فرص واعدة للتكنولوجيا المالية
ومع صعود الخدمات المصرفية الرقمية وأنظمة الدفع عبر الهاتف المحمول، تملك أنغولا فرصة لتوسيع نطاق الخدمات المالية إلى الفئات المحرومة، مما يعزز المرونة الاقتصادية ويدعم التنمية الشاملة.
ومن خلال الإصلاحات المناسبة، يمكن لقطاع مالي أقوى وأكثر شمولًا أن يدعم أنغولا في تنويع اقتصادها والعثور على محركات جديدة للنمو وخلق فرص العمل.
ويُعد ضمان الوصول الشامل إلى الخدمات المالية خارج العاصمة لواندا أمرًا بالغ الأهمية، في وقت تسعى فيه أنغولا إلى تنويع اقتصادها عبر تنمية النشاط الاقتصادي وسلاسل القيمة في ممر لوبـيتو وتعزيز المدن الثانوية.
وتُظهر التجارب أن التقدم في الحلول الرقمية مثل الخدمات المصرفية عبر الهاتف المحمول لعب دورًا محوريًا في توسيع نطاق الخدمات المالية إلى المناطق النائية، مما جعل الشمول المالي ركيزة أساسية في التنمية الاقتصادية والاجتماعية. كما تستفيد المشروعات الصغيرة والمتوسطة من الأنظمة المالية الشاملة عبر الحصول على التمويل اللازم للنمو والابتكار.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMiA= جزيرة ام اند امز