الجيشان المصري والسوري كسرا في معركة أكتوبر أسطورة الجيش الذي لا يقهر، وأكدا قدرة المقاتل العربي على الصمود وتحقيق النصر
كسر الجيشان المصري والسوري في معركة أكتوبر أسطورة الجيش الذي لا يقهر، وأكدا قدرة المقاتل العربي على الصمود وتحقيق النصر.
بعد مفاوضات طويلة ومضنية، استمرت أكثر من ست سنوات، في محاولة من سوريا ومصر لإجبار الكيان الصهيوني على تطبيق قرار مجلس الأمن الدولي رقم 242، الذي رفض استمرار احتلال "إسرائيل" للأراضي العربية التي استولت عليها في حرب يونيو/حزيران عام 1967م، توصل الرئيسان المصري أنور السادات والسوري حافظ الأسد إلى أهمية كسر الجمود في المفاوضات بشن حرب "تحريرية" تجبر العدو على الانسحاب من سيناء وهضبة الجولان.
وفي السادس من أكتوبر/تشرين الأول عام 1973م، شنّت مصر وسوريا، بتنسيق مشترك، هجوماً مباغتاً على قوات الاحتلال "الإسرائيلي". وتمكن الجيشان في المراحل الأولى للحرب من تحقيق نجاحات حقيقية وباهرة في ساحة المواجهة.
كسر الجيش المصري خط بارليف، وتوغل عميقاً شرقي القناة لمسافة بلغت خمسة عشر كيلومتراً، على طول الجبهة المصرية. وبالمثل تمكن الجيش السوري من اختراق التحصينات "الإسرائيلية"، وتقدم عميقاً في مرتفعات الجولان المحتل.
لكن جيش الاحتلال استعاد الموقف الهجومي، بعد أن استفاق من هول الصدمة. وكان الدور الأمريكي في التعويض عن خسائر "إسرائيل" من السلاح حاسماً، حيث تشكل سريعاً جسر جوي لنقل السلاح مباشرة من أمريكا إلى جبهات الحرب، بما في ذلك الدبابات والأسلحة الثقيلة. وكان لذلك أثر كبير في تغيير مسار الحرب.
لقد حملت تلك الحرب، رغم ضراوتها وضخامة التضحيات التي بذلت فيها، هدفاً ضئيلاً محدوداً، أكدت أحداث السنين اللاحقة الخلل الفادح بين قدرة السلاح وعجز السياسة. وأن التلازم بين السلاح والسياسة ينبغي أن يكون متكافئاً، بل إن فعل السياسة في حالات كثيرة ينبغي أن يكون الأقدر على تحقيق الأهداف الكبرى
ورغم ما حدث من تغير في مسار جبهات القتال، في الأيام الأخيرة، لمصلحة الكيان، فإن الحرب انتهت بما يقترب من التعادل. فالقوات المصرية التي عبرت القناة بقيت في شرقها، بعد وقف إطلاق النار على الجبهة المصرية. وبالمثل بقيت القوات "الإسرائيلية"، التي عبرت ثغرة الدفرسوار، غربي القناة، إلى ما بعد تنفيذ مبادرة هنري كيسنجر، مستشار الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون، التي عرفت بالمرحلة الأولى من فصل القوات بين الجيشين المتحاربين.
وعلى الجبهة السورية، تمكن كيسنجر من إنجاز اتفاق مرحلة أولى لفصل القوات بين الجيشين السوري و"الإسرائيلي" في هضبة الجولان، تمكنت سوريا بموجبه من استعادة مدينة القنيطرة.
لقد كسر الجيشان المصري والسوري في معركة أكتوبر أسطورة الجيش الذي لا يقهر، وأكدا قدرة المقاتل العربي على الصمود وتحقيق النصر، متى ما توفرت له الإمكانات والإرادة لتحقيق ذلك. وكشفت تلك الحرب أيضاً عن الإمكانات الهائلة التي يحققها تضامن العرب مع بعضهم بعضاً.
وقد أسهم الجيشان العراقي والجزائري، بشكل فاعل، في تلك المعارك، وقدمت المملكة العربية السعودية وبقية دول الخليج العربية مختلف أشكال الدعم للجبهتين؛ المصرية والسورية. وأسهم النفط، ولأول مرة في تاريخ الصراع مع العدو، في معركة العبور، حين جرى التهديد بقطع الإمدادات النفطية عن الدول التي تساند العدوان الصهيوني على الأمة العربية. وجرى تنفيذ ذلك بالفعل حتى تغيرت الظروف وحصل الانتقال السياسي في النظرة إلى طبيعة وشكل الصراع، واتجهت المنطقة بأسرها نحو خيارات سياسية واستراتيجية بديلة.
وكشفت نتائج تلك الحرب أيضاً عن محدودية أهدافها، حيث لم يكن الهدف العسكري منها هو تحرير الأراضي التي احتلت من قبل "إسرائيل" عام 1967م، ولكنها هدفت لكسر الجمود في المفاوضات التي بدأت بعد الحرب مباشرة على قاعدة تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي 242. ولذلك تم وسم تلك الحرب بأنها حرب تحريك وليست حرب تحرير.
لقد حملت تلك الحرب، رغم ضراوتها وضخامة التضحيات التي بذلت فيها، هدفاً ضئيلاً محدوداً، أكدت أحداث السنين اللاحقة الخلل الفادح بين قدرة السلاح وعجز السياسة. وأن التلازم بين السلاح والسياسة ينبغي أن يكون متكافئاً، بل إن فعل السياسة في حالات كثيرة ينبغي أن يكون الأقدر على تحقيق الأهداف الكبرى.
بمعنى آخر، أنه ليس يكفي الاقتدار العسكري لتحقيق الأهداف، بل لا بد من إدارة مقتدرة على استثمار النصر، وتوجيهه لاكتساب المزيد من المنجزات السياسية. وذلك للأسف ما كان مغيباً في نتائج معركة العبور.
لقد دخل الجيشان المصري والسوري المعركة ضمن أرضية واحدة وهدف من المفترض أن يكون واحداً، وكان التنسيق بين القيادتين قبل الحرب يكاد يكون كاملاً. ولكن الطرق والأجندات افترقت بين القيادتين الحليفتين بعد اندلاع الحرب بأيام قليلة. لقد كانت الوقفة التعبوية التي أعلنها الرئيس السادات على الجبهة المصرية وبالاً على الجيش السوري، حيث تفرغت قوات الاحتلال "الإسرائيلي" للقتال بما يقترب من الأمان على الجبهة السورية. وكان لذلك تأثير مباشر وكبير في مجرى الحرب في مرتفعات الجولان.
وللأسف، فإن غياب التنسيق بين الجيشين بلغ حد اختلاف الأجندات بينهما، بما أسهم في غياب الثقة بين القيادتين وتوجيه تهم الخداع. ففي الوقت الذي تصورت فيه القيادة السورية أن القتال سيتواصل حتى يتم تحرير الجولان، وأن الجيش المصري لن يوقف القتال، قبل الوصول إلى ممري متلا والجدي في سيناء، توقف القتال على الجبهة المصرية، واستمر القتال على الجبهة السورية.
ذلك كله لا يمنع من توجيه تحية إكبار وإجلال للجندي العربي وللشهداء الذين صنعوا المستحيل وحطموا أسطورة الجيش الذي لا يقهر.
نقلاً عن "الخليج"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة