رشيد الضعيف في روايته ألواح .. الكتابة لعلاج الأزمات النفسية
رشيد الضعيف يروي لنا في بداية الرواية، عن أيامه عندما كان صبيًّا، وعن عائلة فقيرة "مستورة" وعن شبه الجوع.
رواية الكاتب اللبناني رشيد الضعيف "الواقعية" التي حملت عنوان "ألواح" جاءت أقرب إلى سيرة ذاتية غير كاملة. يحمل غلاف الكتاب خلاصة لما يتضمنه ومن ذلك قول رشيد الضعيف عن تاريخ مولده، حيث تطرق إلى ولادته في نفس تاريخ القنبلة الذرية التي ألقيت على هيروشيما في 6 أغسطس/آب 1945.
رشيد الذي حمله تزامن الحدثين المتناقضين مسؤولية كبرى قرر أن يكتب عن: الأب الذي لم يحسن عملا قام به .. عن الأم الجميلة المؤذية ببراءتها .. عن الجد الذي حببه بالغناء .. وصولًا إلى نتالي الباريسية الحسناء، عن مشاعر مجرد الشعور بها مدعاة للخجل فكيف بالبوح بها؟
جاءت الرواية في 159 صفحة متوسطة القطع مع لوحة غلاف للفنان بيكاسو وصدرت عن دار الساقي في بيروت. ورشيد الضعيف أستاذ جامعي ولد في التاريخ الذي ذكره في بلدة إهدن الشمالية التي هي المصيف لأهلها بينما المشتى في زغرتا.
كتب رشيد الضعيف الشعر والرواية، وترجمت أعماله الروائية إلى عدة لغات أجنبية ومن هذه الأعمال (تصطفل ميريل ستريب) و(عودة الألماني إلى رشده) و(أوكي مع السلامة) و(ليرنينغ إنغليش) و(ناحية البراءة) وغيرها.
أما القول إن هذا العمل هو أقرب إلى سيرة ذاتية غير كاملة فمرده إلى أن الكتابة القصصية حتى المغرق في الواقعية منها هي في النتيجة عمل انتقائي إلى حد بعيد فما من نقل حرفي للواقع كما هو تماما يصلح لأن ينتج عملًا قصصيًّا فنيًّا.
بدأ رشيد الضعيف روايته عن فترة مبكرة من عمره وجعلنا ننتقل خطوة خطوة أحيانًا في بعض أحداث حياته وحياة عائلته.
لكن بعد فترة من مسيرة الرواية، وخاصة عندما أصبح بطلها رجلًا، أخذ الكاتب ينتقي مراحل ومحطات مهمة من حياته ليرويها لنا، ومنها إصابته بشظية خلال الحرب اللبنانية وانتقاله إلى باريس من أجل فتاة أحبها وصولًا إلى خاتمة الرواية، ويصف كيف أنه بعد سنة 1975 التي نشبت فيها الحرب الأهلية توقف عن النضالات الحزبية اليسارية التي كان يقوم بها.
في بداية الرواية يعرفنا الكاتب بنفسه تحت عنوان (حقيقتي)، ويروي لنا رشيد الضعيف عن أيامه عنما كان صبيًّا، عن عائلة فقيرة "مستورة"، وعن شبه الجوع أو فلنقل "عدم الشبع" بشكل جيد، إلا أنه يتحدث أيضًا عن ليال دافئة كانت تمضيها العائلة الكبيرة في بيتها الصغير الضيق.
ويورد للقارئ قصصًا عديدة عن "سادية" كانت تتحكم في رفاقه وفيه طبعًا كانت تتجسد في ميل، بل في لذة بتعذيب الحيوانات الضعيفة والحشرات والطيور كما يتكلم عن الحزازات العائلية وعن الروابط العائلية كما كانت تبدو له يومذاك.
تحت عنوان هو (مهنة والدي) يتكلم بصراحة لا تجمل الأشياء فيقول "كنت دائمًا أعجب ولا أزال أن تكون مهنة والدي الحلاقة .. أقول ذلك لأن والدي لم يكن أنيقًا ولا مهتمًّا بالموضة .. ولا محدثًا لبقًا ولا ثرثارًا ولم يكن نظيفًا نظافة حلاق .. خلق والدي ليكون مزارعًا، ثم مات باكرًا في التاسعة والخمسين من العمر (أنا الآن أكبر منه بـ11 سنة)".
رشيد الصريح والشديد الجرأة يكتب تحت عنوان هو (الكتابة والعلاج) فيقول: "قد تكون الكتابة نوعًا من العلاج للأزمات النفسية التي يعانيها الكاتب .. وقد تكون الكتابة شهادة وقد تكون صرخة .. وقد تكون فعل إذلال للنفس أو فعلًا مجانيًّا أو تمرينًا على شيء ما."