وزيرا ري سابقان لـ"العين": سد النهضة خطر وعلى مصر مواجهته
خبير قانوني: لا يحق للقاهرة اللجوء للتحكيم الدولي
مع استمرار إثيوبيا في بناء سد النهضة، تثور في مصر مطالبات متعددة بضرورة اتخاذ موقف أكثر حسمًا في مواجهة الحكومة الإثيوبية
مع تفاقم أزمة سد النهضة الإثيوبي، أكد خبراء في الموارد المائية والري ضرورة اللجوء إلى الملف القانوني، وعدم الاقتصار على الملفين الدبلوماسي والفني فقط في مواجهة الأزمة، خصوصا أن مصر لها حق في مياه النيل ليس لأي دولة الجور عليه.
الدكتور أيمن سلامة -خبير القانون الدولي، عضو المجلس المصري للشئون الخارجية- فجَّر مفاجأة بشأن الملف القانوني للأزمة، وقال لـ"العين" إن المادة العاشرة من اتفاقية إعلان المبادئ لسد النهضة الإثيوبي الموقَّعة في الخرطوم في 23 مارس 2015، حددت الآليات التي تلتزم الدول بها لتسوية نزاعاتها حول تفسير أو تنفيذ بنود الاتفاقية؛ حيث أشارت إلى اللجوء لعقد المفاوضات والوساطة والتوفيق، وإسناد النزاع إلى رؤساء الدول الثلاث، مصر والسودان وإثيوبيا.
وتابع عضو المجلس المصري للشئون الخارجية: "ومن ثم فليس للدول الثلاث أية سلطة في الخروج عن هذه الآليات التي ارتضتها، وذلك إذعانا لديباجة الاتفاقية المشار إليها، والتي نصت على التزام الدول الأطراف بكل ما انطوت عليه".
وأكد أستاذ القانون الدولي العام، أن المفاوضات هي الوسيلة الأكثر فاعلية في تسوية النزاعات الدولية، وذلك بلغة الأرقام والدراسات والإحصاءات التي صدرت عن منظمة الأمم المتحدة بالنسبة للعديد من المنازعات الدولية في العقود الأخيرة، مضيفا أنه يمكن أيضًا أن تلعب الوساطة في ذات الوقت دورها في تحفيز المفاوضات وتشجيع المفاوضين على تحقيق النتائج المرضية لكل الأطراف المتنازعة، والخروج من الأزمة بشكل جيد.
وقال سلامة: إن الحديث عن القضاء أو التحكيم الدوليين لم تنص عليهما الاتفاقية من قريب أو بعيد، واستطرد "فضلا عن أن أحبال هاتين الآليتين لتسوية النزاعات الدولية طويلة جدا إذا قورنت بالوسائل الدبلوماسية المنصوص عليها في الاتفاقية، سواء كانت المفاوضات أو الوساطة أو التوفيق".
وشدد سلامة على ضرورة توافر مبدأ حسن النية فيما يتعلق بعموم المفاوضات والمناقشات التي تدور حول أطراف النزاع على سد النهضة، مؤكدا على أن حُسن النية لا بد أن يكون المُحرك الأساسي للأطراف الثلاثة في تنفيذ البنود الواردة في الاتفاقية، وقال سلامة "وفقا لأحكام القانون الدولي فإن الإجراء التحضيري لفعل غير مشروع لا يمكن وصفه بالعمل غير المشروع"، موضحا أن كل ما تقوم به إثيوبيا حاليا "تحضيري"، لذلك لن تواجه به عقوبة قانونية.
وكان عدد من الخبراء والمتخصصين في مجال الموارد المائية، والمتابعين للأزمة المصرية الإثيوبية بشأن سد النهضة، أكدوا ضرورة تحرك مصر في الاتجاه القانوني لإثبات حقها في حصتها الكاملة من مياه النيل، وعدم بناء السد على شكله الحالي كي لا يؤثر على حقوق مصر التاريخية والقانونية، وعدم اكتفاء الحكومة المصرية بالعمل على الملفين الفني والدبلوماسي لسد النهضة.
يأتي هذا بينما تتعمد الحكومة الإثيوبية الضغط على مصر في ملف سد النهضة، بما يهدد بالتأثير سلبًا على حصة مصر من مياه النيل.
وقال الدكتور محمد نصر الدين علام -وزير الموارد المائية والري سابقا، لـ"العين"-: إن مصر لا قِبَل لها بتداعيات أزمة سد النهضة الإثيوبي، الذي يستمر تشييده في الفترة الحالية، وسط محاولات مصرية للوصول لحل مع الحكومة الإثيوبية، كي لا تتأثر مصر سلبا ببناء السد.
وأضاف علام أن الحكومة الإثيوبية متمسكة بوجهة نظرها في بناء السد، ولا تفكر سوى في مصلحتها الخاصة القائمة على استكمال السد، وهو أمر طبيعي، مشيرا إلى أن احتمالات وقف بناء السد أو تغيير المخطط الإثيوبي من أجل مصالح مصر أمر غير منطقي، وأنه يتعين على الحكومة المصرية أن تتحرك بشكل جدي وأكثر سرعة كي لا تحدث أزمة يصعُب مواجهتها.
ولفت علام إلى ضرورة الحشد الدولي ضد فكرة بناء السد، والتحرك على كافة الأصعدة، وبحث التدخل القانوني في الأمر، واللجوء للمحاكم الدولية، لأن الأمر يستلزم التصعيد لأقصى درجة، مشددا على أن جميع المخاوف التي يتم تداولها عن "عطش مصر" من جراء بناء السد هي أمور حقيقية ولا تحمل أي مبالغة.
من جانبه، قال الدكتور محمود أبوزيد، وزير الري الأسبق، لـ"العين": إن الأمور تتسارع ضد مصلحة مصر فيما يتعلق باستكمال بناء سد النهضة، مضيفا أن الموقف المصري "مخيب للآمال"، خصوصا أن الحكومة المصرية تنتظر دراسات فنية وأمامها الكثير من الوقت لتنتهي، وهو ما لن تنتظره إثيوبيا تحت أي ضغط.
وأشار أبوزيد إلى أنه لا بد من استغلال جميع الثغرات والتصريحات والمواقف الرئاسية لشركاء مصر من دول حوض النيل لصالح الدولة المصرية، موضحًا أنه غير متفائل بالموقف المصري.
إلى ذلك، قال الدكتور ضياء القوصي، خبير الموارد المائية، لـ"العين": إنه حتى الآن لا توجد حلول واضحة للأزمة الراهنة، وإن الجانب المصري لديه مرونة غير معلومة الأسباب، في مقابل تعنت شديد من الجانب الإثيوبي، مضيفا أنه في الوقت نفسه هناك موقف سوداني متراجع، يدعم إثيوبيا على حساب مصر، على الرغم من وجود اتفاقية تم عقدها بين الجانبين المصري والسوداني عام 1959، انطوت على ضرورة وقوف مصر والسودان إلى جوار بعضهما البعض، فيما يتعلق بجميع الأزمات والاتفاقيات التي تخص حوض النيل.
وأوضح القوصي أن مصر لديها اعتراض على الموقف السوداني الذي لم يراعِ الاتفاقية سالفة الذكر، أو الالتزام الأخلاقي بين الطرفين، وتابع "بخلاف أن السودان لا تأمن الجانب الإثيوبي، بالإضافة إلى أنها تجاهلت التغيرات المناخية التي ربما تأتي بفيضان قليل أو عارم يضرها بدلا من أن ينفعها".
ولفت الخبير إلى أن الأسس التي قام عليها السد "واهية"، وأن انهياره أمر وشيك الحدوث، وهو ما سيسبب أزمة أيضا حال حدوثه بسبب المياه التي سيتم تخزينها به، خصوصا مع إصرار الجانب الإثيوبي على ملئ الخزان بالكامل، مشددًا على ضرورة وضع مصر تلك المشكلة في الحسبان.
القوصي قال: "لا توجد حلول قطعية من الجانب المصري، وهو أمر يمثل استمراره كارثة حقيقية على البلاد، والحل الوحيد الذي يجب اتباعه الآن هو أن تضم الحكومة المصرية الملف القانوني للملفين السياسي والفني في تعاملها مع الأزمة، حيث تتعامل وفقًا لحقها القانوني الذي يمنع إثيوبيا من إقامة هذا السد".
يأتي ذلك في الوقت الذي أكد الخبير في مجال المياه والري، روبير اسكندر، لـ"العين" أن المخاوف المصرية من سد النهضة "مبالغ فيها"، مستندا إلى عدم قدرة الجانب الإثيوبي على منع المياه عن مصر عن طريق السد الذي يجري بناؤه حاليا، وقال: "إثيوبيا تعي جيدا أنها إذا حاولت منع المياه عن مصر ستغرق، لذلك فإنها تمارس ضغوطا نفسية تمثل المكسب الوحيد لها من الأزمة الراهنة".
يذكر أن إثيوبيا مصرة على الاستمرار في بناء سد النهضة، رغم الأضرار البالغة التي سيسببها السد لمصر، وتأثيره السلبي على حصتها من مياه النيل، بينما تتزايد دعوات الخبراء والمخصصين في مجال الموارد المائية للحكومة المصرية، لاتخاذ موقف أكثر حزما لرفض بناء السد على شكله الحالي.
aXA6IDE4LjIyNS43Mi4xNjEg جزيرة ام اند امز