اعلم ان ميراث الفساد فى السنوات العجاف كان ثقيلا جدا وانه تسلل الى كل جوانب الحياة فى مصر واستباح فيها الحرام والحلال
اعلم ان ميراث الفساد فى السنوات العجاف كان ثقيلا جدا وانه تسلل الى كل جوانب الحياة فى مصر واستباح فيها الحرام والحلال وان أسوأ ما كان فيه ان النفوس وهنت والضمائر ماتت والرغبات والأطماع تجاوزت كل الحدود
اعلم ان سلطة القرار مازالت حائرة لأن مواكب الفساد لم ترفع راية الإستسلام بل انها تسعى الى ضم حشود جديدة لأن لها مدارس ونشطاء وبقايا تتصور ان الفساد يحميه المزيد من الفساد .. ان الشئ المؤسف ان الحكومة حتى الأن تفتقد الجرأة والقرار تجاه قضايا الفساد فقد تركت كل شئ للقضاء والقضاء حباله طويلة واحكامه تلغى بعضها بعضا ولا مجال امام السلطة لكى تنفذ حكما او تصدر قرارا .. بقدر ما للقضاء من قدسية وحصانة إلا انه فى احيان كثيرة يكون بطيئا وعلى كل الأطراف ان تنتظر العدالة حتى لو تأخرت ..
ان الشئ الغريب ان معظم قضايا الفساد ونهب المال العام لم تأخذ مكانها المناسب فى أداء الحكومة حتى الأن وتأجلت اكثر من مرة حتى تلك التى صدرت فيها احكام قضائية ..
> لقد توقفت كثيرا امام الأرقام التى اعلنها المستشار الجليل محمد عبد الرحمن حول قضية الحوافز المالية والإدارية فى وزارة الداخلية بالمشاركة مع وزارة المالية والنقل والجهاز المركزى للمحاسبات وتم رفع اسماء 90 مسئولا من قوائم المنع من السفر .. جاءت الأرقام شيئا مزعجا فما هى الحوافز التى تصل الى اكثر من مليار و650 مليون جنيه.. وبأى حق يحصل أمين شرطة على 20 مليون جنيه وكيف يحصل مندوب مباحث فى المطار على 14 مليون جنيه او ان يسدد مندوب علاقات عامة 5 ملايين جنيه او ان يشترك 19 لواء فى سداد 95 مليون جنيه لخزانة الدولة.. او ان يحصل 23 عاملا مدنيا على حوافز 26 مليون جنيه او ان يحصل رئيس الإدارة المركزية لخزانة وزارة الداخلية على 14 مليون جنيه او ان يحصل 22 موظفا إداريا على 12 مليون جنيه حوافز شهرية، وكيف تسربت هذه الملايين الى عدد من الأشخاص تحت مسمى حوافز احتياطية لمواجهة الأهداف الأمنية وماذا يعنى ذلك الوصف من الناحية المالية والإدارية والأمنية والقانونية .؟!
كان هؤلاء ــ كما جاء فى التحقيقات ــ يحصلون على هذه الملايين نتيجة الجهود غير العادية التى يبذلونها رغم انهم لا يعلمون مصادرها ولا يستطيع احدهم رفض تسلمها فلا هى إعتداء على مال الدولة ولا هى حالة إختلاس فما هو معناها فى قاموس الفساد واى حافز هذا الذى يصرف بالملايين من الجنيهات ؟!.. فى كواليس الإدارة المصرية مئات من هذه القضايا ولو فتشنا وراء سلسلة الصناديق السرية فى كل وزارة فسوف نكتشف ان هناك نزيفا ماليا بمئات الملايين التى صرفت لمن لا يستحقونها لأننا حتى الأن لا نعلم حجم الأموال فى هذه الصناديق وما هى ضوابط الصرف منها ولماذا كل هذا الغموض والسرية فى نشاط هذه الصناديق التى تمثل دولة غير الدولة .. فى يوم من الأيام حين بدأ الحديث عن هذه الصناديق قيل ان الأموال المودعة فيها تصل الى 40مليار جنيه وفى رواية أخرى ان الرقم اكبر من ذلك بكثير ولكن من يبحث وراء هذه الصناديق فسوف يكتشف جرائم فساد واعتداء على المال العام لا حدود لها .
> لقد فتحت اجهزة الدولة ملفات الإعتداء الصارخ على اراضى الدولة فى الطرق الصحراوية وقدرتها بآلاف الملايين ولم تصل حتى الأن الى شئ رغم ان الحكومة تصورت يوما ان اقل التقديرات التى ستحصل عليها هى 100 مليار جنيه وهو رقم ضئيل جدا إذا علمنا ان ارض العياط التى حصلت عليها الشركة الكويتية هى 36 الف فدان تزيد قيمتها على 60مليار جنيه ومازالت المفاوضات بين الحكومة والشركة لم تصل الى شئ، وهناك مساحات أخرى حول الشريط الأخضر والجيزة الجديدة وعشرات المنتجعات التى لم تحصل الحكومة على شئ منها .. ان هذه المشروعات كانت بالفعل مشروعات استثمارية عقارية ولكن الدولة فرطت فيها بمبالغ هزيلة رغم ان العائد منها يمكن ان يحقق موارد ضخمة للميزانية تغنى الحكومة عن إصدار قرارات تعسفية ضد فقراء مصر
> لا احد يعلم أين ملفات بيع القطاع العام واصول الدولة المصرية فى مشروع الخصخصة، هناك قضايا فساد كثيرة فى هذه الملفات خاصة ان المشروعات بيعت فى ظروف غامضة ومن خلال لجان سرية افتقدت الأمانة والشفافية ولا احد يعلم اين ذهبت حصيلة بيع هذه المشروعات وهل دخلت ميزانية الدولة ام كانت صفقات غامضة بين المسئولين الكبار ورجال الأعمال الذين سطوا على ممتلكات الشعب .. كانت تقديرات البنك الدولى ان اصول القطاع العام تتجاوز 500 مليار جنيه فى حين ان ارقام الأجهزة المسئولة توقفت عند مبلغ 83 مليار جنيه وحتى هذا المبلغ لم يعرف احد اين مصيره وهل دخل فى مشروعات المجارى والمياه والكهرباء التى لم تنفذ ام فى الكبارى التى سقطت فى حفلات افتتاحها .
> لا احد يعلم أين اختفت اموال التأمينات والمعاشات طوال ثلاثين عاما وكيف سطت عليها وزارة المالية وقد تجاوزت فى يوم من الأيام رقم 420 مليار جنيه .. هذا الرقم الضخم تسرب فى اماكن كثيرة من اجهزة الدولة رغم ان الدولة لا تملك فيه شيئا فهو مستحقات ملايين العاملين الذين احيلوا للمعاش ولا يعرفون مصير اموالهم .
> وسط كل هذه الأرقام المخيفة التى كانت فى يوم من الأيام أرصدة فى خزائن الدولة المصرية ما بين اموال الصناديق السرية واموالها الخفية وقيمة الأصول فى القطاع العام التى بيعت بتراب الفلوس واموال التأمينات والمعاشات وقيمة بيع ملايين الأفدنة من الأراضى التى تحولت الى آلاف الملايين من الجنيهات فى المنتجعات والعقارات وتجارة الشقق.. وراء كل صفقة من هذه الصفقات قصة فساد وحكايات طويلة عن كبار المسئولين وخلف كل واحد منهم حشد من رجال الأعمال وخلف رجال الأعمال فريق من المنتفعين من السماسرة والتجار والمقاولين والإعلاميين ..
> فى دفاتر واوراق الأحوال الشخصية آلاف الأسماء التى تتصدر الأن خريطة المجتمع المصرى والمطلوب مراجعة البيانات وأين كان هؤلاء وكيف اصبحوا ومن فيهم كان موظفا صغيرا يسكن مع اسرته وحين تحسنت الأحوال كان يسكن شقة من حجرتين فمن أين جاءت الملايين بل والبلايين وما هو مصدر كل هذه الثروات لأنها لن تبتعد كثيرا عن صفقات الأراضى او بيع القطاع العام او اعمال السمسرة او نهب الصناديق واموال الشعب .
> فى عملية بسيطة لنا ان نتصور اربعة ارقام فقط فى سجلات الإقتصاد المصرى ونتساءل ببراءة شديدة أين ذهب رقم 500 مليار هى قيمة اصول القطاع العام كما قدرها البنك الدولى وأين ذهبت 420 مليار جنيه قيمة أموال المعاشات والتأمينات وأين تسربت اموال الصناديق السرية والأخطر من ذلك ما هو مصير 2.5 تريليون جنيه هى ديون مصر الأن ..
> للأسف الشديد يحدث هذا ومصر الأن تعيد بناء وإنشاء شبكة الطرق بما يزيد على 80 مليار جنيه .. ومصر الأن تقيم شبكة لإنتاج الكهرباء تجاوزت 40 مليار جنيه ومصر اقامت مشروع قناة السويس بما يزيد على 30مليار جنيه وهناك بلايين مطلوبة للصرف الصحى والمجارى والمياه وكلها تمثل البنية الأساسية التى تصورنا يوما انها ابتلعت بلايين الجنيهات واكتشفنا الأكذوبة حين طفحت المجارى فى كل المحافظات لأنها لم تشهد تغييرا منذ عشرات السنين .. فهل تسربت اموال مصر فى منظومة الفساد مع مشروعات لم تنفذ ولم تتم وكانت مجرد حبر على ورق .
اقول إذا كانت ثورة يناير قد اخفقت فى تحقيق اهدافها فى العدالة والحرية والكرامة الإنسانية فينبغى الا تفشل الحكومات فى مطاردة الفساد فمازالت له قواعد تحميه ومازال يتسرب كالسرطان فى اجهزة الدولة ومن حين لآخر تظهر بعض اعراضه التى تؤكد اننا حتى الأن لم نقف وقفة حاسمة فى وجه هذا الوحش الكاسر .
> تبقى امامى نقطة اخيرة تؤرقنى واخشى ان تلحق بعشرات القضايا التى عجزت الحكومات المتتالية ان تحسمها وهى قضية اموال الكسب غير المشروع وهى تفتح مجالات كثيرة للتساؤل نحن امام مئات الأشخاص وآلاف الملايين من الجنيهات وهناك إحساس عام بأن الحكومة قد نفد صبرها وسوف تقبل فى النهاية بأية مبالغ تحصل عليها من رجال الأعمال فى ظل تسويات تجرى فى سرية تامة ولا احد يعلم نهايتها فى آخر المطاف .. ان الشئ المؤكد اننا امام اموال كثيرة وكثيرة جدا حصل عليها اشخاص بغير حق وان العدالة تقتضى قبل العفو والغفران استرداد الحقوق وهى اموال الشعب .. ان إحساس اجهزة الدولة بالعجز واليأس امام هذه التسويات سوف يصل بها الى قبول اشياء تتعارض تماما مع ابسط قوانين العدالة ان يرد هؤلاء ما نهبوا من الأموال .. ان مجرد قبول الحكومة بمبدأ الرد مع إسقاط العقوبات او الجزاءات او المحاكمات يعتبر عملا فى غاية الإنصاف والرحمة .. ولهذا اطالب لجنة تسوية المنازعات مع رجال الأعمال فى قضايا الكسب غير المشروع ان تعلن كل شئ للشعب خاصة ان جداول الممتلكات التى اعلنها جهاز الكسب غير المشروع بعد ثورة يناير مازالت محفوظة فى ذاكرة الناس وسوف يكون من الصعب إخفاؤها او السكوت عنها ..
> الخلاصة عندى ان الحكومة تحاول ضغط الميزانية وتوفير بنود ورفع رسوم الجمارك على السلع الترفيهية وفرض قانون الخدمة العامة لتوفير 20 مليار جنيه، وتحاول الحكومة ايضا زيادة اسعار بعض السلع والخدمات وضغط الإنفاق فى بعض الجوانب .. وهذه إجراءات مطلوبة ولكن هناك ملفات تحقق عائدا اكبر إذا كانت الحكومة جادة بالفعل فى مواجهة قضايا الفساد وهذه تبدأ بما يحدث فى تسويات الكسب غير المشروع وتنتهى عند متأخرات الضرائب على رجال الاعمال وهى رقم كبير جدا .. مازالت فلول الفساد فى مصر تكابر دفاعا عن مصالحها ومازالت توهم الحكومة بأنها الأقوى والأقدر فوق سلطة القرار، وهذه هى المأساة ان يكون الفساد اقوى من الدولة .
*ينشر هذا المقال بالتزامن في جريدة الأهرام وبوابة العين الالكترونية*
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة