إيناس أبو حمد.. تعد الدكتوراه بدون يدين أو قدمين
أردنية تنعم بالأمومة وتقول: "لا أعتبر نفسي من ذوي الإعاقة، فالمعاق هو الذي لا يعرف هدفه في الحياة، ولا يحدد مساره، ويعيش بدون رسالة".
"ولدت طفلة طبيعية، ولكن شاء القدر أن أصاب في عمر 3 سنوات بمرض جدري الماء، ونتيجة المضاعفات التي حدثت فقدت جزءا كبيرا من أطرافي، في السابق كنت اشعر أن الحالة التي أعيشها هي ابتلاء من الله عز وجل، لكنني الآن على يقين تام بأن الله أنعم علي بنعم كثيرة".
هكذا بدأت الأردنية إيناس أبو حمد تروي حكايتها، التي تعد حالياً لأطروحة الدكتوراه في الفقه وأصوله بالجامعة الأردنية. وتقول إيناس البالغة من العمر 32 عاما: "لا أعتبر نفسي من ذوي الإعاقة، فالشخص المعاق هو الذي لا يعرف هدفه في هذه الحياة، ولا يحدد مساره، ويعيش بدون رسالة، والفضل لله ومن ثم لعائلتي لوصولي إلى الأهداف التي خططت لها منذ الصغر، والآن أدرس الدكتوراة بكل عزيمة وإرادة وأخطط لما بعد هذه الدرجة من العلم".
تجد إيناس أن العائلة تلعب دوراً مهماً ورئيسياً في بناء شخصية الطفل، خاصة إذا تعرض لمرض، فتقول: "لاحظ أهلي منذ صغري أنني فتاة ذكية، وأن تهميشي سيدمرني بدون شك، ومن هنا بدؤوا بمعاملتي كأي فرد في العائلة، وتحميلي مسؤوليات كثيرة، بالفعل فقدت يدي من الكفين، والرجلين من الركبة، ولكن أهلي بحثوا عن طرق كثيرة للتكيف وألحقوني بمدارس مختلفة لاستكمال تعليمي وصولاً لمرحلة الجامعة، فوالدي الذي يعمل موظفا حكومياً وأمي ربة منزل كان لديهما إصرار ألا أكون مختلفة عن إخوتي الستة".
التعليم والتعلم
إيناس لم تكتف بدراسة البكالوريس، بل كثفت جهودها لحفظ القرآن الكريم، وبالفعل خلال الفترة من عام 2001 إلى 2005 تمكنت من حفظ القرآن بشكل كامل وحصلت على شهادات متخصصة بالتجويد على مستويات متعددة من بينها مبتدئة ومتقدمة وحصلت على الإجازة بالقرآن في السند العالي، وفي عام 2005 كانت تقوم بتدريس التجويد للأطفال في مراكز عدة بالأردن.
تضيف إيناس: " بعد انتهائي من مرحلة البكالوريس عام 2006، تم تعيني في مدرسة ام ورقة الأنصارية لتعليم الطلبة مادة التربية الإسلامية، وفي ذات الوقت قررت دراسة ماجستير الفقه وأصوله في الجامعة الأردنية، وفي عام 2009 أصبحت معلمة في المدرسة التي درست فيها وأنا طالبة، وهي مدرسة باب الواد، ورحبت بي الكوادر هناك، وحتى هذه اللحظة أعلم بها الطالبات".
دور الأمومة
أسرة إيناس ومن حولها وفروا لها الأجواء لكي تبني نفسها، ولا تنعزل عن البيئة المحيطة بها، ففي المدرسة والجامعة نقلوا المحاضرات للطوابق الأولى حتى لا تنزعج إيناس وتواجه صعوبة الدرج الذي يمنعها من الوصول للقاعة، وتقول: "كم أفرح عندما أرى هذا الدعم مقدماً لي، حتى أن الطالبات في المدرسة يساعدوني في تحريك الكرسي، لأصل إلى أي مكان بشكل أسرع، استطعت أن أبني علاقات سوية ومتوازنة مع المحيطين بي، بعيدة عن نظرة الشفقة، فالتعليم يجعل الإنسان الذي يعاني من إعاقة يواجه الحياة بكل ثقة، ودون خوف".
تجد إيناس أن الله عز وجل لم يحرمها من الأمومة، فهذا الدور لطالما حلمت به، وهو دور ليس بالسهل القيام به، فوجود ابنها "عبد الرحمن" في حياتها جعلها تتمسك بالحياة ويزيدها قوة وسعادة، تتابع إيناس: "تزوجت من إمام وخطيب مسجد في وزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية، وأصبح لدي ابن اسمه عبد الرحمن، وزوجي يقف معي ويدعمني دوماً، وهو إنسان طبيعي ولا يعاني من أي إعاقة، وبشكل مستمر يشجعني في دراستي ويقدم لي الدعم النفسي ويساعدني في حياتي ورعاية ابني الذي يحتاج للكثير من الاهتمام".
صعوبات
الإنسان يثبت نفسه عن طريق أعماله وقدراته، لكنه يواجه بعض الصعوبات، وتقول: "لا أنكر أني أواجه صعوبات عدة، من بينها صعوبات حركية، خاصة أنني أعتمد منذ فترة طويلة على الكرسي المتحرك، وفي طفولتي اعتمدت على الأطراف الاصطناعية، ولكن بسبب التقرحات لم تعد تناسبني، والأطراف الموجودة في الأردن ثقيلة جدا وتسبب لي الألم بدلاً من إزاحته عني، بحثت طويلا عن حلول ووجدت أن أفضل أطراف تناسبني تصنع في دولة ألمانيا فهي خفيفة لكنها مكلفة ولا أستطيع توفيرها، وباقي الصعوبات سهلة مع هذه الصعوبة".
طموح إيناس أن تنهي دراسة الدكتوراه بنجاح وتفوق، وأن تدرس الطلبة في الجامعات، وأن تتفرغ مستقبلاً للبحوث الإسلامية المختصة بعلوم الفقه وأصوله، وأن ترى ابنها "عبد الرحمن" محباً للقرآن الكريم ومدافعا عن الإسلام وما يمسه من قضايا.