"الحلال".. مواجهة إرهاب "داعش" بالمسرح
العمل نال اعجاباً واسعاً مقابل اتهامات بالخطابية والسطحية
"العين" تقدم قراءة للمسرحية المثيرة للجدل والتي تجري أحداثها في منطقة سيناء في مصر، وتقابل مخرجها ومعنيين ونقادا مسرحيين.
أثارت مسرحية "الحلال" التي تعرض على مسرح الطليعة في القاهرة وينتجها البيت الفني للمسرح المصري، جدلًا واسعـًا في الوسط الثقافي المصري. فقد رأى البعض أن هذه المسرحية القصيرة تجسد معنى "ثقافة المواجهة"؛ لأنها تواجه بالإبداع انحرافات التطرف وشرور الإرهاب والتأويلات الخاطئة لصحيح الدين، مع البرهنة على أن الفن الملتزم قادر دومـًا على جذب الجمهور الكبير والانتصار لقضايا الشعب وإنقاذ شباب مغرر به من أسر ثقافة السمع والطاعة التي تعتمد عليها تنظيمات الإرهاب عبر تأويلات أبعد ما تكون عن حقيقة الإسلام؛ دين الرحمة والحرية والتسامح.
في المقابل، نالت المسرحية سهام الانتقادات، باعتبارها عملًا يتسم بالمباشرة والخطابية ويرسم شخصيات مسطحة تفتقر إلى العمق.
تدور أحداث المسرحية، وهي من تأليف أشرف حسني وإخراج محمد إبراهيم وإنتاج البيت الفني للمسرح، حول شابين يعيشان في "جبل الحلال" في سيناء بعد انضمامهما لجماعات جهادية ومنظمات إرهابية ويشتركان في تنفيذ بعض أعمال تفجير المنشآت العامة كالمدارس وغيرها، إلى أن يفيق أحدهما مدركـًا خطورة ما يقوم به من أعمال تخريبية، ليبدأ الصراع فيما بينهما.
إبراهيم: العمل الأول ضد "داعش"
في تغطية خاصة لـ"العين" لهذا العمل المسرحي، تحدثت إلى المخرج محمد إبراهيم، الذي يرى أنه أول عمل فني في الوطن العربي يتحدث عن تنظيم "داعش" الإرهابي، ويحارب تأويل القرآن والإرهاب الديني.
وفي تصريحه لـ"العين" يفخر إبراهيم بأن مصر حازت قصب السبق في تقديم أول عمل مسرحي يحارب المنظومة الإرهابية ككل من خلال مسرحية "الحلال"، ويشير إلى أنه تحمس للعمل منذ قراءته النص لأهمية القضية التي يتناولها النص المسرحي، فالعالم الآن يعاني كله مخاطر الإرهاب. ويتساءل إبراهيم قائلًا: "إذا لم يقف الفن خلف الوطن وقيادته وجيشه فيما يواجهه الآن من مخاطر الإرهاب الذي يهدد كيان الدولة ومنظومتها فمتى يأتي دوره؟".
ويعبر إبراهيم عن سعادته بإخراجه هذا العمل الذي يغوص في الواقع ويكشف الوجه القبيح للإرهاب الأعمى وكيف يتم التغرير بخيرة شباب الوطن والزج بهم للقيام بعمليات إرهابية في المدارس والميادين التي يعيش فيها أبناؤهم وبناتهم وأقاربهم..
من ناحيته، أكد الفنان فتوح أحمد، رئيس البيت الفني للمسرح ومنتج مسرحية "الحلال"، سعادته بالنجاح الذي حققته المسرحية في أول عروضها بمسرح الطليعة، وأوضح أن العمل يناقش قضية مهمة تمس جميع المصريين وباقي أبناء الوطن العربي، وهي قضية الفكر الإرهابي للجماعات التكفيرية ومحاربة الفكر الداعشي المتشدد وخلط المفاهيم بسبب الجهل الديني لدى البعض. وأضاف أن المسرحية تناقش الفكرين المتطرف ونقيضه المعتدل من خلال عمل فني والمشاهد هو من سيقرر من خلال مشاهدته وإدراكه حقيقة الفكر الإرهاب.
وفي تصريح خاص لـ"العين" صرح فتوح أحمد بأن العروض المسرحية للحلال لن تتوقف عند حدود القاهرة بل ستتجول بالوطن العربي بتعليمات من وزير الثقافة المصري حلمي النمنم، كما ستجوب باقي محافظات مصر. ويؤكد أحمد أن المسرحية بنفس أهمية الخطاب الديني إن لم تزد عنه، متوقعـًا أن تُحدث تغييرًا كبيرًا في مواجهة الفكر الداعشي.
شاهين: مواجهة الانحراف الفكري
الداعية الإسلامي مظهر شاهين، الذي حضر العرض المسرحي الأول لـ"الحلال"، اعتبر المسرحية عملا فنيا رائعا يعالج قضية الانحراف الفكري عن صحيح الدين ويقبح مزاعم "داعش" الإرهابية ومن هم على شاكلتهم وهو صراع ما بين الضمير الذي يجسده أحد الأبطال على المسرح وما بين أحد الإرهابيين الذين يعتنقون الفكر الداعشي "فكر الجماعات المتطرفة" من خلال الحوار تعرض المسرحية عددا من القضايا التي تستغلها "داعش" لتزييف الحقائق الشرعية مثل قضية جهاد النكاح، التكفير، والطاعة العمياء بدون تفكير وهو قضية السمع والطاعة في النهاية، وإن كان الداعشي استطاع قتل الضمير الذي يجسده أحد الأبطال إلا أن المشاهد يستفيد أن الضمير هو الأبقى حتى لو قتل؛ لأنه يبقى في نفوس الناس يمثل الحق.
وأشار أن مثل هذه الأعمال مهمة للغاية في الوقت الحالي أن محاربة الإرهاب لا تكون بالسلاح فقط إنما تحتاج إلى تكاتف الجميع، تحتاج إلى الجيش والشرطة من ناحية وتحتاج إلى الفكر المستنير من دعاة الأزهر من ناحية أخرى، وتحتاج إلى أعمال فنية. ويرى شاهين أن المسرح يثقف المجتمع بتعرية هؤلاء الإرهابيين، مطالبـًا الدولة بنشر هذا العمل داخل كل ربوع مصر والوطن العربي.
عبدالرازق: مجرد محاكاة للواقع
على الجهة المقابلة، يرى الناقد المسرحي أحمد عبد الرازق في تصريح خاص لـ"العين" أنه بالرغم من أهمية هذه القضية المطروحة على الساحة وهي قضية "الإرهاب من أجل الدين"، فإن المسرحية لم تناقشها بشكل جيد ولم تنقل جديدًا ولم تضع حلولًا، لكنه كان مجرد عرض لمحاكاة الواقع. وأنه كان ينبغي للعرض أن يناقش القضية بشكل جيد وعميق بحيث يضيف رصيد خبرة جديدة لدى المتلقي، فالعرض لم ينقل جديدًا ولم يضع حلولًا، لكنه نقل معلومات يعرفها المشاهد جيدًا، فمن ثم هو عرض يحاكي الواقع ولكن لم يدفع المشاهد إلى فهم كيفية المواجهة.
ومن وجهة نظره، فقد قدمت المسرحية القضية بطريقة سلبية تمامـًا، وهي الاستسلام للتطرف والإرهاب، بدليل أن مشهد النهاية قام الإرهابي فيه بذبح صديقه عندما أعطاه سكينـًا كي يقتله لأنه تمرد على الدواعش والآخر متمسك بمبادئ أبو بكر البغدادي قائد "داعش" الإرهابي، وقال له: تستطيع أن تقتلني يا صديقي، لكنك لن تستطيع أن تقتل الوطن، فيذبح الداعشي زميله وينتهي العرض، لينتصر الفكر الداعشي بدون مقاومة.
ويرى عبدالرازق أن هذه هي النقطة خطيرة؛ إذ إن العرض ينتصر لفكرة الاستسلام ولا يدفع المشاهد لفكرة المقاومة، وهو أمر مزعج، خاصة أن الإرهابي الذي قتل كان قد أنقذ فتاة جاءت من أجل جهاد النكاح وساعدها على الهرب.
ويوضح أن النقطة الثانية التي يعيبها على العرض هي أنه قدم شخصيات مسطحة للغاية ليست لها ملامح ومن ثم جاءت كل ردود فعلها بلا مبرر من الناحية الواقعية أو حتى الفنية، ولذلك وجدنا المشاهدين يتعاطفون مع الإرهابي الذي عاد له عقله، وهي نقطة خطيرة أخرى، لأنه في النهاية إرهابي.
النقطة الأخرى والأخيرة، حسب الناقد أحمد عبدالرازق، أن الإرهابي الشرس المؤمن بتعاليم وفكر البغدادي كان يلقي "إفيهات" فيدفع المشاهد للضحك، ومن هنا يصبح شخصية محببة لدى المشاهد لأنها تدفعه للضحك، فكان يجب أن ينقل لي الممثل فكر الإرهابي بطريقة تجعل المشاهد يكرهه وينفر من أفكاره. وهناك ارتباك في الشخصيات ومناقشة القضية. ويضيف: المؤلف ناقش القضية من الخارج ولم يتعمق فيها، حيث لم يتناول شخصيات لها أبعاد نفسية، ويرى أن مقالا من المقالات الرصينة المُحكمة التي تكتب عن الدواعش قد يكون أكثر تأثيرًا من هذا العرض.
aXA6IDMuMTI5LjY5LjEzNCA= جزيرة ام اند امز