لا بد، أول القول، من إقرار هذه الحقيقة: تطوير المجلس الوطني الاتحادي بالمعنى الغربي أو المتداول للكلمة أو العبارة ليس أولوية في دولة الإمارات
لا بد، أول القول، من إقرار هذه الحقيقة: تطوير المجلس الوطني الاتحادي بالمعنى الغربي أو المتداول للكلمة أو العبارة ليس أولوية في دولة الإمارات، وهو ليس أولوية لدى المجتمع قبل القيادة، وإذا أتينا إلى سلم الأولويات بالاستناد إلى الواقع والحياة والاحتياجات وما يرتبه الدستور الذي ظل صمام الأمان على مدى العقود، فإن من الأولويات الأولى تعديل الدستور في ما خص المادتين 120 و121 اللتين تفرزان الاختصاصات الاتحادية عن المحلية، والمطلوب بهذا الصدد، النزوع إلى إقرار حالة واقعية كرستها التجربة ووعى معناها ونتائجها المجتمع، فأهداف الدستور إنما تصعد من الواقع إلى النظر، وليس من النظر إلى الواقع إلا لدى تناول المبادئ والقيم، ويتفرد دستور دولة الإمارات في تقديم حقوق الإنسان في الصحة والتعليم والإسكان والخدمات الاجتماعية على الحقوق السياسية بين قوسين، وهذا مسار متميز يقيناً، حيث تؤدي الحقوق السياسية في الدول ( أو لا تؤدي ) الى تحسين التنمية والخدمات، وفي دولة الإمارات تتحقق التنمية وهدفها الإنسان، مطوقة بالأمن والعدل، نتيجة عقد اجتماعي متوارث ويؤَسس له باستمرار، ومن هنا فإن المجتمع يعرف أولوياته، ويعرف كيفية ترتيبها.
لكن يظل ترتيب أولويات للمجلس الوطني الاتحادي ضمن المسار المتدرج ضرورياً، فبماذا يبدأ؟ على ماذا يركز؟ كيف يفرق في تعامله بين اليومي والاستراتيجي؟
وجب التأكيد، في الاختتام كما في الابتداء، على أهمية وضرورة التطوير، لكن على طريقتنا وبما يشبهنا ويشبه روحنا، لا كما ظن البعض، وأثبتت التجربة والأيام وَهْمَ أو على الأقل سوء تقدير ما رأى، وإن كان البعض حسن النية، فإن البعض الآخر المعلوم لم يكن كذلك مطلقاً
هنا محاولة أو اجتهاد لإثبات 7 أولويات يجدر بالمجلس الوطني الاشتغال عليها في المرحلة المقبلة:
أولاً- يهدف المجلس الوطني، كونه السلطة الدستورية الرابعة، انطلاقاً من مركزه واختصاصاته حسب الدستور واللائحة الداخلية، إلى إصلاح المؤسسات الحكومية في مختلف القطاعات، وإذا كانت هذه واحدة من أوليات أولويات المجلس، فإن الأولوية التي تسبقها هي مراجعة «بيت» المجلس من الداخل، نحو إصلاحه، بدءاً من هيكلية يرى الكثيرون من الأعضاء الحاليين والسابقين والمتابعين عموماً أنها ليست بحجم الطموح أو حتى الواقع، حتى تمكن المجلس الوطني من القيام بعمله على الوجه الأكمل، ومن أبرز ما يثار حصر عمل المجلس الأساسي في إدارة سميت إدارة الجلسات واللجان، تقابلها إدارة خدمات مساندة وكأنها المماثل أو الند، ويرى المشار إليهم ضرورة اهتمام تنظيمي وعملي أكبر بالجلسات واللجان وهما يخصان الرقابة والتشريع، وهما شغل المجلس المنصوص عليه في الدستور واللائحة، بحيث تكون إدارة الخدمات في حجمها الحقيقي كمساندة أو مساعدة.
ثانياً- من الصفات التي تطلق على أداء المجلس أنه أداء متفاوت ومتذبذب، ومطلوب النظر في هذه الفرضية نحو تعديل أصل ما يعرف أو يشاع، فقد يعود السبب إلى معايير اختيار الأعضاء سواء من كان معيناً أو منتخباً، ما يعني مراجعة أسلوب الاختيار لدى دواوين أصحاب السمو الحكام، ودخول الناخبين في المسؤولية والجدية بحق وهم يختارون ممثليهم، والحق أننا رأينا، بأم أعيننا، وعبر السنوات والعقود، من أعطى كل وقته وجهده لعمل المجلس، ومن أمسك بالعصا من الوسط، كما رأينا من انشغل أثناء الجلسات بالهاتف المتحرك خارج القاعة لمتابعة «دوامه» أو تجارته، ورأينا من يتكلم بعلمية وموضوعية، مع معرفة بالشأن المحلي والسياسي والأنظمة المتبعة، كما رأينا من يتكلم للاستعراض و«الظهور في الجريدة»، ورأينا المتكلمين عن عدم معرفة، ورأينا صامتين من أول الجلسة إلى آخرها، ومن أول دور الانعقاد إلى آخره، ومن أول الفصل التشريعي إلى آخره.
حسن التعيين والانتخاب أول خطوة، إلى جانب إصلاح الهيكلة، في إصلاح أداء المجلس الوطني ككل، ويشتمل الأمر ذاته على حسن اختيار هيئة المكتب، بدءاً من الرئيس ونائبيه، حيث ينسب النجاح أو الفشل إلى أسلوب عمل الرئاسات المتعاقبة، ما يعني أن «مأسسة» المجلس تعاني، حتى الآن، من خلل ما.
ثالثاً - من الممكن، وفق الوضع الحالي، وفي أفق مسار المشاركة السياسية المتدرج، تطوير الجلسات، لجهة المحتوى والأداء، وكذلك، قبل ذلك، تطوير عمل اللجان، فكيف يمكن خلق لجان جديدة تنسجم مع الأداء الحكومي المتميز؟.. الإشادة هنا واجبة بإضافة لجنة المستقبل أخيراً إلى جانب لجان المجلس الدائمة، ولكن ألا ترون أن ما تم أخيراً قد تأخر كثيراً؟.. وفي لفتة ذكية أطلق المجلس لجنةً «مؤقتة» للتوطين، فهل من أمل في إعادتها مع ديمومة تتسق وديمومة مشروع التوطين في بلادنا؟
بالنسبة للجلسات، فوقتها، في الأغلب الأعم، لا يستثمر بشكل ملائم أو صحيح، ولو اطلع المرء على محاضر المجلس، فسوف يلاحظ ظاهرة التكرار في الجلسة الواحدة، وفي الملف الواحد، ومن يقرأ ملفات الصحة والتعليم والإسكان وغيرها، عبر الفصول التشريعية، يجد، لا محالة، العجب العجاب. القصد ضرورة القفز في عمل الجلسات واللجان من التقليد إلى الإبداع.
رابعاً - تتبع ذلك وترتبط به ضرورة تطوير الأدوات البرلمانية في المجلس، فيجب الإفادة من الأدوات الراهنة إلى أقصى مداها، وحسب أصولها، وهي «مناقشة موضوع عام»، و«مناقشة مشروع قانون»،. و«سؤال إلى وزير»، والفصل بينها وعدم التداخل كما حدث في الواقعة الشهيرة، يوم وجه الأعضاء، ضمن أداة «سؤال إلى وزير»، سبعة أسئلة، في غير حاجة أو ظرف طارئ، إلى عهود الرومي، وزيرة دولة للسعادة.
هنا تقترح أيضا أداة برلمانية جديدة باسم «اقتراح برغبة» وتتمثل في استفسار من عضو المجلس موجه إلى الوزير عن موضوع يعتقد العضو أن الحكومة لا تعرفه، وهذه الأداة تختلف عن أداة «سؤال إلى وزير»، ففي هذه الحالة يوجه العضو سؤاله إلى الوزير في موضوع لا يعرفه هو ويفترض أنه في علم الحكومة. طبعاً إضافة هذه الأداة تسهم في حراك أفضل بين المجلس والحكومة، وهي تحتاج تعديلاً دستورياً.
خامساً - يقابل التطوير المفترض في أداء المجلس وصلاحياته تطوير واجب في صلاحيات وزارة الدولة لشؤون المجلس الوطني الاتحادي، فكيف يعمل ويبدع الوزير المختص، بعيداً عن أي شخصنة، في ظل صلاحيات خفيضة ومقيدة؟
سادساً - تعيش بلادنا أجواء حماسية جميلة مع التمهيد لانتخابات المجلس الوطني عبر اللجنة الوطنية التي تؤلف لهذا الغرض، والإسراع في تشكيل أو إعلان اللجنة الوطنية نحو انتخابات العام 2019 مسألة لا تحتمل التأجيل أكثر، ولعل بعض دور المجلس الحالي المطالبة رسمياً بذلك، مع اقتراح ألا تكون حكومية خالصة، فكونها «لجنة وطنية» لا يعني أنها حكومية، ولا يعني كفاية أن يضاف إليها اثنان من الوجهاء أو الخبراء من خارج الحكومة، ومطلوب إشراك المجتمع المدني ومنظماته في أعمال اللجنة.
سابعاً - من أوليات أولويات المجلس الوطني في المرحلة المقبلة ودائماً خلق علاقة طبيعية وحيوية وسوية مع الصحافة ووسائل الإعلام، والعلاقة اليوم ليست في أحسن أحوالها، ما حول معظم التغطيات إلى ما يشبه محاضر جلسات المجلس. السؤال هنا: لماذا؟ وقد يكون السائل أعرف بجواب سؤاله من المسؤول.
هذه بعض أولويات المجلس، ولحديث مجلسنا الوطني صلة، ووجب التأكيد، في الاختتام كما في الابتداء، على أهمية وضرورة التطوير، لكن على طريقتنا وبما يشبهنا ويشبه روحنا، لا كما ظن البعض، وأثبتت التجربة والأيام وَهْمَ أو على الأقل سوء تقدير ما رأى، وإن كان البعض حسن النية، فإن البعض الآخر المعلوم لم يكن كذلك مطلقاً.
نقلا عن "الخليج"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة