على جمع النخب الدينية الكشف والتوعية والإعداد والتأثير، وهو أمر يهم المسلمين أكثر من غيرهم
نتحدث هنا عن مؤتمرين وليس عن مؤتمر واحد، الأول تم في أبوظبي من جانب منتدى تعزيز السلم برئاسة الشيخ عبدالله بن بيه، وموضوعه: الدعوة إلى حلف فضول جديد من أجل سلامة الأديان والأوطان وسلام العالم، والثاني أقامته رابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة، وكان موضوعه: الوحدة الإسلامية.. مخاطر التصنيف والإقصاء.
أعطى رائد منتدى تعزيز السلم للمؤتمر عنوانا نحو حلف فضول جديد، وقصد بذلك التقاء خمسة بطون من قريش قبل الإسلام على إنصاف المظلوم، وكفّ يد الظالم، وصنع الخير لذوي الحاجة والمسكنة من الزائرين، وحضر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- اجتماع التحالف وكان في العشرين من عمره، وقال بعد النبوة والإسلام إنه لو دُعي إلى مثيله في الإسلام لوافق وأيد، واعتبر الشيخ بن بيه في دعوته للمؤتمر أن هذه المبادرة الإنسانية، التي انطلقت من مكة قبل الإسلام بدوافع إنسانية وأخلاقية وأقرها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تصلح أن تكون عماد مبادرة جديدة لمجتمع الخير العالمي، يتقدم بها العرب والمسلمون، وتلتقي مع أخلاق وممارسات العطاء والخير في العالم، وحقوق الضيافة والجوار.
وكان الشيخ بن بيه في مؤتمر مراكش عن الأقليات وحقوقها، ومؤتمر منتدى تعزيز السلم الرابع، عاد إلى عهد المدينة ليجد في تلك الممارسة تأسيساً لفكرة وممارسة الدولة الوطنية التعددية الدستورية، دولة المواطنة. وجرى التأكيد على ذلك في المؤتمر الخامس أيضاً، فالدولة الوطنية تقيم نظام المواطنة والعدالة، ونموذج حلف الفضول يمكن أن يتأسس عليه مجتمع الخير العالمي.
مؤتمر رابطة العالم الإسلامي عالج مسألة شديدة الحساسية والخطورة، وتتصل بالتهديدات التي تتعرض لها وحدة المسلمين أو تعرضت لها بالفعل من خلال التصنيف من جانب مجموعات متشددة للناس إيماناً ودرجة وحكماً، ومن جهة الإقصاء بالتكفير
أما مؤتمر رابطة العالم الإسلامي فقد عالج مسألة شديدة الحساسية والخطورة، تتصل بالتهديدات التي تتعرض لها وحدة المسلمين أو تعرضت لها بالفعل من خلال التصنيف من جانب مجموعات متشددة للناس إيماناً ودرجة وحكماً، ومن جهة الإقصاء بالتكفير، لقد انصبت بحوث المؤتمر على الأعراض والعِلَل واقتراح المعالجات، وعلى ذلك أو إليه اتجهت معظم البحوث، لأن الخلافات داخل الإسلام أوصلت إلى انشقاقات صار درؤها متعذراً إلا بإصلاح حقيقي في التفكير الديني.
أما الموضوع الآخر لمؤتمر رابطة العالم الإسلامي فهو الإسلاموفوبيا، باعتباره نزعة إقصائية، ودرستُ في المحاضرة التي ألقيتُها أسباب الظاهرة التي انتشرت في أوروبا ثم في العالم، فذكرتُ عدة أسباب رئيسية؛ كثرة المسلمين وتزايد أعدادهم في أوروبا، وعودة الدين بهوياته ذات الخصوصية التي تصل للتطرف، والهجرة الكثيفة، والعنف الذي انتشر باسم الإسلام، والأسباب الجيوثقافية والجيواستراتيجية، وشرحتُ بالتفصيل كل عامل من العوامل أو المتغيرات الأربعة.
عندما كتب جيل كيبيل كتابه «حروب بين المسلمين» (2004) رددتُ عليه، لكن كان لا بد من الاعتراف بالواقع أن هؤلاء العنيفين انفجروا في وجوهنا وفي وجوه العالم، ولا بد من مكافحتهم إبقاء على الدين والدولة والمجتمعات.
ماذا تفيد هذه المؤتمرات ما دامت النخب الدينية هي الغالبية بين الذين يحضرونها من العلماء والدارسين؟ لهذه المؤتمرات رسالتان: رسالة للداخل ورسالة للخارج، في الرسالة الداخلية فإن على جمع النُخَب الدينية الكشف والتوعية والإعداد والتأثير، وهو أمر يهم المسلمين أكثر من غيرهم، فالمؤتمرات ذات الطبيعة التشاورية تعين على إيضاح وجوه الاختلال من جهة، كما أنها تبلور بالنقاش الجديد الذي يمكن الإعداد له وعرضه من جهة أخرى، أما الأمر الآخر الذي تدفع إليه إقامة هذه المؤتمرات فهو النشر للأُطروحات بين المسلمين وفي العالم، هناك حركة دؤوب في العقد الأخير من جانب رابطة العالم الإسلامي ومن جانب مشيخة الأزهر، ومن جانب منتدى تعزيز السلم باتجاه الجهات الدينية والثقافية في العالم وفي المجال الدولي، وهناك تكثيف للجهود في المجال الإسلامي للتوعية بمخاطر التطرف والتصنيف والإقصاء.
نحن محتاجون للإلحاح على المبادرات والنشاطات، وما نزال في مواقع الدفاع، لكن المبادرات على اختلافها تخلق أجواء لاستعادة السكينة في الدين، وصنع السلام بين المسلمين وفي العالم.
نقلا عن "الاتحاد"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة