العودة إلى الجذور.. غموض حول تهديد فيروس زيكا لإفريقيا
من المرجح أن يجتاح الفيروس المناطق الإفريقية بسبب شبكة الرحلات الجوية المنتظمة من جزر الأطلسي ما يعزز احتمالات ظهور سلسلة من الإصابات.
فلورزينها أمادو حامل في شهرها الثامن، وتحاول أن تهدئ من روعها من أن عدوى زيكا الفيروسية التي أصيبت بها وهي في الأسبوع الحادي والعشرين من حملها لن تنال من جنينها الذي لم ير النور بعد.
لكن أمادو ليست برازيلية، بل تعيش في جزر الرأس الأخضر، وهي عبارة عن أرخبيل بركاني يبعد 570 كيلومترا إلى الغرب من السنغال، وهي مجرد واحدة من مائة من الحوامل بالعاصمة بريا اللائي أصبن بالفيروس.
وتشاركهن في هذه المخاوف السلطات في غرب إفريقيا، التي تسعى جاهدة لتهيئة دفاعات لدرء خطر المرض عن المنطقة، وأيضا خبراء عالميون في حقل الصحة يقولون إنه قد ينطوي على عواقب مجهولة في دول غير مستعدة على الوجه الأكمل لمجابهة طوارئ صحية جديدة في أعقاب وباء الإيبولا.
وكان فيروس زيكا الذي ينقله البعوض قد رصد لأول مرة على أيدي عالم الفيروسات الاسكتلندي جورج ديك، ومواطنه عالم الحشرات الكسندر هادو، بإحدى غابات عنتيبي في أوغندا عام 1947.
والمرض نفسه بسيط ولا تظهر أعراضه على 80% من المصابين به، لكنه انطلق ليتصدر قمة اهتمام الدوائر الصحية بالعالم بعد تفشّيه في البرازيل والاشتباه بأنه يرتبط بزيادة في تشوّهات المواليد.
والآن وبعد نحو 70 سنة من اكتشافه في القارة الإفريقية يهدد بالعودة إلى جذوره التي نشأ فيها، لكن يبدو أنه يأتي هذه المرة في صورة مختلفة ليتسبب في إصابات على نطاق واسع.
وقال نيك بيتشنج، بكلية طب المناطق الحارة في ليفربول وهو خبير بالجمعية الأوروبية للميكروبيولوجيا الإكلينيكية والأمراض المعدية: "تحتفظ جزر الرأس الأخضر بروابط تاريخية مع البرازيل، ويبدو على الأرجح أن المرض انتقل إليها من هناك".
ووفقا لبيانات حديثة من وزارة الصحة بجزر الرأس الأخضر فقد تم تسجيل أكثر من سبعة آلاف حالة إصابة بالفيروس في البلاد منذ بداية ظهور المرض في أكتوبر عام 2015 بسبب سقوط أمطار غزيرة على نحو غير معهود في الصيف الماضي ما أسهم في زيادة أعداد البعوض.
ويرى بيتشنج أن من المرجح أن يجتاح الفيروس المناطق الإفريقية بسبب شبكة الرحلات الجوية المنتظمة من جزر الأطلسي ما يعزز احتمالات ظهور سلسلة من الإصابات.
وقال مسؤولو صحة بالمنطقة إن قلقا بالغا ينتابهم بشأن تصدير فيروس زيكا للسنغال أو غينيا بيساو، اللتين تشتركان مع جزر الرأس الأخضر في أنهما مستعمرتان برتغاليتان سابقتان.
وقال مسؤولون إن اجتماعا إقليميا بشأن زيكا عُقد في العاصمة السنغالية دكار في التاسع من الشهر الجاري ناقش خلاله مسؤولون غربيون وأفارقة التأهب لاحتمال انتقال حالات للمنطقة.
وقال عبد الله بوسو، منسق مركز عمليات الطوارئ الصحية بالسنغال، إن بلاده بها برنامج نشط للترصد الوبائي يتضمن "مواقع رصد" أنشئت بوصفها نقاطا للإنذار المبكر تحسبا لتفشي أي إصابات. وقال "لا توجد حالات في بلادنا حاليا لكن الخطر قائم".
* بعوض كثيف
تعتبر إفريقيا أرضا خصبة لانتشار زيكا بعد أن رصد الباحثون أكثر من 20 نوعا مختلفا من البعوض الحامل للفيروس هناك على الرغم أنه لم يتضح بعد إن كانت جميعها تنقل المرض بسرعة للبشر.
وفي نهاية المطاف فإن حجم الضرر الناجم عن زيكا على هذه القارة الواسعة يعتمد على مستوى المناعة لدى سكان القارة، وهذا يتوقف بدوره وبصفة حاسمة على مدى التطور الوراثي الذي طرأ على تركيب الفيروس خلال رحلته حول العالم.
وما يضاعف من القلق التحذير الذي أصدره خبراء منظمة الصحة العالمية في بحث نشرت نتائجه إلكترونيا في التاسع من الشهر الجاري يقول إن الفيروس "يبدو أنه تبدّل في محتواه".
ولم تتكشّف بعد طبيعة التغيّر على وجه الدقة لكن ماري كاي كيندهاوزر وزملاءها يقولون إن زيكا تغير خلال مروره بآسيا من مجرد عدوى تُحدث حالات محدودة إلى عدوى تسفر عن كمّ هائل من الإصابات، وبدءا من عام 2013 فصاعدا ارتبط الفيروس على ما يبدو بولادة أطفال يعانون من اضطرابات عصبية ومن صغر حجم الرأس بصفة خاصة.
وقال جيمي ويتوورث –وهو باحث يقيم ببريطانيا يعمل الآن لدى كلية لندن للصحة وطب المناطق الحارة ودرس زيكا في أوغندا منذ زمن عندما كان لا يزال ظاهرة فيروسية تستحق حب الاستطلاع-: إن الأمور تتغير والمخاطر تتزايد.
وأضاف "هناك بضعة فروق وراثية بين الأنسال الإفريقية والآسيوية ويبدو أن الأنسال الآسيوية قد تكون أكثر قدرة على الانتقال والازدهار بين العشائر البشرية".
أما ما يعنيه ذلك على أرض الواقع فلا يزال غير مؤكد ومن الناحية النظرية ربما يكون هناك قدر من التفاعلات البينية لحماية سلالات زيكا المختلفة ما قد يقي الأفارقة من النسخة الحالية من الفيروس.
لكن بيتشنج قال إن حمى الدنج –القريبة من فيروس زيكا الذي ينقله البعوض- لديها أربع سلالات معروفة، ولا يوجد سوى قدر محدود ومؤقت من الحماية بينها. وأضاف: "لا ندري الآن كيفية انتشار زيكا مستقبلا إذا ما وصل إلى إفريقيا".
ومن بين الأسئلة المحيرة المهمة الأخرى: لماذا لا توجد علاقة ظاهرية في إفريقيا بين زيكا وتشوّهات الأجنّة؟ علما بأن القارة شهدت حالات من زيكا بين الحين والآخر لعقود إن لم يكن من قرون أو آلاف السنين.
وربما ظهرت أي حالات سابقة من صغر حجم الرأس في المواليد أو الاضطراب العصبي المعروف باسم متلازمة جيلان-باريه لكنها لم ترصد في القارة الإفريقية نظرا لتردي مستوي البنية الأساسية للرعاية الصحية بها.
لكن ويتوورث يأمل بالعودة إلى هناك وإلقاء نظرة على الماضي لأن دولا منها مالاوي وكينيا وأوغندا لديها سجلات طبيعية خاصة بسكانها تتعلق ببيانات وقياسات حجم الرأس وبنوك الدم ومشتقاته ما يجعل إجراء الفحوص أمرا ممكنا.
وعودة مرة أخرى إلى المستشفى المركزي في بريا عاصمة جزر الرأس الأخضر حيث تقول ماريا دو سيو مديرة الشؤون الطبية إنه لم تظهر حتى الآن أدلة على صغر حجم الرأس بين الحوامل في البلاد ممن ينتظرن حادثا سعيدا من بين المصابات بزيكا واللاتي من المقرر أن يضعن حملهن لأول مرة هذا الشهر.
أما أمادو فتشعر بالتفاؤل قائلة "شجعني الطبيب على أن أجري فحوصا للاطمئنان على الجنين بالموجات فوق الصوتية وأبلغني بأنني على ما يرام. لقد حدث ذلك فجأة بعد أن بدأت تظهر البقع على بشرتي ثم ذهبت إلى عنبر الولادة وتابعني الأطباء، وأحمد الله أن كل شيء على ما يرام".
aXA6IDMuMTQ3LjYuMTc2IA== جزيرة ام اند امز