زيكا.. مرض الفقراء قد لا يغيّر من عادات الإجهاض في البرازيل
850 ألف امرأة بالبرازيل سنويا تجرى لهن عمليات الإجهاض غير القانونية، وسط ظروف بالغة الخطورة، وتواجه الواحدة منهن عقوبة السجن 3 سنوات.
تعاني إريتانيا ماريا، الحبلى منذ ستة أشهر بأول أطفالها، من طفح جلدي وارتفاع طفيف في درجة الحرارة، وهي من بين أعراض عدوى زيكا الفيروسية التي ترتبط بتشوهات في المخ لدى المواليد بالبرازيل.
لكن حالة من الرعب تنتاب الشابة البالغة من العمر 17 عاما تحول دون أن تجري فحوصا لمعرفة ما إذا كانت فعلا مصابة بعدوى زيكا.
ومثلها أخريات من النساء من سكان في الأحياء الفقيرة بمنطقة ريسيفي -يعشن بمناطق بوضع اليد في منشآت عشوائية بمستنقعات ابتليت بالبعوض في شمال شرق البرازيل- ليس لديها خيارات تذكر إذا أنجبت طفلا يعاني من صغر حجم الرأس وعدم اكتمال نمو المخ، وهي من مضاعفات عدوى زيكا.
تعاني البرازيل من أشد القوانين قسوة في العالم بخصوص الإجهاض، وهي دولة ذات ثقافة محافظة. وحتى إذا لجأت ماريا إلى الإجهاض غير القانوني وكانت قادرة على تكاليفه فإنها دخلت في الأشهر الحرجة من الحمل بحيث لا يجرؤ طبيب على المجازفة بالقيام به، لذا فقد قررت ألا تعرف شيئا بخصوص حالة جنينها. وقالت وقد برز بطنها: "أتخوف للغاية من أن اكتشف أن طفلي مريض".
وجددت عدوى زيكا الجدل بشأن تخفيف قوانين الإجهاض، لكن حالة ماريا تكشف الفجوة القائمة بين النشطاء ومسؤولي الأمم المتحدة، الذين يطالبون بالتغيير فيما يميل فقراء البرازيل –الذين باتوا الحلقة الأضعف من ضحايا الفيروس الذي ينقله البعوض- إلى معارضة الإجهاض.
ومما يفاقم الأمر كونجرس البرازيل المحافظ الحافل بالمسيحيين الأنجليكانيين المعارضين بشدة لتخفيف القيود، علاوة على صعوبة التعرف على حالة صغر حجم الرأس مبكرا لتنفيذ الإجهاض بأمان، وبدا أن آمال التغيير قد كتب عليها الفشل.
وكما هو الحال في كثير من الدول الكاثوليكية بأمريكا اللاتينية، تفرض البرازيل حظرا على الإجهاض إلا في حالات الاغتصاب أو عندما تكون حياة الأم في خطر أو أن يكون الجنين مصابا بمرض عضال سيقضي عليه حتما.
وتجرى عمليات الإجهاض غير القانونية لمن يقدر عددهن بنحو 850 ألف امرأة بالبرازيل سنويا وذلك وسط ظروف بالغة الخطورة، وتواجه الواحدة منهن عقوبة السجن ثلاث سنوات، لكن تنفيذ هذه العقوبة نادر الحدوث من الناحية الفعلية.
ونحو ثلثي سكان البرازيل من الكاثوليك، فيما يتزايد سريعا التأييد للأنجليكانيين، وتشير نتائج استطلاعات الرأي معارضة البرازيليين لتغيير القانون. وأظهر استطلاع أجراه معهد فوكسبوبولي عام 2010 أن 82% يعارضون عدم تجريم الإجهاض، فيما أشار استطلاع آخر أجراه معهد داتافولها في العام ذاته إلى أن هذه النسبة بلغت 72%.
وقال فاندسون هولاندا، مدير الشؤون الصحية بالكنيسة الكاثوليكية في شمال شرق البرازيل، إنه يستحيل أن تغير الكنيسة موقفها من الإجهاض بسبب زيكا، فيما وصل عدد حالات الاشتباه بصغر حجم رأس الأجنّة إلى أربعة آلاف حالة تأكدت منها 400 حالة حتى الآن منذ رصد زيكا لأول مرة في إبريل الماضي، ونحو ثلث عدد حالات الاشتباه هذه بولاية بيرنامبوكو حول ريسيفي.
ولم يظهر أن هذه الأرقام –التي تقارن بنحو 150 حالة في شتى أرجاء البلاد في السنة العادية- آخذة في التناقص.
ورغم عدم وجود دليل علمي على ارتباط زيكا بمرض صغر حجم رأس الأجنّة، أعلنت منظمة الصحة العالمية أن عدوى زيكا الفيروسية تمثل حالة طوارئ دولية تحدق بالصحة العامة بسبب "اشتباه قوي" في ارتباطها بآلاف من حالات تشوه الأجنة. وانتشر الفيروس في 26 دولة في الأمريكتين منذ وصوله إلى البرازيل.
ويعتزم نشطاء جماعات مدافعة عن حقوق المرأة بالبرازيل مثل (أنيس) مطالبة المحكمة العليا بالبلاد بتخفيف قوانين الإجهاض ويأملون بالبناء على سابقة ناجحة في عام 2012 أجازت القيام بالإجهاض قانونا في حالات نمو الجنين دون اكتمال أجزاء من المخ والجمجمة.
ونظرا لصعوبة تحديد ظاهرة صغر حجم الرأس إلا في الأسابيع الأخيرة من الحمل، قالت سينارا جومييري، المستشارة القانونية لجماعة (أنيس)، إن الجماعة سترفع طلبا لدى المحكمة لتقنين الإجهاض للنسوة اللائي شخصن بالإصابة بزيكا ممن تتعرض أجنتهن لاحتمالات هذه الحالة حتى لو لم تشخص الحالة في الأجنة لكن جومييري اعترفت صعوبة ذلك. ولا يتوقع الأطباء الذين قاموا بالحملة عام 2012 تكرار النجاح السابق.
وقال يوجينو بيتا، وهو طبيب في ريسيفي يجري الإجهاض القانوني في منشآت الصحة العامة منذ عشرين عاما: "الأمر مختلف تمام الاختلاف. فمع حالة عدم اكتمال نمو المخ والجمجمة لا تكتب الحياة للجنين، والإجهاض يسرع فقط في الأمر المحتوم، أما الأطفال الذين يولدون بصغر حجم الرأس فهم يعيشون عادة".
*الكونجرس المحافظ يشدد القوانين
ويبدو أن من غير المرجح إجراء إصلاحات تشريعية بعد أن جاءت انتخابات عام 2014 بكونجرس أكثر محافظة يحفل بالإنجيليين، الذين يمثلون نحو خمس عدد سكان البلاد البالغ 200 مليون نسمة.
واقترح إدواردو كونها، رئيس مجلس النواب البرازيلي، الذي أنتخب بتأييد من أعضاء الكونجرس الإنجيليين، سن تشريع لتشديد القيود على الإجهاض في حالات الاغتصاب المزعوم وهي المقترحات التي أثارت احتجاجات في البرازيل العام الماضي.
وتروح مئات البرازيليات ضحية أو يصبن إصابات خطيرة كل عام جراء عمليات الإجهاض غير القانونية الفاشلة، التي تستخدم فيها معدات بدائية، ومعظمهن نسوة فقيرات ليس بإمكانهن السفر إلى الخارج أو دفع أتعاب الطبيب الكفء.
وقال جيلسون كوريا، أمين الخدمات الصحية في ريسيفي، وهو يطالب بإجراء مناقشات عامة بشأن تحرير هذا القانون: "ترتبط عمليات الإجهاض غير القانونية بعواقب خطيرة وهي تداعيات يجب أن نمعن النظر فيها جيدا".
وحتى الآن توجد أدلة غير حاسمة على أن زيكا أدى إلى ارتفاع حالات الإجهاض، وقال موقع (وومن أون ويب) الإلكتروني، وهي جمعية خيرية مقرها أمستردام عرضت دفع فواتير الإجهاض بلا مقابل للحوامل المصابات بزيكا، إن طلبات الرسائل الإلكترونية من البرازيل التي تستفسر عن هذه الخدمة تضاعفت في الآونة الأخيرة بواقع ثلاث مرات.
ويمكن استخدام هذه الفواتير لإنهاء الحمل في الأسابيع الاثني عشر الأولى.
لكن خدمات إلكترونية أخرى مثل (أبورتو نا نوفيم) قالت إنه لا تغيير بخلاف الزيادة الشهرية العادية التي تتراوح بين 15 إلى 20% شهريا التي يسجلها الموقع منذ إطلاقه العام الماضي. فيما قال هنريك بير، المشارك في إنشاء الموقع، إن هذه الخدمة تقتصر أساسا على البرازيليين الأثرياء ولا يتوقع حدوث زيادة بسبب زيكا.
*الاكتشاف المبكر
وباستخدام أحدث التقنيات، يقول الخبراء إنه بات بالإمكان اكتشاف علامات صغر حجر الرأس بدءا من نحو 24 أسبوعا، لكن من المستحيل تحديد مدى شدة الحالة. وفي البرازيل عادة ما يتم اكتشافها من 30 إلى 32 أسبوعا، وهو موعد لا يمكن عنده أن يجري الأطباء إجهاضا غير قانوني.
وقال إلياس ميلو، طبيب أمراض النساء والتوليد البارز بمستشفى داس كلينيكاس في ريسيفي: "بعد مرور 12 أسبوعا على الحمل يتعذر أن تجد طبيبا بالبرازيل يجري الإجهاض غير القانوني وبعد مرور 24 أسبوعا يصبح الأمر مستحيلا".
وعلى الرغم من ذلك، فقلما يواجه الأطباء إجراءات قضائية في حين يقضي القانون بمعاقبتهم بالسجن 20 عاما.
وقال ميلو "إنه ليس مجرد مسألة قانونية بل هو موضوع ثقافة أيضا"، مشيرا إلى أنه بعد مرور من 30 إلى 32 أسبوعا يكون هناك طفل وزنه كيلوجرامان يمكن أن يعيش لو خرج من الرحم.
ومما يعقد الأمر أن نحو 80% من المصابين بزيكا لا تظهر عليهم الأعراض، فيما لا يوجد أي اختبار موثوق به على نطاق واسع لاكتشاف الفيروس.
ويقول الخبراء إنه نتيجة لذلك ربما تلجأ بعض الأمهات للإجهاض الاحترازي في بدايات الحمل لتفادي خطر حالات صغر حجم الرأس.
وتعقد إيلانا لوي، مؤرخة العلوم الفرنسية، مقارنات مع عدوى روبيلا (الحصبة الألمانية) التي انتشرت في بريطانيا وفرنسا في خمسينات القرن الماضي عندما كان الإجهاض محظورا بحكم القانون، لكن عدد حالات الإجهاض المبكر سجل زيادات هائلة.
لكن بخلاف عدوى روبيلا –حيث يعاني نحو 85% من الأجنّة الذين أصيبوا بالفيروس في بدايات الحمل من تشوهات- فلا يوجد لدى الأطباء أي دليل حتى الآن على أن زيكا يتسبب في صغر حجم الرأس.
وقال ميلو "أصيب نصف عدد مرضاي الخمسين بأعراض تشبه زيكا في مراحل الحمل المختلفة ولم يولد أي طفل لهن يعاني من صغر حجم الرأس".
ولا تزال الزيادة الهائلة في أعداد حالات صغر حجم الرأس تضيف أعباء ثقيلة على الأسر الفقيرة وخدمات الصحة العامة التي تكابد الأَمَرَّيْن بالفعل.
وبأحد مستشفيات ريسيفي، تهدهد جابرييلا فالكاو طفلها وعمره شهران، والذي ولد بحالة صغر حجم الرأس مع تقوس الساقين فيما تنتظر وصول الطبيب.
وتقول "لو عاد بي الزمن إلى الوراء لحبّذت ألا تُجرى لي عملية إجهاض. إني أتعلق بأمل أن ينمو طفلي ويترعرع ليصبح مثل الأطفال الآخرين".
aXA6IDE4LjIyMi4xNjYuMTI3IA==
جزيرة ام اند امز