هكذا قضت محكمة إسرائيلية بسجن أولمرت، رئيس الوزراء الإسرائيلي (2006 - 2009) ورئيس حزب كاديما سابقاً، 18 شهراً، بعد إدانته برشوة
هكذا قضت محكمة إسرائيلية بسجن إيهود أولمرت، رئيس الوزراء الإسرائيلي (2006 - 2009) ورئيس حزب كاديما سابقاً، 18 شهراً، بعد إدانته برشوة، في صفقة عقارية، قيمتها 60 ألف شيكل (14 ألف دولار)، حين كان رئيساً لبلدية القدس (1993 - 2003)، ولم يفعل أولمرت شيئاً سوى الامتثال والقول: «أتقبل بقلب مثقل إدانتي، فلا أحد فوق القانون».
وكانت المحاكم الإسرائيلية، قبل أولمرت، قضت بسجن الرئيس الإسرائيلي السابق موشيه كاتساف (2000 - 2007)، سبعة أعوام لاتهامه بالاغتصاب والتحرش الجنسي، علماً أن جهاز القضاء الإسرائيلي حكم على عديد الوزراء وقادة الأحزاب وأعضاء الكنيست بالسجن، أو أضطرهم للتخلّي عن مناصبهم العامة، بسبب فساد مالي أو تحرّش جنسي، ومنهم: اسحق مردخاي، أرييه درعي، حاييم رامون، وسيلفان شالوم، حتى إيهود باراك استُدعي للتحقيق في قضايا مالية، وشمل ذلك بنيامين نتانياهو نفسه، الذي تم التحقيق معه ومع زوجته لمجرد شبهة زيادة النفقات في منزله، أو تلقّي هدايا، وهو في منصبه كرئيس حكومة.
المشكلة أن البعض عندنا يستغرب ذلك، بدلاً من إمعان التفكير بهذه الدولة، وبالتالي المقارنة بين طريقة الحكم فيها، وطريقة الحكم في بلداننا، أيضاً ثمة بعض من يذهب، في سياق رفضه إسرائيل، نحو إنكار أي ميزة لها، كأن ذلك يتبع لنا، أو كأنه منّة منا، وكأن العدو لا يكون عدواً إلا إذا كان منحطاً، من كل النواحي، في حين أن هذا يرجع الى واقع أن إسرائيل، شئنا أم أبينا، أعجبنا أو لم يعجبنا، تتصرف باعتبارها دولة، بمعنى الكلمة، أي ليست ملكاً لشخص، ولا لعائلة، ولا لحزب، ولا لطائفة، حتى ولو كانت في نظرنا غير شرعية، ومغتصبة.
والأهم، أن هذه الدولة تدار بالطرق الديموقراطية الحديثة، كدولة مؤسسات وقانون ودستور، ووفقاً لنظام الديموقراطية الليبرالية، الذي يتأسس على فصل السلطات، وتداول السلطة، في دولة مواطنين أحرار ومتساوين. وفي الواقع، فهذا ما يميز إسرائيل عن أنظمتنا، وهو ما يضمن استمرار تطوّرها واستقرارها وتفوّقها، ما يعني أن الأمر لا يتعلق فقط بقوتها العسكرية، وبتحالفها مع الغرب، هذا على رغم كل ملاحظاتنا على معنى الحرية والمساواة في دولة استعمارية واستيطانية، تخلط بين الدين والقومية وتستمد كثيراً من قوانينها وأيديولوجيتها من الشعائر اليهودية، وتتحكم باقتصادها الشركات الكبرى.
ولنلاحظ أن هذا الجانب بالذات، أي دولة المؤسسات والقانون والمواطنين، هو ما تفتقده بلداننا، والذي حرصت الأنظمة الاستبدادية على حرماننا منه، بدعوى مواجهة إسرائيل، في واقع يفتقر الى الدولة، وفي ظلّ وضع لم تتحول فيه مجتمعاتنا الى مجتمعات حقاً. هكذا ففي إسرائيل، حيث الفصل بين السلطات، يتم الحكم على رئيس ورئيس حكومة ووزراء ونواب وضباط، في قضايا جنسية أو في قضايا فساد، فقط لبضعة ألوف الدولارات، في حين أننا في أحوالنا نفتقد أبسط الحقوق والحريات، ونعايش أنظمة تصادر الثروات وتبدّد الموارد، وتقتل بالجملة والمفرق وحتى تستدعي جيوشاً وميليشيات من الخارج لقتل شعبها وتشريده وحصاره.
قد لا يعجب البعض هذا الكلام، لأنه لا يتوافق مع معتقداته، أو لا يتوافق مع الصورة الرغبوية التي يريدها عن إسرائيل، وهي صورة تتأسس على الإنكار، وترسيخ الجهل بمصادر القوة الإسرائيلية، وتجيير قوتها إلى الخارج، للتغطية على قصور أنظمتنا، وتخلّف أوضاعنا، وإدراكاتنا، واستمرار الشلل في أحوالنا. وغني عن القول إن التعرف الى إسرائيل، ومعرفة مصادر قوتها الذاتية، أمر لا بد منه لتدبّر أحوالنا، في صراعاتنا المختلفة معها، أما الجهل بها، وإنكار مصدر تفوّقها، في الاقتصاد والعلوم والتكنولوجيا والإدارة ومستوى الحريات والجامعات، ونسبة الإنفاق على البحث العلمي، فلا يزيداننا إلا تخبطاً على تخبّط، وتخلفاً على تخلّف، وهزيمة تلو أخرى.
وربما من المفيد التذكير، لمن يستمرئ الإنكار، أو التجهيل، بأن إسرائيل شهدت منذ قيامها، قبل قرابة سبعة عقود، 19 دورة انتخابية للكنيست (آخرها 2013)، وهي انتخابات غيّرت مرات عدة المشهد السياسي في إسرائيل، علماً أنها تجري وفقاً للقائمة الوطنية النسبية، التي تتيح لأصغر حزب التمثل في الكنيست. وللتذكير أيضاً، فمعدل دخل الفرد في إسرائيل ارتفع من 24 ألف دولار (2007) الى 36 ألفاً (2016)، في حين ارتفع ناتجها المحلي تلك الفترة من 174 بليون دولار الى 300 بليون دولار، أما صادراتها من السلع الصناعية، لا سيما «الهاي تيك» والأسلحة، فتقدّر بحوالى 46 بليون دولار (2013)، علماً أنها دولة صغيرة من حيث المساحة وقليلة عدد السكان وتفتقر إلى الموارد.
على ذلك ربما ينبغي أن نذكر هنا للمرة الألف، أن اعتبارنا إسرائيل دولة ديموقراطية يعني أنها كذلك بالنسبة الى مواطنيها اليهود فقط، وليس بالنسبة الى الفلسطينيين، سواء كانوا من مواطنيها (في مناطق 48) أو من مواطني الأراضي المحتلة وقطاع غزة. وأيضا، فإن القول بأنها دولة ديموقراطية بالنسبة الى يهودها، لا يعني منحها صكّ براءة، لأنها في الواقع دولة استعمارية وعنصرية ودينية وغير شرعية، وتستخدم القوة للهيمنة على الفلسطينيين، ناهيك عن المآخذ الكبيرة عليها، وعلى طبيعة الديموقراطية التمييزية فيها، وعلاقة الدين بالدولة، والغربيين بالشرقيين، وطبيعتها الاستيطانية، وتغوّل الشركات فيها، وتابعيّتها للولايات التحدة.
الفكرة الأخرى التي يفترض إدراكها في هذا السياق، وعلى ضوء أوضاعنا هذه الأيام في العالم العربي، أن إسرائيل تستقوي بقوة مجتمعها، وبديموقراطيتها، لصد التدخلات والإملاءات الخارجية عليها، وضمنه صدّ الضغوط المتعلّقة بالتسوية، فيما أنظمتنا، في المقابل، تفعل كل شيء لإضعاف مجتمعاتنا، وسلبها حريتها، وتبدي ضعفاً وهشاشة وطواعية مجانية إزاء الإملاءات الخارجية، وهذا فارق مهم جداً، وله معان ودلالات كثيرة.
*ينشر هذا المقال بالتزامن في جريدة الحياة وبوابة العين الالكترونية*
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة